جلسات إيمانية في رمضان (9)

الرئيسية » بأقلامكم » جلسات إيمانية في رمضان (9)
9

جلسة إيمانية يوم 25 رمضان

بعض المعارك والفتوحات التي تمت في رمضان

إن شهر رمضان ما عُرف عنه إلَّا أنه شهر الإيمان والتقوى، وكذلك عُرف عنه أنه شهر الغزوات والمعارك والفتوحات والانتصارات؛ فالإيمان يمدُّ صاحبَه بقوة تجعله يَقتلع الجبالَ من مكانها، ويخوض البحار وعبابها.

في هذا الشهر المبارك كانت (غزوة بدر - فتح مكة - فتح الأندلس - معركة بلاط الشهداء - فتح عمورية - معركة عين جالوت - فتح قبرص - معركة المنصورة - حرب أكتوبر... إلخ).

وقبل أن نتناول بعض هذه المعارك والفتوحات باختصار شديد لابد وأن نتناول، ما يلي:-

أولاً: بعضَ أغراض الجهاد في الإسلام:-

إن الجهاد في الإسلام ليس تعطُّشًا للدِّماء، ولا رغبة في التخريب والدَّمار، إنما هو:
- تنفيذ لأمر الله تعالى طمَعًا في الأجر والثواب.
- نصرة للمستضعفين وعصمتهم من فتنة الشرك.
- دفع بأس أعداء الإسلام، وكَسر شوكتهم لإظهار دين الله الحق.

قال تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ" (البقرة 193).

عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُمرتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصَموا منِّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام وحسابهم على الله تعالى" (متفق عليه).

ثانياً: أخلاق المجاهدين في حروبهم وفتوحاتهم

إن الحرب في الإسلام لها غايات نبيلة نظيفة كما ذكرنا، وليست كما يدَّعي الأفاكون.

إن للمسلمين أخلاقًا في حَربهم لا تتوفَّر في أحد سواهم؛ فالحرب في الإسلام هي حرب نَظيفة، ولغايةٍ سامية، وليست حربَ إبادة؛ كما يسمُّونها في أيامنا هذه.

قال تعالى: "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ".

أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيش أسامة فقال: "يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني : لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقا، اندفعوا باسم الله".

مما سبق نعلم أن الإسلام لا يعرف ما يسمونه حرب إبادة، ولا يعرف ما يسمونه الأسلحة المحرمة دولياً، ولا يعرف ترويع العجائز ولا المسالمين، ولا يعرف الاعتداء دون وجه حق على إنسان ولا حتى على حيوان.

ثالثاً: بعض المعارك والفتوحات التي تمت في رمضان

معركة عين جالوت

كانت معركة عين جالوت في يوم 25 رمضان عام 658 هـ، وهي بلدة بين بيسان ونابلس في فلسطين.

استمرَّ المغول في زحفهم حتى دخلوا بغداد، واستطاع قائدهم "هولاكو" إسقاط الخلافة العباسيَّة، وقَتْل الخليفة العباسي سنة 1258م، كما قام بتدمير بغداد عاصمة الخلافة.

واصل هولاكو الزحف فاستولى على حلَب ودمشق، ثمَّ احتل المغول بلدتي "الخليل" و "غزة" في فلسطين، ولم يبق أمامه إلا مصر.

أرسل هولاكو مهدداً حاكم مصر في ذلك الوقت السلطان "سيف الدين قطز"، يطلب منه الاستسلام، فرفض السلطان قطز الاستسلام وأعدَّ جيشه للمواجهة.

نزل قطز بجيشه في "منطقة الغور" بـ (عين جالوت) في فلسطين، وفي يوم الجمعة 25 رمضان قامت معركة عنيفة بين الجيشين، وحقَّق المسلمون انتصارًا كبيرًا على جيش المغول، وأسروا قائدَهم، وأمر "قطز" بقتله.

كانت معركة عين جالوت هي نهاية أسطورة هذا الجيش الذي عاثَ في الأرض فسادًا، وفرَّت فلول هذا الجيش إلى بلادهم خزايا، وبعد هذه المعركة كانت بداية دَولة المماليك في مصر والشام.

إن عين جالوت أعادت روحَ سابقتها من غزوات ومعارك المسلمين، وكانت نبراسًا لكلِّ الشعوب وكل القادة، ونموذجًا فريدًا في الاستبسال والإقدام والتضحية.

******************************************

جلسة إيمانية يوم 26 رمضان

فتح عمورية

كانت وقعة عمورية عام 223هـ؛ حيث قام ملِك الروم (توفيل بن ميخائيل) بغَزو مدينة صغيرة على أطراف الدولة العباسيَّة في عهد الخليفة المعتصم بالله، وأوقع بأهلها مَقتلة عظيمة، وأَسر ألف امرأة مسلِمة، وقام بتقطيع آذان الأسرى وأنوفهم وسمل أعينهم.

استنجد المسلمون بالمعتصم، فغضِب غضبًا شديدًا، ونادى في المسلمين: "يا خيل الله اركبي"، وأرسل لملك الروم رسالةً يقول فيها:

"من المعتصم بالله أمير المؤمنين إلى كلب الروم: لأرسلنَّ لك بجيش أوَّله عندك وآخره عندي".

خرج المعتصم إلى بلاد الروم، وتجهَّز جهازًا لم يتجهَّز مثله خليفة قبله من السلاح والعدد، ثمَّ دخل بلادَ الروم، فأقام على (سلوقية) قريبًا من البحر، ودبَّر النُّزول على أنقرة، فإذا فتحها الله تعالى صار إلى عموريَّة؛ إذ لم يكن شيء ما يقصد له من بلاد الروم أعظم من هاتين المدينتين.

سار المعتصم مع قواده في خطَّة مُحكمة، حتى صاروا من أنقرة على مسيرة ثلاث مراحل، فهرب أهل أنقرة وعظماؤها، ونزل بها المعتصم وقوَّاده فأقاموا بها، ثم تابع المسيرَ إلى عمورية.

تحصَّن أهل عموريَّة وراء أسوارها، إلا أن المعتصم نصب المناجيق، وأمر بضرب السور، فانفرج السور من موضع وسقط، فلما كان اليوم الثالث، وكثرت الجراحات في الروم، قرَّر صاحب عمورية أن يخرج هو وأصحابه إلى المعتصم ليسألوه الأمانَ لأنفسهم ففعل، وكان فتحًا إسلاميًّا كبيرًا.

******************************************

جلسة إيمانية يوم 27 رمضان

فتح الأندلس

تولَّى موسى بن نُصَير بلادَ المغرب عام 86 هـ، وكان ذلك في عهد الوليد بن عبدالملك، فأخضع البربر، ونشر الأمنَ في البلاد، وفتح طنجة ثمَّ تركها لقيادة طارق بن زياد، وعَهد إليه بالعمل على نشر الإسلام في البلاد.

بدأَت أنظار المسلمين تتَّجه نحو إسبانيا، وكان طارق يتطلَّع لفتح إسبانيا، فراسَل (يليان) ولاطفه وتهاديا حتى يستفيد منه، وتَذكُر بعض الروايات أن (يليان) هو الذي دعا موسى بن نصير لغَزو الأندلس انتقامًا من (لذريق)؛ وذلك لاعتدائه على ابنته، وجعل (يليان) نفسه وأتباعه أدلاء للمسلمين بعد أن اطمأنَّ إليهم.

قام (يليان) بزيارة موسى بن نصير في القيروان لإقناعه بسهولة الفتح، وطبيعي أن يشكَّ موسى في صحَّة كلامه، فطلب من (يليان) أن يقوم بغارة سريعة، ففعل وعاد بالغنائم، فكان ما قام به (يليان) عاملًا مُشجعا على المواجهة؛ وذلك لأنَّ أعين المسلمين كانت متَّجهة صوب فتح الأندلس، وكانوا قد مهَّدوا الطريقَ لذلك منذ أن وصَلوا إلى طنجة، ثمَّ إن المسلمين فتحوا فرنسا وسويسرا وصقلية وجزر المتوسط كلها دون مساعدة (يليان).

كان المسلمون منذ عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان وهم يفكِّرون في فتح القسطنطينية بعد فتح الأندلس، ومن المعروف عن عثمان رضي الله عنه قوله: "إن القسطنطينية إنما تُفتح من قِبَل البحر، وأنتم إذا فتحتم الأندلس فأنتم شركاء لِمن يفتح القسطنطينية في الأجر آخر الزمان".

أرسل موسى بن نُصير برسالة إلى الخليفة بدمشق، يَستأذنه فيما هو قادم عليه، فجاء رد الخليفة: "أنْ خُضها بالسرايا حتى تختبرها، ولا تغرِّر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال".

اختار موسى للفتح طارقَ بن زياد، وركب طارق السُّفن في سبعة آلاف من المسلمين، ولمَّا علِم (لذريق) بنزول المسلمين في أرض إسبانيا جمع جيشًا جرَّارًا بلغ سبعين ألفًا، وفي رواية: مائة ألف.

سار طارق باتجاه قرطبة حتى وصَل لوادي (بكة)، وقد حُرِّف الاسم فيما بعد إلى (وادي لكة)، وهنا عرف طارق بأنَّ (لذريق) وصَل لقرطبة، ثم تقدَّم واستعدَّ للموقعة في سهل البرباط، وأرسل طارق يَطلب المددَ من موسى بن نُصير، فعجل موسى بإرسال خمسة آلاف من خيرة الجنود، فأدركوا طارقًا قبيل المعركة، وقام طارق في أصحابه خطيبًا، فشجَّعهم على الجهاد، واستعدَّ الجيشان للمواجهة.

بدأ القتال يوم الأحد الثامن والعشرين من رمضان سنة 92هـ، ثبت جيش العدوِّ في بداية المعركة، وأظهروا شجاعة فائقة، غير أنهم قد خارت قواهم أمام زَحف الجيش الإسلامي، ونتيجة كُرههم الكبير لقائدهم "لذريق" انفضُّوا عنه وفرُّوا هاربين، ومنهم مَن انضمَّ لجيش المسلمين.

هجم طارق على (لذريق) فضربه بسيفه فقتلَه، وقيل: إنَّه جرحه ورمى بنفسه في وادي لكة فغرق، وحمل النَّهر جثَّتَه إلى المحيط.

وبعد مصرعه احتلَّ المسلمون المعسكرَ وغنموه، واتَّجه طارق لفتح المدن الرئيسية في الأندلس، وقاتل مَن تبقَّى فيها من أتباع (لذريق)، وانتهى إلى عاصمة الأندلس طليطلة، وتمكَّن من فتحها.

عبر موسى بن نُصير إلى الأندلس بناء على استِغاثة وجَّهها إليه طارق، ومعه جيش عدده ثمانية عشر ألفًا، ففتح بعضَ المدن التي لم يَفتحها طارق، وبهذا الفتح الإسلامي العظيم استمرَّ الإسلام في الأندلس لمدة ثمانية قرون، وبعدها مضَت سنَّة الله تعالى، ودارت الدَّائرة، وخرج المسلمون من الأندلس؛ نتيجة لظهور الفُرقة والتنازع في صفوف المسلمين، ونتيجة لغفلتهم عن مكر أعدائهم بهم.

بعض الدروس المستفادة مما ذكر من فتوحات

1- استشعار القائد للمسئولية وعدم قبوله للدنية وطمعه في الثواب، كل هذه الأمور تلهب الجيش حمية وحماساً وتجعله عصياً على الهزيمة مهما كانت قوة العدو.

2- إن أعداء الإسلام حين يتمكنون من المسلمين لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة بل يبالغون في إيذائهم وتعذيبهم عن عقيدة راسخة لديهم وهي ( ليس علينا في الأميين سبيل ) فهم يستحلون أموال وأعراض وأرواح العرب عامة والمسلمين منهم خاصة وفي عقيدتهم أنهم لن يُحاسبوا على ما يقترفونه في حق هؤلاء وهذا ما يروِّجون له فتجد الاضطهاد والقتل والتطهير العرقي وكل أنواع الجرائم تمارس ضد المسلمين في كل مكان تحت هذا المُعتقد.

3- لابد للحق من قوة تحميه إذا انتهكت حدوده أو حرمات أهله حيث كان رد المعتصم قوياً مزلزلاً يليق بطبيعة الحدث لكي يرتدع الأعداء وليكونوا عبرة لغيرهم.

4- لابد من حسن الاستعداد ودوام الجاهزية للمواقف المفاجئة حيث أن المعتصم أعد في الحال جيشاً لم يتجهَّز مثله خليفة قبله من السلاح والعدد.

5- في المواقف الحاسمة تكون لغة القوة هي اللغة المسموح بها مع التحلي بالحكمة والاتزان والبعد عن التهور والعشوائية.

6- حسن التخطيط في المعارك يوفر الجهد ويختصر المسافات ويقلل الخسائر ويحقق نصراً عزيزاً.

اللهم وحِّد صفوف المسلمين وأعد للإسلام مجده وأهلك اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …