جولة التصعيد الأخيرة وتحيةٌ واجبةٌ لأهل غزة غير المغلوبين على أمرهم!

الرئيسية » بصائر الفكر » جولة التصعيد الأخيرة وتحيةٌ واجبةٌ لأهل غزة غير المغلوبين على أمرهم!
E14BLGbWQAY_IdS

قد يكون هناك خلافٌ على نتائج جولة التصعيد الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية المسلحة، وبين الكيان الصهيوني، في ظلِّ تداخل الكثير مِن الاعتبارات السياسية والعسكرية في عملية تقييم مآلات الوضع نظير أجندة أهداف الطرفَيْن، إلا أنَّ هناك – بالتأكيد – ما لا خلاف عليه في هذه الجولة، وهو موقف أهل قطاع غزة. هؤلاء الناس "العاديون" مِن غير المنتمين إلى أيِّ فصيلٍ سياسيٍّ، وبرغم ذلك؛ كانوا بصمودهم وموقفهم؛ أكبر عامل سياسي في الآونة الأخيرة.

بشكل عام، فإنَّه في مثل هذه المناسبات والأحداث، فإنَّ حديثَ السياسةِ يغلب على الكتابات والتصريحات الإعلامية، وينشغل الجميع بتحليل الموقف، وأبعاده الآنية والمستقبلية؛ إلا أنَّه لا نجد الكثير مِن التناول والتركيز على الأساس الحقيقي الذي صنع الحدث، والذي لولاه ما استطاعت المقاومة أنْ تقف في مواجهة الكيان الصهيوني، وهو الحاضنة الاجتماعية لها، وهم فلسطينيو قطاع غزة.

منذ العام 2006م و2007م، عندما فازت حركة "حماس" بانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثاني، وأهل القطاع يعانون الأمرَّيْن، بين – أولاً – الفلتان الأمني وضعف الخدمات بعدما عَمِدَ مسؤولو حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية الموالين لهم، والذين كانوا يديرون أمور القطاع في ذلك الوقت، إلى تعطيل نقل السلطة، والضغط على "حماس" من خلال الضغط على المجتمع الغَزِّيِّ، وبين الحصار الصهيوني ونيران الحروب المتتالية بعد الحسم العسكري من جانب "حماس" للأزمة بينها وبين حركة "فتح".

وقبل ذلك؛ لم تكن حياة أهل القطاع نعيمًا ورديًّا؛ حيث كان القطاع، حتى العام 2005م، يخضع للاحتلال الصهيوني المباشر، وكانت قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين يعيثون فيه فسادًا.

وبرغم كل هذه الضغوط في حينه، وحتى الآن، وبرغم الكثير من المغريات التي عَرِضَت على الناس هناك؛ لم يفقدوا لحظةً واحدةً الثقة بقضيتهم وعدالتها، ولا الثقة في اللهِ عزَّ وجل ووعده لهم، وبضرورة الثبات عند الشدائد.

إنَّنا في هذا الموضِع من الحديث، نتفادى عن عمدٍ الحديث عن المقاومة، وعن سلاح المقاومة، وعن أية أبعادٍ سياسيةٍ وعسكرية للموقف ونتائجه وآفاقه المستقبلية، من أجل إعطاء المجال بالفعل لأبطال حقيقيين في الحدث، يتوارى فقط دورهم والحديث عنهم أمام دَويِّ البارود وزعيق الميكروفونات ولَغَط الساسة!

يطرح الموقف المُشَرِّف لأهل غزة في الحرب الأخيرة، العديد من الأمور الجادة والمهمة للنقاش، مع الوضع في الاعتبار أنهم واجهوها في ثلاث سياقات تجعل من الصعب على أيِّ أحدٍ قبول الموقف، ولكنهم قبلوه.

السياق الأول، الأثر التراكمي لسنوات الحصار والحرب السابقة، والثاني، هو أنَّ الوحشية الصهيونية هذه المرَّة فاقت كل المرَّات السابقة بحسب شهادات موثقة نقلتها وسائل إعلام دولية من داخل القطاع، أما السياق الثالث، فهو أنَّ الحرب هذه المرَّة كانت بسبب ردود فعل الفصائل الفلسطينية في القطاع على ما يجري في القدس، وليس لمصلحةٍ مباشِرةٍ بغزة .

وذلك برغم أنَّ هناك أولويات شرعية يفرضها انكفاء أهل غزة على أنفسهم، تتعلق بافتقادهم أبسط مقومات العيش الكريم والاستقرار والأمن، والأمن كما هو معروف، أول سُلَّم الاحتياجات الإنسانية؛ لكنهم لما يفعلوا ذلك، بل قدَّموا موقفًا مسانِدًا للقيادة السياسية والعسكرية للفصائل، وهم يعلمون الثمن الذي سوف يدفعونه.

نقول يطرح ذلك الكثير من الأمور المهمة، أولها، أهمية الحاضنة الاجتماعية. من دون الحاضنة الاجتماعية؛ فلا مجالَ لأيِّ إنجازٍ سياسيٍّ أو عسكريٍّ.

الأمر الثاني، هو التنشئة السياسية والعقدية، وضرورتها في مثل هذه النوعية من الصراعات التي يكون فيها الخصم، طرفًا مجرمًا، ويخوض الناس معه صراعًا طويل المدى، وفي سياق معقد، يتعلق بمشروع استيطاني حلولي، يلعب اللعبة بطريقة المباراة الصفرية؛ نحن أو هم، وهي من أسوأ وأصعب ألوان الصراعات.

فلولا وضوح الرؤية وثبات اليقين؛ ما كان ذلك الموقف الذي صار له عقودٌ.

وفي هذا الصدد، لابد من التنبيه إلى أهمية التربية القرآنية؛ حيث إنَّ أهم ما يدعم الإيمان العَقَدي بأية قضية، هو العامل أو الباعث الديني، وفي حالة الصراع مع الصهاينة؛ فإنَّ القرآن الكريم، هو من أهمِّ روافد صناعة ذلك، من اتجاهَيْن.

لابد من التنبيه إلى أهمية التربية القرآنية؛ حيث إنَّ أهم ما يدعم الإيمان العَقَدي بأية قضية، هو العامل أو الباعث الديني، وفي حالة الصراع مع الصهاينة؛ فإنَّ القرآن الكريم، هو من أهمِّ روافد صناعة ذلك

الاتجاه الأول، كشف القناع عن وجه بني صهيون القبيح، وسردية تاريخهم الأسود في التآمر على أنبياء اللهِ تعالى ورسله، وقتلهم وتكذيبهم، وإخراج المؤمنين منهم من ديارهم، والتأكيد على العداء الدائم بيننا وبينهم.

والآيات في ذلك كثيرة، ولكن نختار منها بعض جوامِعَ الكَلِمِ مِن سُورَة "البقرة". يقول تعالى:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}.

وفي سُورَةِ "المائدة"، يقول تعالى:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82)}.

الاتجاه الثاني، هو التثبيت المبني على الإيمان، وفي القرآن الكريم في هذا الصدد، طائفةٌ واسعةٌ من الآيات الكريمة التي تثبِّت فؤاد الناس، وتطمئنهم إلى وعدِ اللهِ تعالى، وإلى الكثير مِن الأمور اللازمة في هذا الصدد، سواء من خلال الترسيخ العقدي والإيماني والنفسي، أو من خلال السردية التاريخية المتعلقة بالمسلمين الأوائل مع الرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم".

والقرآن الكريم في حدِّ ذاته، هو تثبيتٌ للفؤاد والنَّفس، وصيانةً للروح من الضلال، ففي سُورَة "هود"، يقول اللهُ تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)}، في سُورَة "الفرقان"، يقول اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)}.

ويأتي التوجيه مباشرًا في الكثير من مواضِع القرآن الكريم، منها ما قاله اللهُ تعالى في سُورَة "الأنفال": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)}.

وأخيرًا؛ فإنَّ هناك الكثير من الحديث يمكن قوله في هذا الصدد، ولكن نختم بشيءٍ مهمٍّ يجب على قادة المقاومة في غزة وخارجها الالتفات له. إنَّ أهل غزة هم الذخيرة الحقيقية لكم؛ لا الصواريخ ولا القنابل ولا المدافع الرشاشة، وبالتالي؛ فإنَّ صيانتهم بكل معنى الصيانة؛ ينبغي أنْ يكونَ أولى أولياتكم.

إلى قادة المقاومة: إنَّ أهل غزة هم الذخيرة الحقيقية لكم؛ لا الصواريخ ولا القنابل ولا المدافع الرشاشة، وبالتالي؛ فإنَّ صيانتهم بكل معنى الصيانة؛ ينبغي أنْ يكونَ أولى أولياتكم

وبالتالي؛ فإنَّ هناك ضرورة لوضع مكانة أكبر في سُلَّم أولويات شعار "وأَعِدُّوا"، لما يتعلق بتأمين الجبهة الداخلية في القطاع بالمعنى العسكري واللوجستي، بما في ذلك إقامة ملاجئ في المناطق ذات الكثافة السكانية في القطاع، بما في ذلك المخيمات، ولو حتى يتم تخصيصها للنساء والأطفال، ويكون ذلك الأمر مُحْكَمًا كما يتم في خطط بناء الأنفاق وتأمين غرف العمليات المشتركة بين الفصائل.
وفي النهاية؛ حفظ اللهُ تعالى كُلَّ المخلصين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (1-2)

قال تعالى: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ …