سمعت بالأمس أحد مذيعي البرنامج التلفزيونيه يتحدث بكلام جاد محوره أن الأخلاق تمر بأزمة أو بمحنة صعبة. وطلب من المشاهدين أن يتفكروا فيما يدور حولهم من أمور عديدة لم تكن موجودة في السابق خاصة فيما جدّ في وسائل التواصل الاجتماعي ليروا أمثلة على هذه الأزمة بشكل جلي وواضح وضوح الشمس. فعلاً فكل منا يعلم أن هناك الكثير في وسائل التواصل الاجتماعي مما هو سخيف بذيء لدرجة تقشعر لها الأبدان والتي تدعو إلى انحدار الأخلاق والتمسك بكل ما هو منافي لآداب السلوك السوية القويمة، وعلى النقيض هناك الكثيرون ممن يدعون إلى حسن الخلق وحسن التعامل مع الناس.
مشاهدة هذا البرنامج كان دافعاً لي لأن أفكر ملياً في هذا الموضوع الهام ألا وهو موضوع الأخلاق فلقد حث الإسلام على الخلق الحسن وجعل المنزلة الرفيعة لمن يتخلق به، كما أنّ الفطرة الإنسانية السليمة تتجه دائماً نحو من يتحلى بالخلق الحسن كالأمانة والصدق والوفاء وجميع الخصال الحسنة لما لها من تأثير كبير على حسن التعامل ونشر المحبة والألفة بين الناس.
والأخلاق لغة هي ﺟﻤﻊ ﺧﻠﻖ، ﻭاﻟﺨﻠﻖ اﺳﻢ ﻟﺴﺠﻴﺔ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻃﺒﻴﻌﺘﻪ اﻟﺘﻲ جبل ﻋﻠﻴﻬﺎ.
أما في الاصطلاح فهي قوة في النفس البشرية، يصدر عنها العديد من الأفعال أو الأقوال إمّا محمودة أو مذمومة بحسب هذه القوة أو الإرادة.
إن الإسلام حثنا جميعاً على التحلي بالأخلاق الحميدة وجعلها جزءاً من العبادة نؤجر عليها، كما أنها جعلت مجالاً للتنافس والتفاضل بين العباد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِن أحبِّكُم إليَّ، وأقربِكُم منِّي مَجلسًا يومَ القِيامةِ؛ أحسنُكُم أخلاقًا). هذا الحديث الشريف هو دليل قاطع على أهمية الأخلاق ومنزلة الإنسان الخلوق في ديننا الحنيف). ألا نحب دائماً أن نتعامل مع ذي الخلق الحسن، ذي الطبع السليم السمح؟ ألا نلاحظ أننا جميعاً نبتعد ونتجنب التعامل مع صاحب الخلق الرديء؟
يكفينا فخراً أن النبي الكريم عليه السلام قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فالأخلاق الحسنة هي من أساسيات ديننا. كما قال سبحانه وتعالى مخاطباً قدوتنا الرسول عليه السلام ( وإنك لعلى خلق عظيم).
إنّ الأخلاق العالية السليمة هي مؤشر على قوة الشعوب ورفعتها، فإن اتصفت الشعوب بالأخلاق الحسنة ارتفع قدرها وزاد شأنها بين الأمم وإن انهارت أخلاقها، انهارت قوتها وحضارتها، تصديقاً لقوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).
إنّ المتمعن في واقعنا الحالي يجد الكم الهائل من المؤثرات الخارجية الدخيلة على مجتمعاتنا وثقافاتنا كما ذكرت آنفاً. وهناك أمر خطير للغاية وهو ما يسمى بالتعوّد والتقبّل لكل ما هو جديد كما هو في عالم المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً، فإن أعجبت بأحد المؤثرين تابعته بشكل دائم واستمعت لأقواله ورددتها وقلدت أفعاله من غير أن تشعر.
إنّ متابعة هؤلاء المؤثرين يوماً بعد يوم يعني تأثرك بشخصياتهم لا محالة فتتقبل منهم ما لم تكن تتقبله في السابق وتعتاد على ما يقولون ويفعلون تدريجياً من غير أن تشعر ما إذا كان ذلك صحيحاً أو منافياً لأخلاقنا، فوسائل التواصل مليئة بكافة أنواع الـناس الصالح منهم والطالح. لذا علينا أن نكون حذرين في اختيار من نتابع، فعالم التواصل الاجتماعي هو عالم متغاير به الشر والخير، له من التأثير ما يريك العجب العجاب فكم نرى من الناس من تأثروا بهؤلاء المؤثرين فقالوا قولهم وفعلوا أفعالهم متأسين بهم من غير تمييز بين ما يقبل في مجتمعنا وبين ما لا يقبل.
وفي هذا السياق لي نصيحة لنفسي و للجميع وهو أن نراقب أنفسنا وأبناءنا لنعلم من هو قدوة لنا ولأبنائنا وبناتنا، فالخوف كل الخوف على شريحة المراهقين فهم صيد سهل لهؤلاء المؤثرين فهم يقلدوون من يتابعون دون تمييز أو تفكير إن كان ما يقولون أو يفعلون مقبولاً أم لا. فإن تابعوا أحداً ممن بهم سوء خلق أو كلام بذيء أصبحوا نسخة ثانية لهؤلاء المؤثرين حتى لو كانت أقوالهم وأفعالهم متضادة ومتضاربة مع أعرافنا وتقاليدنا وأخلاقنا.
لقد ركّز هذا المقال على تأثير وسائل التواصل الاجتماعي لما لها من تأثير قوي سحريّ على أخلاق الأفراد والمجتمعات في زمننا الحالي.
فكيف يحرص الإنسان على التخلق بالأخلاق الحسنة هو وأفراد أسرته ومجتمعه؟
- على الإنسان تعويد وتدريب نفسه على الأخلاق الحسنة المحمودة السليمة والمعاملة الحسنة للغير. كذلك تعويد لسانه على التحدث بالكلام الطيب بحيث لا يصدر منه أي كلام بذيء سيء. كما أنّ عليه التعود على محاسبة النفس والذي هو أمر أساسي بحيث يراجع الإنسان أقواله وأفعاله بشكل دائم.
- على الإنسان أن يفكر دائماً في أجر وثواب التخلق الخلق السليم حتى يبقى متيقظاً لأهمية تخلقه بالأخلاق الحسنة.
- على جميع الأسر توفير بيئة أخلاقية سليمة يرى بها الأب والأم قدوة حسنة لأبنائهم وبناتهم فلا يسمع الأبناء والبنات إلا الكلام الطيب ولا يروا إلا ما حسن من المعاملة والأخلاق الرائعة.
- كذلك على جميع المعلمين والمعلمات أن يكونوا قدوة حسنة لطلابهم وطالباتهم ويهتموا بتنشئة جيل صالح بعيد عن أي شكل من أشكال الفساد الأخلاقي.
- الأخلاق تكتسب سواء أكانت حسنة أم سيئة فلينظر أحدكم من يخالل ويصادق ولينظرإلى البيئة التي تحيط به.
وأخيراً علينا أن لا ننسى أنّ من اتصف بحسن الخلق يحظى بكل احترام وتقدير من قبل الناس جميعاً فضلاً عن الأجر الكبير من الله سبحانه وتعالى. ولنتذكر دائماً قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا