كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟

الرئيسية » كتاب ومؤلف » كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟
qardawi31217-280x390-c

سؤال طرحه العلامة الدكتور يوسف القرضاوي – حفظه الله ورعاه – قبل أكثر من 25 سنة وهو يتدارس مصحفه، وراح يبحث بين كتب علوم القرآن وتفاسيره ما يضعه بين القارئ المسلم بحلة قشيبة مميزة، ما يغنيه – ابتداء – عن مراجعة كبريات المجلدات، بل ويفتح له أفقاً أرحب نحو مزيد من الاستزادة بين رفوف المكتبات لينهل من كتب علوم القرآن الكريم.

يقول القرضاوي في مقدمته "قد أحسنت أمتنا في قرونها الأولى – وهي خير القرون – التعامل مع هذا القرآن، فأحسنت فهمه، وفقهت مقاصده، وأحسنت العمل به إلى حد كبير، في مجالات الحياة المتنوعة، وأحسنت الدعوة إليه على بصيرة. وخير مثال لذلك هم الصحابة، الذين غيّر القرآن حياتهم تغييراً كلياً، فنقلهم من انحرافات الجاهلية إلى استقامة الإسلام، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وتبعهم بإحسان تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم من الأجيال القرآنية، التي هدى الله بها العباد، وفتح البلاد، ومكن لهم في الأرض، فأقاموا فيها دولة العدل والإحسان، وحضارة العلم والإيمان".

ثم يستأنف قائلاً: "ثم خلف من بعدهم خلف أو خلوف، اتخذوا القرآن مهجورا، حفظوا حروفه، وضيّعوا حدوده، وأساءوا التعامل معه، فلم يحسنوا فهمه، ولم يقدموا ما قدمه، ولم يؤخروا ما أخره، ولم يكبروا ما كبره، ويصغروا ما صغره، ومنهم من آمن ببعضه وكفر ببعض، كما فعل بنو إسرائيل، وهم لم يحسنوا العمل به كما يحب الله ويرضى"، ثم قال "ولا سبيل إلى إنقاذ الأمة من ضياعها وتخلفها وتمزقها إلا بالرجوع إلى القرآن، تتخذ منه الدليل الذي يهدي، والإمام الذي يتبع، وكفى بالقرآن دليلا (ومن أصدق من الله قيلا) سورة النساء".

مع الكتاب:

قسم القرضاوي كتابه هذا – الذي طبعته دار الشروق للمرة الأولى عام 1997م بما يزيد عن 450 صفحة – إلى أربعة أبواب رئيسة:

الباب الأول : تحدث فيه – حفظه الله ورعاه – عن الخصائص المميزة للقرآن الكريم عن غيره من الكتب السماوية، منها: أنه كتاب محفوظ من الله، ومعجز في مختلف جوانبه وموضوعاته، وميسر للحفظ والفهم، ومرسل للناس كافة.
وكذلك تناول أبرز مقاصده الشرعية، منها: تصحيح عقائد الناس وتصوراتهم، وحفظ كرامة الإنسان وحقوقه، والتأكيد على عبوديته لله وحده وضرورة تزكيته لنفسه، وتكوينه لأسرته ومجتمعه، وتحقيق الشهادة على الناس كافة.

أما في الباب الثاني : فتحدث القرضاوي عن كيفية التعامل مع القرآن العظيم في جانب الحفظ والتلاوة والاستماع، وساق هنا عددا كبيرا من الأحاديث وأقوال الصحابة والعلماء الحاثة على الحفظ وحسن التلاوة وآدابها، وأثر الاستماع على تحقيق مقصد التدبر والفهم العميق للنص القرآني.

أما في الباب الثالث – وهو الأضخم في الكتاب حيث وصل إلى ما يقرب من نصف الكتاب – فتحدث به القرضاوي – حفظه الله – عن الفهم والتفسير، حيث ناقش أهمية التفسير والحاجة إليه وأنواعه عند العلماء بين المأثور والرأي، وطرح أيضا معالم المنهج الأمثل في التفسير: كالجمع بين الرواية والدراية، وتفسير القرآن بالقرآن ثم السنة، والاستفادة من أقوال الصحابة والتابعين، والأخذ بمطلق اللغة ومراعاة السياقات اللفظية وأسباب النزول، كما حذر أيضا من المزالق التي قد يقع بها المسلم في الفهم والتفسير: كاتباع المتشابهات وترك المحكمات، وسوء التأويل للآيات.
واستفاض القرضاوي هنا باستعراض نماذج التأويلات السيئة للباطنية وبعض فرق الشيعة وغلاة الصوفية والمدارس الفلسفية وفرق أهل الكلام والقاديانية والبهائية، وذكر أيضا من المزالق : وضع النصوص في غير موضعها، أو ادعاء النسخ بلا دليل، أو حتى الجهل بالسنن والآثار، والثقة بالإسرائيليات، وناقش أيضا – تقبله الله في الصالحين – التفسير العلمي للقرآن الكريم بين المؤيدين له والمعارضين، وأوضح الموقف الوسطي – كعادته – بين الفريقين، شارحا الضوابط وأهم المجالات لهذا التفسير حتى يؤخذ به.

أما الباب الرابع : فقد تناول كيفية التعامل مع القرآن اتباعا وعملا ودعوة، مؤكدا – حفظه الله – أن هذا هو المقصد الرئيس من نزول القرآن الكريم، مستعرضا الآيات والأحاديث الحاثة على ذلك، مشيرا في ختام هذا الباب بضرورة وزن الأمور والعناية بها بقدر عناية القرآن بها، ووضع مقارنات وجب على المسلم إدراكها، منها: المقارنة بين آيات العقيدة والسلوك وآيات الأحكام الشرعية، وبين آيات الجهاد وآيات الطهارة، وكيف اعتنى القرآن بالسيرة النبوية واستفاض بالدروس والعبر المستفادة، ولماذا عني القرآن بالقصص الأمم السابقة لغايات الاعتبار، وكيف اعتنى كثيرا بقصة بني إسرائيل لتكون لنا مرجعا عام لفهمهم وكيفية التعامل معهم في قابل الأيام.

يعد الكتاب – بصيغته المنهجية الرائعة – مرجعا غنيا لكل مسلم في كيفية التعامل مع القرآن العظيم، وبوابة مميزة لكل من أراد أن يلج في علوم القرآن ويتبحر بها لاحقا، مع التأكيد على جاذبية العبارة وجمالية الألفاظ وحرارة الداعية ولذعته، وكلها صفات ثابتة في كل كتابات العلامة القرضاوي – حفظه الله ورعاه – .

أسال الله العظيم أن يتقبل من الكاتب هذا الجهد المميز، ونسأله أيضا الهمة في القراءة والتعلّم والحفظ والفهم وحسن التطبيق لآي القرآن العظيم، وصدق الله حين قال (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) سورة المائدة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدير علاقات عامة في إحدى المؤسسات التعليمية في الأردن، ناشط اجتماعي، وإعلامي، مهتم بالشؤون التربوية.

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …