مصطلح “تأثير كرة الثلج” وكيفية التعامل مع الخبرات المتراكمة

الرئيسية » بصائر الفكر » مصطلح “تأثير كرة الثلج” وكيفية التعامل مع الخبرات المتراكمة
Snowball-1080x675

مصطلح "تأثير كرة الثلج" هو مصطلح مجازي يصف حدثًاً يبدأ من مرحلة مبدئية لا يؤثر كثيراً، ثمّ يتراكم ويتفاقم حتى يصبح أكبر تأثيرًا، وأعظم شأناً، أو أشد خطورةً، وأكثر ضرراً.

سبب تسمية مصطلح "تأثير كرة الثلج" هو التشابه الموجود بين التأثير وما يحدث حين تسقط كرة ثلج صغيرة من أعلى مُنحدَر في جبل ثلجي، إذ تبدأ صغيرة ثم تُجمِّع الثلج فوقها كلّما تدحرجت ويزداد ثقلها وحجمها.

إن القرآن الكريم يقدم لنا في (سورة المؤمنون) مثالاً يُمكن أن يوضح مفهوم مُصطلح "تأثير كرة الثلج"، وهو مثال مراحل نمو الجنين بداية من مرحلة النطفة إلى أن تصل هذه النطفة إلى مرحلة النضج التام.

قال تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}" (المؤمنون: 12:14).

أولاً: تأثير مصطلح "كرة الثلج" في الحياة اليومية

قلما يُوجد حدث في حياتنا اليومية لا يخضع لمُصطلح "تأثير كرة الثلج"، لأن الحياة عبارة عن تراكم مجموعة من الخبرات، تبدأ سطحية وضئيلة ثم تتطور مع الوقت لتكوِّن خبرة أو مجموعة خبرات واسعة، تؤهل صاحبها للاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات وإدارة شؤونه بنجاح.

الحياة عبارة عن تراكم مجموعة من الخبرات، تبدأ سطحية وضئيلة ثم تتطور مع الوقت لتكوِّن خبرة أو مجموعة خبرات واسعة، تؤهل صاحبها للاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات وإدارة شؤونه بنجاح

إن كل إنسان منا لديه "كرة الثلج" الخاصة به، عليها يبني خبراته وقناعاته وآماله وطموحاته، وتظل هذه الكرة تتضخم بداخل صاحبها طوال الحياة .

إن أخطر شيء بالنسبة لـ "كرة الثلج" الموجودة بداخل الإنسان هو ألا تكون بدايتها واضحة وموضوعية وصادقة، لأنه إذا كانت بداية "كرة الثلج" بداخل الإنسان غير واضحة، أو غير موضوعية، وغير صادقة تضخمت الكرة وبداخلها خبرات وهمية، وقناعات زائفة، وآمال هلامية، وطموحات كاذبة، فترى نفسك أمام شخصية نرجسية تعاني من انفصام بين العقل والواقع، وتحلم بأحلام وردية لا تتنازل عنها والواقع يقول أنه من المستحيل قبولها ولا تحقيقها.

على الفرد أن يُؤمن بأنه لا توجد قناعات مُطلقة إلا ما حدَّدها الشرع، وأن دوام الحال من المُحال، وأن عادات وتقاليد الأمس قد تتغير في الغد، وأن المرء يجب عليه أن يدور مع الزمان حيث دار طالما أنه لم يتخل عن القيم والمبادئ التي حثه عليها الشرع، وطالما أنه لم يُحَرِّم حلالاً ولم يُحِل حراماً.

ثانياً: تأثير مصطلح "كرة الثلج" في القضايا الكبرى

إن من ينظر للساحة المحلية والدولية يجد أن هناك أحداثاً عظيمة غيَّرت مَجرى تاريخ الأمم والشعوب كانت بدايتها أحداث يُنظر إليها على أنها بسيطة ومعتادة، فمثلاً:-

- إن الحرب العالمية الأولى التي حدثت في 28 يوليو 1914م وانتهت في 11 نوفمبر 1918م والتي أحدثت خراباً لم تشهده البشرية من قبل، كان سببها مقتل رجل واحد وهو ولي عهد النمسا "فرانز فرديناند"، لكن حركة اغتياله كانت بمثابة "كرة الثلج" التي تراكمت حولها ردود الأفعال فأشعلت فتيل الحرب بين دول العالم.

- والثورة التونسية التي حدثت في 17 ديسمبر 2010م كان سببها أن الشاب محمد البوعزيزي قد قام بإضرام النار في جسده تعبيرًا عن غضبه على بطالته ومصادرة العربة التي يبيع عليها من قبل امرأة تعمل في مجال الشرطة.

- وثورة 25 يناير المصرية كان من بين الأسباب التي أشعلت فتيلها وأضرمت نارها، مقتل الشاب خالد سعيد والشاب سيد بلال نتيجة للتعذيب على أيدي الشرطة المصرية في محافظة الإسكندرية.

إن النماذج الثلاثة التي تم ذكرها قد ينظر إليها على أنها من الأحداث المتكررة وأنه قد حدث قبلها وبعدها ما هو أفظع منها، ولكن هذه الأحداث قد وافقت ظروفاً وأحداثا جعلت منها القشة التي قصمت ظهر البعير.

ثالثاً: تصدع كرة الثلج

سبق أن ذكرنا أن "كرة الثلج" الموجودة بداخل الفرد قد يكون بداخلها خبرات وهمية، وقناعات زائفة، وآمال هلامية، وطموحات كاذبة.

إن الإنسان الذي يعيش والحال كذلك يُلاقي الأمَرَّيْن ويستحيل له أن يتعايش مع المجتمع، ولذلك لابد لكرة الثلج الموجودة بداخله أن تتصدع من أجل تصحيح المفاهيم وترسيخ المبادئ وإحلال القيم والقناعات والآمال والطموحات الوهمية والسلبية بأخرى واقعية وأكثر إيجابية.

إن هناك نوع من أنواع تصدع كرة الثلج يُعد خطيراً للغاية وهو حين ينسلخ الإنسان من قِيَمِه ومبادئه وقناعاته الأصيلة ليحل محلها قيماً ومبادئ وقناعات سافلة تجر صاحبها إلى الهاوية والخسران المبين .

إن كل ما سبق يحتم على الإنسان أن يهتم ببناء شخصيته بناء متيناً، وأن يعض على قيمه ومبادئه وقناعاته الأصيلة بالنواجذ ولا يتركها لعبث العابثين ولا لهو اللاهين، لأن تصدع هذه الأمور وانهيارها معناه تصدع كيان الإنسان وانهياره.

إن الحكومات تتعامل مع الشعوب وعينها على كرة الثلج بداخل المجتمع حتى لا تتضخم ولا تتصدع ، لأن أي حكومة توقن أن تضخم كرة الثلج داخل المجتمع معناه أن كرة الثلج هذه أوشكت على التصدع والتشظي، وحينها سيفلت زمام الشعب وستفقد الحكومة السيطرة عليه وسيحدث ما لا تُحمد عقباه بالنسبة للسلطة، والأمثلة التي ذكرناها آنفاً خير دليل على ذلك.

إن الأنظمة تحاول جاهدة ممارسة التفريغ النفسي أو التنفيس الانفعالي لدى الشعوب وذلك عن طريق تفريغ الشحنات الانفعالية السلبية داخل المواطنين من حين لآخر، وإدارة الضغوط التي يعاني منها الشعب بطريقة لا تسمح بالانفجار، ويكون ذلك عن طريق وعود وتصريحات تبقي جذوة الأمل مُتقدة داخل نفوس المواطنين، أو عن طريق تنظيم بطولات ومهرجانات تتسم بدقة التنظيم وشفافية التعامل وتكافؤ الفرص وحرية النقد ...الخ، والشعب المسكين لا يعلم أن كل ذلك سيتبعه المزيد والمزيد من الأزمات الطاحنة، لتبدأ الكَرَّة من جديد.

إن الفيصل في كل ما سبق هو درجة قدرة الأفراد على كيفية إدارة الخبرات المتراكمة لديهم، ودرجة وعي الشعوب حتى لا يتم استدرجهم إلى قضايا فرعية وأمور هامشية تشغلهم عن قضاياهم الأساسية.

إن الأنظمة تحاول جاهدة ممارسة التفريغ النفسي أو التنفيس الانفعالي لدى الشعوب وذلك عن طريق تفريغ الشحنات الانفعالية السلبية داخل المواطنين من حين لآخر، وإدارة الضغوط التي يعاني منها الشعب بطريقة لا تسمح بالانفجار

رابعاً: ترويج الإشاعات وتأثير كرة الثلج

إن الإشاعة قد تبدأ بكلمة أو خبر ثم تدور في المجتمع فتتلقاها المجالس، وتفتح لها الآذان، وترددها الألسنة، ولا تتوقف ولا تنتهي إلا بعد أن تصبح قصصاً وأساطير تهدد استقرار حياة الأفراد والأسر، وقد تهدد المجتمع بأكمله.

ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي نجد أن الإشاعة تبلغ مداها وتحقق مُبتغاها بأقل مجهود، وهذا يستوجب علينا الحذر والتريث ويقظة الضمير وإعمال العقل مع كل خبر يصلنا أو معلومة نحصل عليها.

ولخطورة الإشاعات فإن مما حذرنا منه الشرع هو التحذير من ترويج الإشاعات أو تلقيها وتبنيها دون مراعاة لمصدرها ودون إعمال عقل فيها حين تصلنا.

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {6}" (الحجرات: 6).

وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ {12}" (الحجرات: 12).

وقال تعالى: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ {15}" (النور: 15).

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا" (صحيح البخاري).

إن الواجب علينا هو التحذير من مغبة ترويج الإشاعات سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية الاجتماعية، وتبصير الآخرين أن هناك (ماكينات إعلامية) ما تم تأسيسها إلا لغرض ترويج الإشاعات وبث الذعر ونشر الفتنة وزعزعة أمن واستقرار المجتمع.

والواجب علينا كذلك تحذير الناس أن الشائعات لا يتم الترويج لها بطريقة عشوائية، بل هي صناعة مُتقنة ومُنظمة ولها خبراؤها وأوقاتها ومناسباتها وشرائحها المُستهدفة.

هنا يمكننا أن نقول أن الإشاعة مثل كرة الثلج التي تتدحرج وأثناء تدحرجها يكبر حجمها ويعظم جمهورها ويزداد خطرها.

أخيراً أقول

إنه من الواجب على كل فرد منا أن يُفتش عن "كرة الثلج" الموجودة بداخله، وأن يُراجع ما بها من قيم ومبادئ وأحلام وطموحات، وأن يُصحِّح ما بها من خلل أو اعوجاج حتى لو وصل به الأمر إلى أن يُصدِّع "كرة الثلج" الموجودة بداخله، لكي لا يقضي باقي حياته وقيمه ومبادئه وأحلامه وطموحاته على فوهة بركان أو على شفا جُرف هار.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

كيف قاد النبي ﷺ جيشه إلى النصر؟

لم يكن النبي ﷺ قائداً عسكرياً تقليدياً تلقى تعليمه في أكاديميات الحرب، لكنه كان خير …