إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد
فلقد اختار رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، دار الأرقم بن أبي الأرقم؛ ليجتمع فيها بالمسلمين الجدد، يعلمهم القرآن، والسنة، ويربيهم التربية الإيمانية التي ستجعلهم يحملون راية التوحيد، ويخرجون العالم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة واليقين.
وهذه بعض الفوائد عن مدرسة الأرقم بن أبي الأرقم، ودورها العلمي والتربوي في خدمة المجتمع.
اسمها: مدرسة الأرقم بن أبي الأرقم.
من هو الأرقم بن أبي الأرقم؟
هو الأرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عبد الله المخزومي ابن عمر بن مخزوم بن يقظة المخزومي. (سير أعلام النبلاء، الذهبي: 2/ 479)
مكانته في الإسلام:
هو صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان من السابقين الأولين، ومن عقلاء قريش.(سير أعلام النبلاء، الذهبي: 2/ 479)، وقد استعمله رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، على الصدقات. (أسد الغابة، ابن الأثير:1/187)، وأعطاه دارا بالمدينة. (السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، أبو شُهبة:1/289)، وقد شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، ومات بالمدينة، وصلى عليه سعد بن أبي وقاص؛ لأنه أوصى به (رضي الله عنهما)، وله بضع وثمانون سنة. (البداية والنهاية، ابن كثير:8/78)
موقعها:
وتقع مدرسة الأرقم بن أبي الأرقم عند جبل الصفا. (أسد الغابة، ابن الأثير:1/187)، وهى باقية إلى الآن، ولكنها غير مشهورة بالأرقم، وإنما اشتهرت بالخيزران؛ لأنها صارت إليها.(العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، تقي الدين الفاسى:3/177)، وسبب اشتهارها بالخيزران؛ لأنها صارت للمهدي فوهبها لامرأته الخيزران أم موسى الهادي وهارون الرشيد، فبنتها وجددتها فعرفت بذلك. ينظر: (البداية والنهاية، ابن كثير:8/78)
أسباب اختيارها:
ومن أسباب اختيارها؛ لتكون مركزا للدعوة:
- لأن صاحبها شابا صغيرا لا يعلم بإسلامه أحد من قريش (صحيح الأثر وجميل العبر، السلمي: 193).
- لم يتوقع أحد من أهل مكة أن يجتمع المسلمون الجدد في دار الأرقم؛ لأن الأرقم من بني مخزوم، وهي قبيلة تنافس بني هاشم في السلم، والحرب، ولا يعقل أن يجتمع محمد وأصحابه في دارهم، ولم يعلم بني مخزوم بإسلام الأرقم. (السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، أحمد غلوش: 456-457).
مناهج الدراسة فيها:
كان المسلمون يتعلمون فيها القرآن، والسنة.( صحيح الأثر وجميل العبر، السلمي: 193)، وأحكام الدين، وشرائعه. (السيرة النبوية-دروس وعبر، مصطفى السباعي:47)، وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، يقوم بتربيتهم التربية الإيمانية؛ حتى يتحملوا الآلام والبلاء في سبيل دينهم وعقيدتهم. (السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، أبو شُهبة:1/289).
مكانتها التربوية في الإسلام:
اتخذها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، مركزا للدعوة السرية، وكان يلتقي فيها بالمسلمين.( صحيح الأثر وجميل العبر، السلمي: 193)؛ لكي يعبدوا الله-عز وجل-، بعيدا عن أنظار قريش، ويتعلموا أمور الدين، وما نزل من القرآن. ينظر: (السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، أحمد غلوش: 557)، وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، يعد فيها الصحابة (رضوان الله عليهم) أجمعين إعدادا تربويا؛ حتى يتحملوا مسؤولية نشر الدعوة إلى الله-عز وجل. ينظر: (الدعوة الإسلامية في عهدها المكي: مناهجها وغاياتها، رؤوف شلبي:207)، وكان يتلوا عليهم ما جاء به الوحي، فيعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، ويعلمهم أمور العبادة. ينظر: (الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية بترتيب أحداث السيرة النبوية، محمد بن طه: 78).
وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، ينظر إلى هذا الجيل نظرة خاصة، ويعدهم لقيادة الأجيال القادمة، إعدادا شاملا لمستوى الرسالة والدعوة، فكريا، وتربويا، ودينيا، وكان يبلغهم الوحي، وكانوا بالسليقة والفطرة أقدر الناس على تفهم أسلوب القرآن, وكانت صدورهم أكرم وعاء طاهر نقي صاف, يعي ويحفظ ما جاء به الوحي الأمين, وكانت عقولهم وقرائحهم نقية صافية واسعة الفهم عميقة الإدراك، ولقد أثمرت هذه التربية ، وظهرت النتائج جليا في المناقشة التي دارت بين النجاشي وسيدنا جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه). ينظر: (الدعوة الإسلامية في عهدها المكي: مناهجها وغاياتها، رؤوف شلبي:204-205) بتصرف. وقد أدرك تلاميذ هذه المدرسة الدور الملقى على عاتقهم، فاتجهوا إلى الله- عز وجل-، وعزفوا عن الدنيا، وزينتها، ورغبوا فيما عند الله. (المرجع السابق:207).
وقد قدمت مدرسة الأرقم بن أبي الأرقم خدمة جليلة للإسلام في أول عهده، وفاقت أعظم مدارس الدنيا، وجامعاتها، وخرجت أعظم رجال عرفهم التاريخ. ينظر: (السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، أبو شُهبة:1/289).