"هذا كتاب يتعرض لحاضر المسلمين ومستقبلهم، ويشارك في إنعاشهم من الغيبوبة الطويلة التي ألمت بهم".
هكذا وصف الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله تعالى- كتابه "دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين في مقدمته، والذي ألفه في بدايات القرن الخامس عشر الهجري 1401 هـ، أي في عام 1981م، مستلهما حروفه الأولى وأفكاره المنهجية من الأصول العشرين التي وضعها الإمام الشهيد حسن البنا -رحمه الله تعالى- فيصفها الغزالي بقوله: "فقد وضع -أي الإمام البنا- جملة مبادئ تجمع الشمل المتفرق، وتوضح الهدف الغائم، وتعود بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، وتتناول ما عراهم خلال الماضي من أسباب العوج والاسترخاء بيد آسية، وعين لمّاحة، فلا تدع سببا لضعف أو خمول"، واصفا عمله أيضا "تأصيل هذه المبادئ وشرحها على ضوء تجاربي المستفادة خلال أربعين عاما في ميدان الدعوة".
هذا الكتاب، الذي يقع في 239 صفحة من القطع المتوسط، والذي طبعته -للمرة الخامسة- دار القلم في 2019م، وضع به الغزالي رحمه الله تجاربه وهي حصيلة معاناة مرة، إلى جانب توجيهات رجل موفق لا شبيه له تأليف الهمم والألباب وتحشيد الشيوخ والشباب لخدمة الإسلام ومد أشعته في كل أفق. حيث يرى الغزالي أن ما أصاب الأمة هو "إغماءة مقلقة حقا، ظنها أعداء الإسلام بوادر موت، ولكننا خبراء بأمتنا وتاريخها وكبواتها ونهضاتها"، لذا قرر الغزالي "اعتراض العلل المؤذية ومتابعة جراثيمها هنا وهناك حتى تعود العافية ونستأنف نشاطنا العتيد".
قسّم الغزالي رحمه الله كتابه هذا على شكل مقالات أو فصول صغيرة، في كل مقال تناول أصلا من الأصول العشرين للإمام البنا بالشرح والتوضيح وإظهار معانيه الشرعية من كل اتجاهاته، مستعرضا عددا من تجاربه وحواراته الساخنة مع معارضيه وطرق الرد على شبهاتهم الفكرية بقوة وتماسك، كل ذلك في لغة مسبوكة، جمعت بين الذائقة الأدبية الراقية والحماسة الدعوية الحرة، وكأن تجاربه أفاعٍ تلدغ كل من لا يتعظ بها او يدركها.
يؤكد في مقدمة كتابه هذا أن "الظروف التي بدأ فيها حسن البنا دعوته ما تزال قائمة، وهي تنشأ من منبعين رئيسيين:
- الاستعمار العالمي (الذي اكتسح المدني والعسكري في كل شبر من أرض الإسلام).
- والمنبع الأخر وهو الأخطر والأخبث يجيء من الأدواء التي استشرت في الكيان الإسلامي نفسه، (نتيجة فساد عام في أحواله المادية والأدبية، العلمية والعملية، الفردية والاجتماعية، التربوية والسياسية) ".
في خاتمة كتابه هذا، اقترح الغزالي رحمه الله تعالى إضافة عشرة أصول أو مقررات إلى العشرين التي أصلها الإمام البنا لكي تناقش بين يدي من يدرس أصول البنا، تحدث فيها عن المرأة والأسرة والكرامة الإنسانية، وأيضا دور الحكام -ملوكا او رؤساء- كإجراء عند شعوبهم وأثر ذلك في إرساء دعائم الشورى، وناقش أيضا الملكية الخاصة وشروطها وحقوقها، كما طرح دور أبناء الأمة بالعموم في الدعوة والذود عن حياضها، كما أثار علاقة المسلمين بالأسرة الدولية ومواثيقها الإنساني وكيف التعامل معها بإتزان، وختم بإسهام المسلمين مع الأمم الأخرى -على اختلاف دينها ومذاهبها- في كل ما يرقى مادياً ومعنوياً بالجنس البشري.
أدعو كل من يهتم بالدعوة أو معركة الوعي أن يقرأ هذا الكتاب بتمعنٍ.