إن التفسير المشهور بربط أسماء الأشهر العربية بالفصول والمواسم والشتاء والربيع والحر لا يستقيم كثيرا ويختل في ترتيب الأشهر وتسمية بعضها ولا توجد معارف قطعية في ذلك ولا تفسيرات واضحة. وأنا هنا اقدم فرضية تعتمد الجانب التقديسي والاقتصادي للتسمية استقدتها من أربع معطيات:
الأول: الأشهر الحرم وما يترتب عليه من تحريم القتال. قال الله تعالى (انَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ [التوبة/36].
الثاني: أشهر الحج وما يترتب عليه من تقديس وتحضير. قال الله تعالى (الْحَجُّ أشهر مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة/197] وقال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة/189] والمعرفة القطعية أن الأشهر هلالية قمرية.
الثالث: المنطق في حركة القبائل بين الأشهر الحرم في تحصيل الموارد وترتيب وضعها الاقتصادي.
الرابع: اشتقاق أسماء الشهور العربية اللفظي والذي ينتظم بسهول على تلك الدورة الاقتصادية والقدسية.
إن شهر الحج هو مركز المواقيت عند العرب ولأجل حرمت أشهر، والوضع الاقتصادي للقبائل العربية كان يتأثر بشكل كبير بالأشهر الحرم وكان يضع عليهم آثارا اقتصادية وهذا ما جعلهم يسمون الأشهر بهذا الأسماء التي تكشف الجانب الاقتصادي. وهذه الحقيقة تؤدي إلى أمرين :
الأول: أن ظهور أسماء الأشهر لم يكن دفعة واحدة وانما كان أثر تراكم خبرات بحيث تتكرر حتى تتضح الصورة الاجتماعية لذلك الشهر وتبينت الحالة المعاشية فجعلوا لها تسميات استعارية وكنائية ومجازية بذائقتهم الشعرية. فإن الوضع الشعبي للأسماء عادة ما يحتاج إلى عمق ورسوخ وهو ما يحتاج إلى زمن وتبادل وتواضع.
الثانية أن النسيء الذي ذكره القرآن بقوله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [التوبة/37] هو فعلا كان تحليل شهر حرام وتحريم شهر حلال بدله بسبب الوطأة الاقتصادية للأشهر الحرم عليهم، لأن الجانب الاقتصادي كان مهما لهم قد يصل إلى فنائهم إن قعدوا فترة ما وهم بحاجة إليه من إغارة وربما الصيد فإنهم ربما كانوا يحرمون الصيد أيضا.
فالغزو والإغارة لم يكن نزعة شريرة بربرية لديهم وانما كان من متطلبات حياتهم التي ربما لا يمكنهم العيش بدونها سواء هجوما على آخرين أو دفاعا عن أنفسهم.
من هنا يكون من المناسب وكما سترى وبحسب الاشتقاق اللفظي لأسماء الشهور انها اعتمدت عنصرين:
الأول: هو حرمة أشهر وقداستها ومناسبتها الدينية.
الثاني: هو الأثر الاقتصادي وما يتعلق به من أفعال الغزو والغنائم والحرب والقتل وربما الصيد و ما ينتج عن ذلك.
فالملاحظ في تسمية الأشهر العربية هو الجانب التقديسي والجانب الاقتصادي. فأسماء الأشهر العربية فيها جوانب تقديسية واقتصادية.
إننا نجد أن مركز الشهور العربية هو ذو الحجة وهو الذي يدور حوله كل شيء وهو المؤثر الحقيقي والأساسي في حياة العرب وحركتهم وبالتالي إلى المعاني الرمزية لأشهرهم.
فشهر ذو الحجة واضح أنه شهر الحج وهو محرم عن العرب قبل الإسلام يحرم فيه القتال والإغارة وربما الصيد.
وبسب أن الحجاج يحتاجون إلى أسابيع للوصول إلى مكة والرجوع منها فهذا يتطلب سلاما قبل موسم الحج وبعده فلا بد أن يكون القتال قبل شهر الحج محرم وبعده بفترة مناسبة لا تقبل عن شهر قبله وبعده.
فكان الشهر الذي بعده اسمه (محرم) يحرم فيه القتال لأجل سلامة الحجاج. وأما الشهر الذي قبله فأيضا محرم وعلاوة على ذلك فإنه يتطلب قعودا عن الغارة وعن التنقل فسمي ب(ذي القعدة).
بعد ثلاثة أشهر من عدم الإغارة وعدم الغزو فإن الموارد الاقتصادية ستقل وميزانية القبائل ستصفر لذلك أسموا الشهر الذي يلي تلك الأشهر الثلاثة المحرم بشهر (صفر) بسبب التصفير في السيولة والأموال.
بعد صفر يبدأ الغزو والإغارة وربما يبدأ الصيد أيضا فينتعش الاقتصاد ويدخل مرحلة الربيع الاقتصادي فيستمر شهرين. فسموا الأول (ربيع الاقتصاد الأول) والثاني (ربيع الاقتصاد الثاني).
بعد هذه الفترة المزدهرة من الموارد والحركة عليها تنفد الموارد وتقل وتشح فتأتي حالة انجماد في الموارد وانكماش وتستمر شهرين فسمي الأول (جمادى الموارد الأول) و (جمادى الموارد الثاني).
بعد ذلك يأتي شهر محرم وهو شهر استراحة يحرم فيه القتال يرجب ويعظم فسموه (رجب)، ولا ريب أن العرب الأوائل ورثوا تحريمه من الأديان السابقة كما أنه يعطي استراحة بعد أشهر من القتال والغزوات.
وبعد رجب يأتي شهر تصفية الأمور وإنهاء القضايا فتحدث حركات وتنقلات عسكرية وقبائلية كثيرة وواضحة بسبب آثار الحروب تلك فتتشعب القبائل إما للمساكن الجديدة أو للغارات فسمي هذا الشهر (شعبان).
بعد هذه الفترة من التنقلات والحركات القبائلية أو العسكرية تحصل حالة من الرمض والشدة والحرقة والحدة وهي آثار القتل والحزن والتجوال والتنقل فسمي ذلك الشهر (رمضان).
بعد شهر رمضان يبدأ شيل المؤون والتحضير للحج، إما بخزنها للعوائل أو بتحضيرها للسفر فتشال المواد وتخزن. وربما تصاحبه حركة خفيفة من الصيد السريع والتجوال لأجل الموارد وربما إغارات بسيطة لشيل أكبر قدر ممكن من الموارد ولهذا يسمى هذا الشهر بشهر (شوال).
بعد هذا الشهر يقعد الجميع عن كل الفعاليات التي تأتي بالموارد سواء من جهة الغارات أو التنقلات فيكون شهر (ذو القعدة) استعدادا لشهر الحج.
ومن خلال التوقيتات هذه وقربها وانتظامها مع أيام الحج يعلم أن من سمى هذه الشهور هي قبائل مكة ومن حولها ما يقوي الرواية التي تقول أن من وحد التسمية وهو جد رسول الله صلى الله عليه وآله الخامس كلاب بن مرة كما أنه يشير إلى ميراث النبوة في هذا البيت وهو ما أشرت اليه مراراً.
• ذو القعدة: محرم من الغارات فيقعد فيه ولا يتنقل فيه.
• ذو الحج: هو موسم الحج.
• المحرم: تحريم التعرض للحجاج والقتال.
• صفر: تصفير المؤون والمخزونات.
• ربيع الأول: ربيع اقتصادي بالموارد بعد تصفير وتعطيل.
• ربيع الثاني: ربيع اقتصادي بالموارد.
• جمادى الأول" نفاد الموارد وجمودها وانكماشها. بعد فترة غنائم لشهرين.
• جمادى الثاني: نفاد الموارد وجمودها وانكماشها.
• رجب: محرم يرجب ويعظم.
• شعبان: تشعب القبائل وتنقلها لاجل أماكن جديدة.
• رمضان" رمض وحدة بعد حالات القتال والحروب والتنقلات.
• شوال" شيل المؤون وتخزينها وتحضيرها لسفر الحج.
لا بد من الإشارة أن هذه فرضية وتحتاج إلى تدعيم مستقبلا وأنها مبتنية أساسا على إعمال المجاز والرمزية والاستعارة في استعمال تلك الأسماء إلا أن هذه الفرضية تتجاوز الكثير من الإشكالات التي تعاني منها الفرضية المشهورة، كما أنني لا اعرف أحدا قال بالبعد الاقتصادي لأسماء الشهر العربية من قبل.