"إن مسؤولية المثقف في مجتمعه كمهمة النبي في أمته" مقولة للكاتب الإيراني علي شريعتي يشير من خلالها إلى خطورة الدور الذي من الممكن أن يلعبه المثقفون في بلدانهم -سلبًا أو إيجابًا- وهو ما طرحه الكاتب السعودي الأصل والقطري الجنسية محمد حامد الأحمري في كتابه (مسؤولية المثقف)، ويبدو أن كاتبنا ممن عانوا جراء محاولته أن يؤدي شيئًا من مسؤوليته الثقافية لوطنه فضُيّق عليه فيه، ليلجأ حينها لدولة قطر ويعيش فيها بعيدًا عن وطنه (السعودية) لما يحمل من أفكار إصلاحية قد تزعج أولي الأمر هناك.
ويأتي كتابه (مسؤولية المثقف) – الذي طبعته في 2018م مؤسسة "منتدى العلاقات العربية والدولية" والتي تعرف نفسها عبر موقعها على الإنترنت (مركز أبحاث مستقل، تأسس في الدوحة عام 2011، للإسهام في دعم التنمية السياسية والثقافية، وتعزيز آليات الحوار بين الأطراف الفكرية المختلفة) – في نفس السياق التعريفي بالمثقف ودوره المهم، ويقع الكتاب في 245 صفحة من القطع المتوسط، وألحق به رسالة كان قد قدمها لأحد الزعماء الخليجيين حول رؤيته "العلاقة بين المثقفين والسلطة".
يقول الأحمري عن كتابه هذا: "إنه يناقش دور هذا الكائن المعرفي العملي في العالم الحديث"، ويتناول في مقدمة الكتاب أن مسؤولية المثقف "تبدأ من قصة بنائه ذاتاً واعية عارفة بالنفس والمحيط، وتتعامل مع الآخر وهو الإنسان المختلف –زماناً ومكاناً وثقافة– فمتى استطاع بناء ذات يعرفها أو يخمنها أو تكونت بلا وعي منه، فإنه سيواجه درجات أخرى من المسؤولية أو الدور الفاعل"، مشيرًا إلى أن عمله "يقتضي صناعة الوعي، وإثارة التفكير، والتوجيه إلى التغيير نحو ما هو خير للمجتمع، ونقد المؤسسات والأفكار التي تضر المجتمع أو هدمها"، واصفا له على أنه "أستاذ عموم المجتمع، نصّب نفسه بنفسه، وعليه دائماً أن يثبت جدواه وإفادة مجتمعه باستمرار"، وأيضًا "المثقف ليس سياسيًا، فهمّه صناعة الوفاق لا الخلاف، ونطلب منه – برغم ضعفه وتبعيته أحيانًا – أن يستيقظ ضميره، وأن يغادر التبعية لمصلحة فردية وصغيرة، ليرتقي إلى مصلحة الأمة التي ترجو أن يكون دليلها" و"يطلب منه أن تكون لمعرفته وثقافته رسالة ومسؤولية".
مع الكتاب:
يقع هذا الكتاب – بعد التمهيد والمقدمة – في أربعة أبواب وخاتمة:
في الباب الأول/ تحدث الأحمري عن جملة من التعريفات التمهيدية لهذا البحث، فتحدث عن تعريف ثقافة مجتمع ما فقال إنها "مجموع الرموز التي يتعامل بها المجتمع وتؤثر في تكوينه ونظرته إلى ما حوله، من اللغة والدين ونظم الزواج والاقتصاد والفنون، وطرق التعبير المختلفة عنها"، مؤكدًا أن ثقافة مجتمع أو أمة ما هي "مظهر من مظاهر الخصوصية، والتي تعطي الحياة معناها وقيمتها للفرد والمجتمع"، ليخلص منه إلى تعريف مبسط للمثقف وهو: "صاحب المعلومات المساهم في الرأي في القضايا العامة" مفرقًا بينه وبين المفكر أو الفيلسوف، وأشار أيضًا إلى جملة من وظائف الثقافة منها: أنها "تقدم منظورا للتصور والإدراك، إذ أن الطريقة التي ينظر بها الناس إلى العالم مرهونة بما تعرضوا له في إطار ثقافي".
أما في الباب الثاني/ فتحدث الأحمري عن "آليات تكوين المثقف" لذاته، لما لذلك من خطورة على طريقة تعاطيه مع مختلف القضايا التي يتعرض لها في مجتمعه، مشيرًا إلى أن "الحوار يعد من أهم موارد المثقف في عمله، وبه يكتشف من الناس ومن نفسه ما يريد معرفته وما يمكن أن يقدمه، وبه يهذب قدرته" مستعرضًا تجربة المقاهي في فرنسا -قبل الثورة- ودورها الكبير في إشاعة الحوار، مع الاهتمام كثيرًا في التنوع بين مشارب المتحاورين ليغنوا بعضهم بعضًا بمختلف المعارف، وتناول أيضًا دور الجامعات الحرة ثقافيًا في دعم الثقافة عبر ندواتها المتنوعة وأبحاثها ودراساتها المتجردة في مختلف الظواهر الاجتماعية والإنسانية، وأشار أيضًا إلى ضرورة السفر والاغتراب إلى حين؛ ليساعد ذلك في قدح ذهنية المثقف وتذكيتها بمختلف المعارف والثقافات.
وفي الباب الثالث/ فتحدث الأحمري فيه عن "ماهية فاعلية المثقف"، فقد أوضح أن "المثقف هو من يقوم بصناعة الأفكار وتحليلها، ومن يقوم بصياغة التوافق الاجتماعي" بغض النظر عن أخلاقية ما يفعله -إيجابًا أو سلبًا- مشيرًا إلى دوره –أحيانًا– في مواجهة سلطة المجتمع من أعراف وقيم وتقاليد وأفكار قد تكون مسمومة ومعطلة لانطلاقته نحو الإصلاح أو التنمية، وأيضًا مواجهته العنيفة أحيانًا للسلطة العامة التي قد تستأثر بثروات المجتمع وإمكاناته دون إعادته له على شكل خدمات تحقق له الرفاه المطلوب، وقد وضع التزامات للمثقف على صعيده الشخصي وعلى صعيد أفكاره:
فعلى صعيده الشخصي: فقد أكد الأحمري على ضرورة أن "لا يتهاون المثقف في العمل على تطوير نفسه من حيث المعرفة والعلاقات وتأثير ذلك على تهذيب النفس ولجم نزواتها.
أما على صعيد أفكاره: فقد أشار الأحمري إلى أهمية "الحرص على مصالح المجتمع كافة، وتطوير قدراته التعبيرية والبيانية عن أفكاره، وضرورة الانفتتاح على مختلف وجهات النظر" كل ذلك في إطار من المرونة التي تسمح له أن لا يتقيد بالواقع ويطمح لغد أفضل لنفسه ووطنه وأمته.
أما في الباب الرابع/ فتحدث الأحمري عن جملة من القضايا الثقافية التي تؤرق الواقع العربي، وناقشها بعقله المتفتح، منها: الثقافة بين التدين والعلمانية، وهل هناك فرق بين المثقف وعالم الدين؟، وكيف يكون البعض وفيًا للفكر ولكنه خائن للإنسانية؟، وهل هناك أصلًا ثقافة إنسانية؟، كما ناقش أيضًا تأثير المثقفين اليهود في أمريكا، والرابط العجيب بين ثقافة المجتمع ومدى فاعليته الإنتاجية والحضارية، ومدى خطورة التحيز الثقافي دون فهم مغازي التنوع، وكيف لبعض المثقفين أن يلعبوا دور الخيانة والهزيمة النفسية في مجتماعتهم، وغيرها من القضايا.
وفي خاتمة كتابه قال الأحمري: "مجتمعاتنا أحوج ما تكون إلى أن يؤدي المثقف الحر دوره؛ لأنه لم ينجز إلى الآن، فنحن على العتبات الأولى، وينتظرنا دور وأمانة ورسالة لم تنجز وفراغ رسالي عظيم، في أمة ينهبها الجهل والخوف والاستبداد والتبعية".
مع المؤلف
حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر لشمال أفريقيا، والرئيس السابق للتجمع الإسلامي لأمريكا الشمالية، وكان لإقامته في الغرب لسنوات عديدة دورًا مهمًا في الإطلاع على الفكر الغربي عن قرب، مما أهله لنقد الثقافة الغربية بناءً على معرفة وإحاطة بمكونات الفكر الغربي، وله العديد من المؤلفات والكتب منها: ملامح المستقبل – الحرية والفن عند علي عزت بيجوفتش – الديموقراطية: الجذور وإشكالات التطبيق.
معلومات الكتاب:
اسم الكتاب: مسؤولية المثقف.
اسم المؤلف: محمد الأحمري.
عدد صفحات الكتاب: 245 صفحة.
بلد النشر: قطر.
سنة النشر: 2018