مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية

الرئيسية » كتاب ومؤلف » مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية
AEC_6409

لا أخفي انحيازي لمكتبة العلامة يوسف القرضاوي والتتلمذ على إنتاجه المعرفي؛ فهو إمام مدرسة الوسطية، وصاحب اجتهادات فقهية ودعوية يشهد لها القاصي والداني، أما جهوده في ترشيد فكر الدعوة ومناهجها التربوية فلا يختلف عليها اثنان.

وصف كتابه هذا في مقدمته بأنه "يلقي الضوء على معالم هذه الشريعة وخصائصها، ومقاصدها، وتميزها عن غيرها من الشرائع السماوية والوضعية، وعلى عوامل السعة والمرونة فيها"، وأكد أيضًا أنه لم ينس أن يتحدث عن: "تطبيق الشريعة في مجتمعنا المعاصر، وما يكتنفه من صعوبات، وما يُلقى حوله من شبهات، لا تلبث أن تذوب أمام أشعة الحق المبين، وعن الشروط اللازمة لنجاح تطبيق الشريعة في عصرنا"، كما أشار إلى أن: "المثقف العادي يجد فيه بعض ما يهمه معرفته عن الشريعة الإسلامية، التي ينادي العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه بضرورة الاحتكام إليها في كل جوانب الحياة، وتحقيقا للاستقلال التشريعي والحضاري بعد الاستقلال السياسي، وهو ما نأمل أن يتحقق في الواقع على هدى وبصيرة إن شاء الله"، وبالتالي فأنت أمام كتاب فريد من نوعه للعلامة الإمام القرضاوي - حفظه الله ورعاه - وهو "مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية".

وقد ألف هذا الكتاب عام 1990م استجابة للخطة التطويرية لكلية الشريعة والدراسات بجامعة قطر آنذاك، فالامام القرضاوي هو من أسسها بُعيد المعهد الديني الذي كان موجودا عند وصوله إلى قطر في سبعينيات القرن الماضي، وكان له السهم الأكبر في تطوير التعليم الشرعي في عموم قطر.

والكتاب المكون من 284 صفحة مدون لطلبة الجامعات، وتتميز كتب القرضاوي كلها بهذا النمط، المسلسل بطريقة علمية مميزة، يجمع بين سبك الألفاظ وعذوبتها والرصانة العلمية المعتادة والتسلسلات المنطقية والذهنية المناسبة، وقد قسم كتابه هذا إلى مقدمة وسبعة أبواب وخاتمة.

مع الكتاب:

تناول في الباب الأول/ تعريف الشريعة في الإسلام ومقارنتها بالشرائع السماوية السابقة (اليهودية والنصرانية) وكذلك مقارنتها بالقوانين الوضعية، شارحًا أهم الاختلافات الأساسية بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي من حيث النشأة والمجالات.

أما في الباب الثاني/ فتحدث القرضاوي عن "مصادر الشريعة" مقسمًا إياها إلى مصادر رئيسة وهي: القرآن الكريم (الذي تميّز بخصائص منها: الإعجاز والخلود والحفظ وشمول خطابه لكل أصناف البشر) والسنة النبوية (موضحًا الفروق بينها وبين النص القرآني من حيث الثبوت والدلالة)، ومصادر تابعة لها: كالإجماع والقياس كمصادر يعتمدها جمهور الأمة، ومصادر مختلف بها: كالاستصلاح والاستحسان والعرف والاستصحاب وشرع من قبلنا وقول الصحابي وغيرها.

وفي الباب الثالث/ تحدث القرضاوي عن مفهوم "المقاصد العامة للشريعة"، بالحديث عن المصلحة والمفسدة وآليات رعايتها أو درئها، كما أوضح درجات المقاصد التي اتفق عليها العلماء (من ضرورات وحاجيات وتحسينات)، واستدرك آخر هذا الباب بعدة ملاحظات مهمة ضابطة لكيفية التعامل مع المقاصد.

أما في الباب الرابع/ فتحدث القرضاوي -حفظه الله ورعاه- عن أبرز "الخصائص العامة للشريعة" وهي: الربانية، الأخلاقية، الواقعية، الإنسانية، التناسق، الشمول، وطرح تأصيلها الشرعي من القرآن والسنة وواقع الأمة الإسلامية، مع طرح أمثلة كثيفة من فقه الصحابة والتابعين، كما طرح أبرز الشبهات التي يطرحها العلمانيون وأعداء الدين وناقشها في ضوء الفهم السليم للقرآن والسنة.

في الباب الخامس - وهو الأطول والأكثر تفصيلًا/ تناول القرضاوي "عوامل السعة والمرونة في الشريعة"، وشرحها بالتفصيل، منها:

1. العامل الأول/ سعة منطقة العفو المتروكة قصدًا، واستفاض هنا بذكر مصادر التشريع الأخرى وكيفية اتكائها على مقاصد الشريعة الإسلامية.
2. العامل الثاني/ اهتمام النصوص بالأحكام الكليّة، ولم تتعرض للجزئيات والتفصيلات والكيفيات، إلا ما كان شأنه الثبات والدوام برغم تغير المكان والزمان، لئلا يضيق الشارع على الناس، وضرب هنا أمثلة متعددة.

3. العامل الثالث/ قابلية النصوص لتعدد الأفهام، مما ساعد على وجود المدارس الفقهية المتنوعة، وساق هنا أيضًا عددًا من الأمثلة.

4. العامل الرابع/ رعاية الضرورات والأعذار والظروف الاستثنائية، واستعرض هنا عددًا من القواعد الفقهية والأمثلة عليها.

5. العامل الخامس/ تغيّر الفتوى بتغيّر الأزمنة والأمكنة والأحوال والأعراف، وناقش كلام العلماء وطرح عددا من المسائل الدالة عليها، وخاصة في فقه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وبقية الخلفاء الراشدين.

أما الباب السادس/ فتحدث فيه القرضاوي عن "الشريعة في مجال التطبيق"، وناقش فيه الشبهات التي يطرحها العلمانيون حول صلاحية الشريعة للتطبيق ومدى إمكانية ذلك واقعيًا، كما ناقش الشبهة التي يطرحوها عن حصرية تطبيق الشريعة بشخص النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين فقط، مستعرضًا عددًا من التجارب التاريخية لهذا التطبيق، كما وضع عددًا من التنبيهات اللازم مراعاتها عند معاودة التطبيق.

في الباب السابع/ تحدث القرضاوي عن "شروط النجاح في تطبيق الشريعة"، وهي:

1. الشرط الأول/ فتح باب الاجتهاد من جديد للقادرين عليه، والعودة إلى ما كان عليه سلف الأمة، والتحرر من الالتزام المذهبي المتشدد، فيما يتعلق بالتشريع للمجتمع كله، محددا مجالات الاجتهاد بـ:

أ‌. إعادة النظر في تراثنا الفقهي العظيم؛ لاختيار أرجح الأقوال وأليقها بتحقيق المقاصد ورعاية المصالح.
ب‌. العودة إلى النصوص الثابتة، والفقه فيها على ضوء المقاصد العامة للشريعة.
ت‌. الاجتهاد في المسائل والأوضاع الجديدة.

2. الشرط الثاني/ أن يؤخذ الإسلام كله، وأن تكون تعاليم الإسلام هي الموجهة لكل نواحي الحياة، والقائد لكل مؤسسات المجتمع.

3. الشرط الثالث/ التحرر من ضغط الواقع المنحرف، فهو ليس قدرًا محتومًا بل هو أثر من آثار الضعف والانحراف.

ثم ختم القرضاوي بخاتمة حول مدى إمكانية تقنين أحكام الشريعة الإسلامية (أي صياغة الأحكام في صورة مواد قانونية مرتبة ومرقمة، على غرار القوانين الحديثة)؛ فقد ناقش مخاوف العلماء الذين يمانعونه، ووضع أهم الاعتبارات التي ترجح ضرورة التقنين، وقدم أهم الشروط التي يراها ضرورية لإنجاح عملية التقنين.

1. ألا يلتزم مذهبًا واحدًا معينًا، بل يعود لمختلف المذاهب والمدارس الفقهية.
2. العمل على اختيار أرجح الأقوال دليلًا، وأوفقها بمقاصد الشريعة، وأليقها بتحقيق مصالح الناس.
3. أن يعاد النظر - بشكل دوري ومستمر - في القانون المدون، وتستعرض ملاحظات القضاة والمحامين والمهتمين بشؤون القانون.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل من القرضاوي هذا الجهد الكبير وهذا الميراث العلمي الغزير، وأن يختم لنا وله بصالح الأعمال.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدير علاقات عامة في إحدى المؤسسات التعليمية في الأردن، ناشط اجتماعي، وإعلامي، مهتم بالشؤون التربوية.

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …