يا لحماقتهم! يعيبون ديننا ويطالبون بتجديده وهم لم يُجرِّبوه! (2-2)

الرئيسية » بصائر الفكر » يا لحماقتهم! يعيبون ديننا ويطالبون بتجديده وهم لم يُجرِّبوه! (2-2)
Islam

تحدثنا في (الجزء الأول) من هذا الموضوع عن:

أولًا/ حقيقة أمر من يُطالبون بالتجديد في الدين.
ثانيًا/ الرد على من يعيبون الدين الإسلامي ويطالبون بالتجديد فيه.
ثالثًا/ المقصود بالتجديد في الدين من وجهة نظر الشرع.
رابعًا/ من هم المنوط بهم أمر التجديد كما ورد في الحديث النبوي الشريف؟
خامسًا/ شبهات يجب إزالتها.
سادسًا/ مكر يهودي وفطنة راعي الغنم.

وفي الجزء الثاني من هذا الموضوع سنتحدث بمشيئة الله تعالى عن:

سابعًا/ أسئلة تلجم من يعيبون الدين الإسلامي ويطالبون بتجديده

إن من يعيبون على الدين الإسلامي ويُشككون في صلاحيته لعصرنا ويطالبون بتجديده ما هم إلا ثلة من علماء السلطان، أو ثلة ممن تربوا في غير بلاد المسلمين، أو غيرهم ممن تأثروا بكل هؤلاء ويريدون دينًا بلا روح  ، دينا شكليًا نمطيًا يترك لهم العنان يفعلون ما يشاؤون وفق أهوائهم وشهواتهم ولا يتذكرون منه إلا طقوسًا جوفاء في المواسم والمناسبات.

والسؤال لهؤلاء الذين لا يعجبهم الدين الإسلامي ويطالبون بتجديده:

1. هل جرَّبتم أن تطبِّقوا الإسلام في شؤون حياتكم، وتعيشوا أحكامه وأوامره ونواهيه بإخلاص في كل أحوالكم، وتتعايشوا مع آدابه وأخلاقه كما أمر الله تعالى فوجدتموه لا يناسب عصركم كما تزعمون! إنكم وإن أجبتم بالإيجاب فخسئتم وخاب سعيكم؛ لأن العيب فيكم أنتم وليس في الإسلام ولن يكون أبدًا في الإسلام، ومثلكم مثل الذين قال الله تعالى فيهم:{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة:124].

إن دين الله إذا مسَّ شِغاف قلوبكم وتذوقتم حلاوة الإيمان به ما طالبتم بتجديد ما جاء به أمرًا كان أو نهيًا، ولا تنازلتم عن مثقال ذرة من أخلاقه وآدابه، ولعلمتم أن دين الله عزيز إما أن يؤخذ كله كما يحب ربنا ويرضى وإما أن يترك كله دون اجتزاء ولا ابتداع ولا تشويه ولا تحريف!

إن ما دفعكم لما تطالبون به إنما هو ما أصابكم من فراغ ذهني وخواء روحي، واتباعكم لخطوات الشيطان، وانبهاركم بما في بلاد غير المسلمين بالرغم من كونه ركام من النتن تعلوه هالة من النور، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:"لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا:يا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قالَ:فَمَنْ؟" [صحيح البخاري].

2. ما هي مؤهلاتكم في العلم الشرعي التي تسمح لكم بهذا الطلب الذي {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم:90].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سَيأتي على الناسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فيها الكَاذِبُ، و يُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ، و يُؤْتَمَنُ فيها الخَائِنُ، و يُخَوَّنُ فيها الأَمِينُ، ويَنْطِقُ فيها الرُّوَيْبِضَةُ. قيل:وما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال:الرجلُ التَّافِهُ، يتكلَّمُ في أَمْرِ العَامَّةِ" [رواه ابن ماجه].

3. ما هي دوافعكم للمطابة بهذا الطلب

إن احتياجات الإنسان الأساسية تتلخص في حاجته للمأكل والمشرب والمسكن كما يحتاج للشعور بالأمن والأمان والحرية والعدالة الاجتماعية وكذلك يحتاج لإشباع حاجته البيولوجية الفطرية والغريزية بالزواج والتكاثر... إلخ.

هل تغيرت الاحتياجات الأساسية والبيولوجية للإنسان فلم يعد الشرع بصورته التي نزل عليها يناسب الإنسان الآن!

هل اختلفت احتياجات الإنسان الضرورية أو تغيرت منذ بداية الخليقة إلى يومنا هذا!

هل حدث في عصر من العصور أن تخلى الإنسان عن حاجته للمأكل والمشرب والمسكن... الخ!

هل حدث في عهد من العهود أن استقامت حياة الإنسان في ظل غياب قيم الأمن والحرية والعدالة الاجتماعية... الخ! الذين هم من أولويات ما يطالب به الإسلام!

هل حدث في زمن من الأزمان أن استقامت حياة الإنسان بدون الشرف والصدق والأمانة والتعاون والتكافل... الخ! الذين هم من أسمى أخلاقيات الإسلام!

هل حدث في ملة من الملل أن تخلى الإنسان عن إشباع حاجته البيولوجية الفطرية والغريزية من زواج وتكاثر... الخ!

هل حدث في بحث من أبحاثكم أن اختلفت فصائل الدم أو وظائف الأعضاء باختلاف طبيعة العصر وتطوره أو تدهوره!

هل حدث في تجربة من تجاربكم أن أنجبت المرأة خارج النطاق الذي عرفته البشرية (حيوان منوي وبويضة)!

هل استطاع العلم الحديث أن يتدخل في فترة حمل الجنين بالزيادة أو بالنقصان!

هل نجحتم في محاولة من محاولاتكم أن تعرفوا سر واحدة من الغيبيات الخمس التي اختص الله تعالى بها نفسه!
هل... وهل... وهل...؟

إن كل هذه الأمور البيولوجية والغريزية والفطرية - مادية كانت أو معنوية - هي ما يحتاج إليها الإنسان ويسعى لتحقيقها في كل زمان ومكان، ومتى توفرت أبدع وتطور تطورًا لا يعارضه الشرع بل يحبذه وينادي به ويشجعه ويثيب عليه طالما كان في إطار جلب المنفعة ودرء المفسدة وفي دائرة المصالح المُرسلة التي تنتظم بها حياة الإنسان.

ثامنًا/ موقف يُلجم أحد الذين يعيبون الدين الإسلامي ويطالبون بتجديده

يقول المُفكّر الإسلاميّ محمّد عمارة رحمه الله: "كنت في مجلس، فالتفت أحد المَدعوّين تجاهي، وخاطبني مُستهزئًا: أفهم من كلامك أنّك تريد تطبيق أحكام الشريعة والعودة بنا الى الوراء! فأجبته متسائلًا: هل تقصد بالوراء يعني حوالي ١٠٠ سنة عندما كانت السلطنة العثمانيّة تحكم نصف الكرة الأرضية، ولمُدة ٥٠٠ عام؟ وكان ملوك أوروبا محميّين من السلطان؟
أم قصدك أكثر للوراء زمن حكم المماليك الذين أنقذوا العالم من المغول والتتار؟
أم للوراء أكثر عندما حكم العبّاسيون نصف الكرة الأرضيّة؟
أم للوراء أيّام الأمويّين، أم قبلهم زمن الخلفاء الراشدين.. وزمن سيّدنا عمر رضي الله عنه؟ الذي حكم أكثر الكرة الأرضيّة؟
أم قصدك عندما بدأ هارون الرشيد رسالته إلى ملك الروم نقفور: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؟
أم إلى زمن عبد الرحمن الداخل، الذي طوّق جيشه إيطاليا وفرنسا؟ هذا سياسيًّا...
أم قصدك علميًّا؟ عندما كان علماء العرب مثل ابن سينا والفارابي وابن جبير والخوارزمي وابن رشد وابن خلدون إلخ، الذين كانوا يُعلّمون العالم العربي والغربي الطبّ والصيدلة والهندسة والفلك والشعر؟!
أم قصدك كرامة يوم كانت عزّة الإسلام تملأ قلوب المسلمين؟ يوم عبث يهوديّ بعباءة امرأة مسلمة فصاحت، فانتصر المُسلمون لها، وكان جلاء يهود بني قينقاع عن المَدينة؟
أم قصدك عندما عبث يهودي بعباءة امرأة فصاحت وا معتصماه، فجرّد المعتصم الجيش وطرد اليهود من أرض الدولة بينما اليوم النساء تغتصب اغتصابًا والحكام ساكتون!
أم قصدك عندما أنشأ المسلمون أوّل جامعة تعرفها أرض أوروبا في إسبانيا؟ ومن وقتها أصبح الزيّ العربي (العباءة) هو لباس التخرّج في كلّ جامعات العالم ولليوم، وأصبحت قبعة التخرّج مسطّحة لليوم أيضًا؛ لأنّه كان يتمّ وضع القرآن فوقها في احتفال التخرج؟
أو عندما كان الهاربون من أوروبا الفقيرة يتوجّهون إلى الإسكندريّة، فيجدون فيها الملاذ الآمن؟
أو عندما طلبت أمريكا من مصر إنقاذ أوروبا من المجاعة؟
أنتظرك لتشرح لي قصدك، وتخبرني كم تريد أن نرجع إلَى الوَراء؟

من هذا الموقف ندرك أن الأمة ما تخلفت وتراجعت في ذيل الأمم وأصابها الذل والصغار إلا بابتعادها عن دين ربها، وبالسماح للرويبضة بأن يهرفوا بما لا يعرفوا ويهذوا بما لا يعلموا ويتحدثون فيما لا يفقهون.

ما تخلفت الأمة وتراجعت في ذيل الأمم وأصابها الذل والصغار إلا بابتعادها عن دين ربها، وبالسماح للرويبضة بأن يهرفوا بما لا يعرفوا ويهذوا بما لا يعلموا ويتحدثون فيما لا يفقهون

تاسعًا/ يا لحماقتهم!

يا لحماقتهم! يطعنون في الدين الذي أنزله الله تعالى لعباده، ويعيبونه، ويشككون في صلاحيته، ولا يستطيع أحدهم أن يفعل ذلك مع من يعبدون حيوانات ويقدِّسون بشر ومخلوقات لا تملك من أمر نفسها شيئًا!

يا لحماقتهم! يعدون عبادة الحيوانات وتأليه البشر حرية، أليس من الأولى أن تحترموا المسلمين فيما يعبدون ويعتقدون، وتكفوا عن نعيقكم الذي سيصيبكم بالصمم ويسلبكم عقولكم!

إن هؤلاء إن وجبت لهم النصيحة فنصيحتنا لهم هي أن يواصلوا حربهم ضد الدين وبلا هوادة، وأن يُزيلوا الأقنعة التي يستترون خلفها، ويُخرجوا آخر ما في جعبتهم ضده، وليكونوا على يقين أنهم لن يفعلوا أكثر مما فعل يهود المدينة ومنافقيها وقد كان الإسلام حينها غضًا إلا أنهم خذلوا خذلانًا مبينًا ولم ينالوا من الإسلام شيئًا، أما الآن، وبعد أن أصبحت شجرة الإسلام "أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء" فإن مصير من يحارب الإسلام سيكون أهون على الأجيال من مصير جيفة نتنة!

إن أمثال هؤلاء ينطبق عليهم قول الإمام الشوكاني رحمه الله، حين قال:

يا ناقِدًا لِكَلامٍ لَيْسَ يَفْهمُهُ ::مَنْ لَيْسَ يَفْهَم قُلْ لي كَيْفَ يَنْتَقِدُ؟
يا صَاعِدًا في وُعُورٍ ضَاقَ مَسْلَكُها ::أَيَصْعَدُ الْوَعرَ مَنْ في السَّهْلِ يَرْتَعِدُ؟
يا ماشِيًا في فَلاةٍ لا أَنِيسَ بها ::كَيْفَ السَّبيلُ إذا ما اغْتَالَكَ الأَسَدُ؟
يا خائِضَ الْبَحْرِ لا تَدْرِي سِباحَتَهُ ::وَيْلي عَلَيْكَ أَتنْجُو إنْ عَلاَ الزَّبَدُ؟

إلى أن قال:
يا غارِقينَ بسَوْمِ الْجَهْلِ في بِدَعٍ ::ونافِرينَ عَنِ الْهَدْيِ الْقَويمِ هُدُوا
أفي اجتهادِ فتىً في الْعِلْمِ مَنْقَصَةٌ؟ ::النَّقْصُ في الْجَهْلِ لا حَيَّاكُمُ الصَّمَدُ

ويقول الأعشى في مُعلَّقته:
يا ناطح الجبلَ العالي ليَكْلِمَه ::أَشفق على الرأسِ لا تُشْفِق على الجبلِ
كناطحٍ صخرةً يومًا ليوهنَها ::فلم يَضِرْها وأوهى قرنه الوعِلُ

أخيرًا أقول:
إن خزي الدنيا سيلاحق هؤلاء الأفاكين الذين يطعنون في الدين ويعيبونه ويتهمونه زورًا وبهتانًا بأنه لا يصلح لإدارة شؤون البلاد في عصر التطور والتكنولوجيا، فهؤلاء سيَنْفَقون كما تَنْفَق الدَّابة وقد خسروا الدنيا والآخرة، ويبقى نور الله تعالى نور هداية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
قال تعالى:{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].

وأقول:
لا حاجة لنا لما تدعوننا إليه من دين جديد، فبضاعتكم المُزجاة مردودة عليكم وستطوَّق بها أعناقكم وتحملونها فوق ظهوركم إلى أن تلقو حتفكم غير مأسوف عليكم وإلى أن تلقو ربكم فيفيكم من العذاب ألوانًا.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …