إنما اليأس كفر… فاصنعوا الأمل

الرئيسية » خواطر تربوية » إنما اليأس كفر… فاصنعوا الأمل
islolation-alone3

مع اشتداد الأزمات يكثر الحديث عن اليأس والانسحاب من كل الحياة، ومع توالي المصائب التي تعصف كل يوم في بلادنا العربية والإسلامية، الداخلية منها والخارجية، من فساد ومحسوبية وبيع للأوطان وبيع لثرواتها ومقدراتها للأعداء، بل حتى ورهن حاجاتها الضرورية مثل الطاقة والمياه للعدو الصهيوني دون أن نوقف هذا الأمر المفروض على رقابنا يزداد البلاء سوءا، وخارجيا بالانسياق والتبعية وراء القوى الدولية وما تطلبه، حتى يمر الواحد فينا على القبور -كما ورد في الآثار النبوية- فينظر لإحداها فيقول: "يا ليتني كنت مكانك" ، ليس به إلا الغم على ما آلت إليه أحوال المسلمين، وتزداد شراسة أعداء الله في الصد عن سبيل الله بكل وسائلهم -السياسية والاقتصادية والاجتماعية- وتتواصل جهودهم الشيطانية -كأنما يعوذون بعضهم ليزدادوا رهقا- ليقنعونا بضعفنا وعجزنا ويؤثروا على إيماننا واتكالنا على الله والحماسة والتضحية في سبيله، حتى اقتنع بعضنا وتخاذل عن الطريق أو يكاد، فهل هذا هو التصرف الحق الصحيح..؟؟

ألم يعهد إلينا القرآن الكريم ألا نيأس من روح الله، بل وقرن ذلك بالكفر -والعياذ بالله-، فقال على لسان نبي الله يعقوب {ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف:87}.

وربط ذلك بالضلالة على لسان أبي الأنبياء إبراهيم حينما قال {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} [الحجر:56].

بل إن من أخطر ما يؤول إليه هذا اليأس المذموم هو فساد القلوب ومواتها لسوء أدبها مع خالقها وتكذيبها الصريح لوعده الحق {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} [النور:55] بعدما اشترط عليهم أن {يعبدونني لا يشركون بي شيئاً}، لذا وجب علينا أن ندرس أسباب هذا اليأس والقنوط ومظاهره وآليات علاجه ضمن منظومة "صناعة الأمل ".

عند التتبع لأحوال اليأس والقنوط بين الناس تجد أن له أسباب متعددة، منها :

1- الجهل بالله تعالى وعدم المعرفة لسعة رحمته وعظيم فضله، وبالمقابل قد يكون الغلو في الخوف منه وانقطاع الرجاء بعفوه وكرمه.

2- مصاحبة اليائسين والمحبطين والقانطين، ليكثر الحديث بينهم بسوداوية عن الواقع دون البحث عن الحلول الممكنة، ليكون حالهم حال الرجل الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- (من قال: "هلك الناس" فهو أهلكُهم) أي أشدهم هلاكا، وفي رواية (فهو أهلكَهم) أي كان سببا في هلاكهم.

3- يُعد قلة الصبر وعدم التحمل واستعجال الثمرات هو من أسباب اليأس والقنوط، وكثيرا ما دعانا القرآن الكريم إلى الصبر، منها ما قاله الله {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين} [البقرة:153] .

4- شدة التعلّق بالدنيا والركون إليها هو من أهم أسباب اليأس والقنوط، فالفرح بأخذها والحزن على فواتها عامل رئيس لليأس، فقد قال تعالى {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسّه الشر كان يئوسا} [الإسراء:83].

أما الدعاة والعاملون في العمل الإسلامي؛ فبالإضافة إلى ما سبق فقد تزيد لهم أسباب أخرى، منها :

5- ما حصل أحداث تلت إفشال بعض التجارب الإصلاحية في عدة دول -دون دراسة مستوفاة لما حصل- سبب موجة من اليأس بين الشباب المتعجل منهم، وتأثر بضغط الإعلام المشوه لصورة الحق كاملة والداعي للرذيلة ونشر آفاقها، ناهيك عن شدة ضربات الظالمين لهم -من اضطهاد وسجون وإعدامات وتصفيات جسدية- مع انحسار واضح لدور أهل الحق ومنعهم من مختلف المنابر لكي لا يقوموا بتثبيت قلوب الناس على مرادات الله تعالى.

6- قلة الوعي بسنن الله في التغيير وعدم استكمال متطلباتها سيؤدي بالضرورة نحو اليأس بسبب عدم اتخاذ التدابير المطلوبة للأخذ بها، فبالتالي عدم استثمار سنة مداولة الأيام {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا منكم ويتخذ منكم شهداء} [آل عمران:140].

أما عن أبرز النتائج أو الظواهر التي قد تظهر لانتشار مرض اليأس والقنوط في قلوب الناس :

1- الإمعان في المعاصي ليأسهم من رحمة الله، والله دعاهم لعدم القنوط من رحمته حين قال {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا} [الزمر:53].

2- بعض مظاهر الكفر والتسخط على الله لفوات بعض النعم وعدم انكشاف بعض الهموم، لذا كان -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله من الكفر والفقر وعذاب القبر.

3- إذا ضرب اليأس في الدعاة -على وجه الخصوص- ظهرت بعض أعراض متعددة، فقد ييأسوا من توبة العصاة فيتوقفون عن مناصحتهم ودعوتهم، وقد ييأسوا من عودة حكم الإسلام فتتولد لهم بعض أفكار علمانية (مثل: لا سياسية في الدين، ولا دين للسياسة)، وإذا يئسوا من القدرة على التغيير توقفت أنشطتهم وفوّتوا بعض الفرص أو اللحظات الممكنة.

لذا وجب علينا أن نسعى إلى مكافحة هذا المرض وعدم السماح له بالتمدد، من خلال:

1- التأكيد على التحلي بالصبر {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران:200].

2- حسن التأسي بالأنبياء -عليهم السلام- وصبرهم على ما أصابهم من بلاء ولجوئهم لمولاهم الحق {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [الأنبياء:83] و {وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين} [الأنبياء:89].

3- التيقن بنصر الله وعونه للصابرين والعاملين لخدمة الإسلام {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا} [الروم:69] {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [غافر:51].

4- العمل على نصرة دين الله الحق ليتحقق النصر من الله {يا أيها الذين آمنوا أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} [محمد:7]، وعدم التخاذل بحجة تأخر النصر أو الهروب من استحقاقاته حتى لا نستبدل {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم} [محمد:38].

5- محاولة البحث عن مسارات عمل جديدة بدل التباكي على فشل المسارات السابقة {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران: 165].

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدير علاقات عامة في إحدى المؤسسات التعليمية في الأردن، ناشط اجتماعي، وإعلامي، مهتم بالشؤون التربوية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …