شُغِلَتْ دوائر ومساحات العمل الإسلامي المختلفة خلال السنوات الماضية بالكثير من الأمور التي سحبت الاهتمام من تحت أقدام الكثير من أهم أدوات العمل الدعوي، والعمل الإسلامي بشكل عام.
فقاد الانشغال بالأزمات السياسية، والحروب والصراعات إلى الاهتمام بشكل أكبر بقضايا فقه الدولة، والعمل السياسي، وفقه الاحتجاج بمختلف أشكاله، بجانب بطبيعة الحال الصراعات التي نشأت على الأولويات، والآليات بين الكثير من الحركات التي ترفع الهوية الإسلامية شعارًا لها.
وبشديد الأسف تغافلت الغالبية من المعنيين بمساحات العمل الإسلامي المختلفة عن أهم الأدوات التي قادت الصحوة الإسلامية إلى الانتشار في العقود الماضية، والتي كان من أهمها ظهور بعض أنواع الآداب، والفنون التي تلتمس من الهوية الإسلامية مكونًا لها.
فعن قصد، أو من دون قصد، كانت أقلام -مثل نجيب الكيلاني وعلي أحمد با كثير- من أهم المفردات التي قادت الفكرة الإسلامية التي وجدان مساحات لم تكن مطروقة من شرائح المجتمعات العربية والمسلمة.
فالكثير من الشباب العربي والمسلم لم يعرف عن محطات مهمة من التاريخ الإسلامي مثل فترة حروب المغول، ودولة المسلمين في الأندلس، إلا من خلال كتابات هؤلاء.
ولعل أهم آثار المحاولات التي جرت خلال العقود السابقة لتأسيس نمط من الفنون والآداب الإسلامية هو أن هذه المحاولات قد أثبتت أن الفكرة الإسلامية، والروح الإسلامية يمكنها خلق نموذج جذاب وناجح ومقبول حتى من جانب الأجيال الجديدة الصاعدة التي تتأثر أكثر من غيرها بـ"الميديا" العادية.
وكان من أهم مجالات النجاح التي تحققت في هذا الاتجاه هي التجارب الموجهة للأطفال سواءً المادة المكتوبة أو المرئية بمختلف صورها وأشكالها الإنتاجية، من قصص وأفلام كارتونية، وبعض المحاولات في المجال السينمائي.
كانت هذه الأمور حاضرة في عقول أبناء الرعيل الأول من قادة العمل الإسلامي المعاصر، فكان حتى عندما تغيب الموهبة من بين أبناء الحركة الإسلامية، كان الإعلام الصَحَوي يبحث لدى جيل الرواد من الفنانين والأدباء عمَّن كان لديه الحس الإسلامي أو الأخلاقي على أقل تقدير في أعماله، وإنتاجاته.
فعلى سبيل المثال، نجد أنه كان هناك احتفاء من جانب بعض الإعلاميين والمفكرين الصَحَويين في كتاباتهم بأدباء مثل: مصطفى صادق الرافعي ومحمد عبد الحليم عبد الله، وفنانين، مثل: حسين صدقي في مصر باعتبار أن هؤلاء كانوا في أعمالهم إما يقدمون، بشكل مباشر، كتابات وأعمالًا فيها الكثير من الحس الإسلامي، والهوية الإسلامية، أو على الأقل يلتزمون بالكثير مما يخدم الفكرة الإسلامية، ولو بشكل غير مباشر من خلال رسالة الأخلاق.
هذا الأمر لم يعد حاضرًا بالصورة الكافية في الوقت الحالي، مما ترك المجال واسعًا أمام تيارات التغريب الجارفة التي استغلت تراجع الكثير من آليات العمل الإسلامي في المجال الفكري، والثقافي، والاجتماعي بل حتى الترفيهي.
بل صار -على العكس من ذلك- نجد أن حضور الإنتاج الإسلامي في ساحة مثل ألعاب الفيديو جيم ذات الشعبية الهائلة في أوساط الشباب، يكاد يكون منعدمًا، مما ترك المساحة واسعة ليس فقط أمام الألعاب التي تحمل قيم التغريب، بل أمام الألعاب التي تعمل على ضرب الثوابت الإسلامية مثل ألعاب PuBg، وFree Fire؛ حيث تتضمن هذه الألعاب وغيرها اشتراطات مخالفة للعقيدة الإسلامية من أجل استمرار اللاعب في التقدم إلى المستويات العليا في اللعبة.
وعلى الرغم من سحب المؤسسات التي طورت هذه الألعاب لتلك التحديثات، فإن الشاهد يبقى قائمًا، وهو أن الحضور الإسلامي غائب، على الرغم من أنه مطلوب، وبشدة، في هذه المرحلة.
لا ينفصل ذلك عن إشكالية رئيسة هي أن المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، أو حتى في الوسائط الإلكترونية، ضعيف، ولا يخدم المرامي المختلفة، مثل: البحث العلمي، أو المعرفة العامة، أو حتى الترفيه الرشيد.
ولعل أهم مساحة عمل مطلوب فيها التحرك، في هذه المرحلة، هي الوسيط الإلكتروني الذي تتم إتاحته على المنصات والمصادر المفتوحة؛ مثل إنشاء مكتبات إلكترونية متكاملة تضم كل أعمال الأدباء والشعراء والمبدعين العرب والمسلمين ممن التزموا بالروح الإسلامية، ورسالة الأخلاق، في أعمالهم مثل الكيلاني، وبا كثير، ومحمد إقبال، وغيرهم.
كذلك من المهم إنشاء قنوات على منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بالصورة، والمقاطع المصورة؛ وأهمها، بطبيعة الحال، "فيسبوك"، و"يوتيوب"، ووضع أرشيف منسق مقسَّم وفق الموضوع والنوع - وغير ذلك من التصنيفات - تتضمن مختلف الأعمال الفنية السابقة، حتى إذا ما تعذر إنتاج الجديد، وغابت المواهب.
إن ما سبق ليس من هامش الحديث، أو ترفه، كذلك فهو ليس من مجالات العمل الثانوية في مساحات العمل الإسلامي المختلفة؛ لأن استطلاعات الرأي، والدراسات الاستقصائية الكثيرة التي أجريت خلال السنوات الماضية، والتي من أهمها ما أجرته مؤسسة الباروميتر العربي، بالتعاون مع شبكات إعلامية دولية، مثل: هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" كشفت أن أحد أهم أسباب انصراف شرائح ونسب واسعة من الشباب العربي والمسلم - بلغت النصف في بعض الأحيان - عن "فكرة التدين"، بل عن الدين ذاته هو أنهم لم يجدوا المصدر الذي يخاطب أفكارهم، وأرواحهم بالمحتوى الإسلامي السليم الذي يتضمن إشعارهم بهويتهم، واعتزازهم بتاريخ أمتهم المسلمة.
أما أهم ما غاب عنهم ودفعهم إلى طريق غير سوي، فيما يتعلق بعلاقتهم بالدين والتدين فهو أنهم لم يجدوا المحتوى الذي يناقش مشكلاتهم، وأزماتهم الآنية، والتي هي واحدة من أهم مستهدفات رسائل وأدوار الفنون والآداب عبر التاريخ.