شهدت الفترة الأخيرة اتخاذ بعض الدول المحسوبة على التحالف الغربي، وبالتحديد دول التحالف الأنجلو — أمريكي قرارات باعتبار حركات #المقاومة الإسلامية؛ مثل "حزب الله" في لبنان، وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" حركات "إرهابية"؛ في تطور يحفل بالعديد من الدلالات سواءً على مستوى التوقيت أو طبيعة الأطراف التي تقف خلفه، وما يتصل بها من تطورات إقليمية ودولية.
وأول معالم هذه التطورات هو شمول قرارات دول؛ مثل أستراليا، وبريطانيا، وألمانيا، الأجنحة السياسية لكل من "حزب الله" و"حماس" ضمن قوائم هذه الدول للحركات "الإرهابية"؛ وهو ما كانت تتفاداه الكثير من العواصم الأوروبية على أقل تقدير في السنوات الماضية؛ حيث كانت تميز بين الأجنحة العسكرية وبين الهيئات السياسية؛ تركًا للمجال الدبلوماسي مفتوحًا أمام التواصل مع هذه الحركات باعتبار على الأقل ما يُعرف في القانون الدولي بـ"الأمر الواقع" De Facto في ظل تمتع هذه الحركات بسلطة سياسية وقانونية وحاضنة اجتماعية في مناطق تواجدها.
المَلحظ الثاني هو أن هذه القرارات تتزامن مع — أو تأتي ضمن — "باقة" من السياسات الإقليمية والدولية لهذه الأطراف فيما يشبه عملية "إعادة تهيئة" لساحة الصراعات الإقليمية والدولية.
ويمكن القول إن هذه السياسات قد بدأت مع وصول إدارة الرئيس الأمريكي "جوزيف بايدن" إلى البيت الأبيض؛ حيث بدأ في إعادة رسم خريطة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بحيث تكون الصين وروسيا وتحالفات الشرق الأقصى وآسيا هي في صلب اهتمام التحالف الغربي؛ وبالتحديد التحالف الأنجلو — أمريكي.
في هذا الإطار كان من المهم بالنسبة للإدارة الأمريكية وحلفائها إعادة تموضع خريطة النزاعات والعلاقات داخل منطقة "الشرق الأوسط الكبير" التي تشمل العالم العربي، وشمال أفريقيا، ومنطقة آسيا الوسطى الإسلامية.
ومن هنا لا تنفصل هذه القرارات الجديدة مع إعادة ترسيم الوضع في أفغانستان بالصورة التي تضمن بها واشنطن من خلال وكلاء إقليميين ضمان وجود حالة من عدم الاستقرار في هذه المنطقة الحساسة لمصالح الأمن القومي والاقتصادي الروسية والصينية، كما يمكن أيضًا فهم سياقات صفقة الغواصات النووية الأمريكية الأسترالية وصفقة التحالف الثلاثي الذي ضم بريطانيا، وجرى فيه استبعاد فرنسا من ترتيبات الأمن في منطقة المحيط الهادئ.
لا يبدو هذا بعيدًا بكل تأكيد عن القيود الجديدة التي يسعى الغرب إلى فرضها على حركات مثل "حزب الله" و"حماس"؛ حيث إن هذه الحركات ومثيلاتها التي تعمل في العراق وسوريا واليمن ترتبط بمنظومة التحالفات الإقليمية التي تشد من عضد السياسات الروسية والصينية في هذه المنطقة المهمة من العالم بالنسبة للمصالح الغربية مثل إيران.
وبطبيعة الحال فإن الفهم يكون أسهل لما تشهده المنطقة ذاتها من تطورات باتجاه "تصفير" أو على الأقل معالجة بعض أزمات العلاقات البينية بالشكل الذي وضع الكيان الصهيوني شريكًا أمنيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا أساسيًّا مع الدول العربية في مواجهة المحور الذي يضم روسيا وإيران ومجموعات مثل "حزب الله" وحركة "أنصار الله" الحوثي في اليمن.
فعلى سبيل المثال، نجد زيارة وزير الدفاع الصهيوني "بيني جانتس" إلى المغرب مؤخرًا وتوقيعه على اتفاقية أمنية "غير مسبوقة"، ومشاركة القوات الجوية الصهيونية للقوات الجوية لعدد من الدول العربية مثل الإمارات والبحرين في مناورات مشتركة فوق البحر الأحمر قبل أيام.
ولا ينفصل ذلك حتى عن التحركات الإماراتية مع الخصوم القدامى في سوريا (زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق)، ومع تركيا (زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى إسطنبول).
ويندرج في السياق نفسه التطورات الحاصلة في ملف غاز شرق المتوسط بشراكة صهيونية أصيلة، وإعادة ترتيب الأوضاع الأمنية في شمال سيناء.
وبكل تأكيد فإن هذه الصورة تفرض بيئة أكثر تعقيدًا، وأكثر تقييدًا على حركات المقاومة الإسلامية المسلحة أيًّا كانت انتماءاتها المذهبية أو الوطنية؛ ومن ثم ووفق المنطق العقلي البسيط فإنه عند حدوث مستجد يجب البحث عن سياسات بديلة للتعامل مع هذا الواقع الجديد.
ونقول هنا "سياسات بديلة"؛ لأن الواقع الجديد شديد التعقيد، ولا يمكن التحسب لتطوراته المستقبلية؛ فلا يمكن الركون إلى سياسات "رد الفعل" أو إلى سياسة وقائية واحدة.
وربما الأقرب في هذا الحديث أن نقول ما يجب على حركة "حماس" القيام به في هذه المرحلة؛ حيث إن الحركة لا تملك الدعم ذاته الذي يملكه "حزب الله" من إيران مع حرص "حماس" على أخذ جانب الاستقلالية في القرارات والسياسات، بينما تتعرض الحركة في الوقت الراهن، حتى من حلفاء الماضي القريب؛ إلى محاولات تهميش استجابةً لاعتبارات مصالح علاقاتها الإقليمية مع الآخرين.
ولذلك فإن أقرب الحلول المتاحة أمام "حماس" هو تعضيد تحالفاتها على المستوى الداخلي، وتحسين بيئة العمل والاتصال مع مصر من خلال المزيد من الاستجابة أو التعاون مع متطلبات الأمن القومي المصري في المناطق الحدودية بين قطاع غزة وشمال سيناء.
كذلك، فإن الحركة بحاجة إلى إعادة تنشيط لمسارات اتصالاتها مع الرأي العام في الدول العربية والإسلامية، وفي دول التحالف الغربي نفسها. ورأينا في حالة الاحتجاجات التي خرجت في المغرب على زيارة "جانتس" والاتفاق الأخير مع الكيان الصهيوني أن الحالة الشعبية المؤيدة للقضية لا تزال حية في الكثير من المجتمعات العربية والمسلمة.
وأيضًا فإنه ينبغي على الحركة التمسك بأحد عناصر قوتها؛ وهو صفتها القانونية التمثيلية كحكومة جاءت إلى السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة اعترفت حتى السلطة الفلسطينية وخصوم "حماس" في حركة "فتح" بنتائجها.
كذلك فإنه على الحركة توظيف كل ما بيدها من أدوات قانونية وسياسية في مخاطبة الرأي العام الدولي للأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وأن إية إجراءات تقييدية تطال الحركة على المستوى السياسي والقانوني سوف يكون أكثر من مليوني مواطن محاصرين في القطاع هم ضحيتها الأولى.
أما ما ينبغي على الجميع فعله هو إعادة ربط خريطة التحالفات ما بين مختلف هذه الحركات والتنسيق فيما بينها في أي شأن سياسي أو عسكري.