كتب العلامة القرضاوي في مقدمة الطبعة 14 من الكتاب (فإن السنة النبوية هي الوحي الثاني، والمصدر الثاني لتشريع الأحكام وتوجيه السلوك لدى المسلمين، وعلى علماء المسلمين ودعاتهم ومفكريهم أن يقوموا بواجبهم في العناية بالسنة).
وقال في مقدمة الطبعة الأولى (عنيت ببيان المبادئ الأساسية للتعامل مع السنة المطهرة، سواء تعاملنا معها فقهاء أم دعاة، وبيان المعالم والضابط اللازمة لفهم السنة فهما صحيحا، بعيدا عن تضييق الحرفيين الذين يجمدون على الظواهر ويغفلون عن المقاصد، ويتمسكون بجسم السنة ويهملون روحها، وبعيدا عن تمييع المتهاونين والمتعالين الذين يدخلون البيوت من غير أبوابها، ويقحمون أنفسهم فيما لا يحسنون، ويقولون على الله ورسوله ما لا يعلمون).
وما بين الطبعة الأولى عام 1989م، والطبعة الرابعة عشرة عام 2000م، أحد عشر عاما قدم فيها وقبلها وبعدها الإمام القرضاوي - حفظه الله ورعاه - العديد من الكتب والأبحاث التي خدم بها السنة النبوية المطهرة.
أما هذا الكتاب -والذي في أصله بحث علمي بناء على طلب المعهد العالمي للفكر الإسلامي- فقد جاء ليخدم "فهم السنة النبوية" كأحد (أهم القضايا الفكرية التي يجب على العقل المسلم ان يوليها عنايته واهتمامه، لإعادة بناء النسق المعرفي والثقافي والحضاري للأمة) كما أوضح ذلك د. طه جابر العلواني في مقدمته للطبعة الأولى من الكتاب، والتي شرح من خلالها أيضا الدوافع الرئيسة للبحث وخطته العلمية في استكتابهم حينها للإمام القرضاوي هذا البحث.
أما الكتاب - الذي طبعته مزيدا ومنقحا دار الشروق - فقد زادت صفحاته عن 200 بالقطع المتوسط، تألق الإمام -كعادته- في الكتابة، ليجمع بين علمية المنهج وجمالية الكلمات ورصانة النسق والعبارة مع الاختصار المركز غير المخل.
مع الكتاب:
قسم المؤلف أبواب الكتاب - بعد المقدمة - إلى ثلاثة أبواب:
في الباب الأول (منزلة السنة واجبنا نحوها وكيف نتعامل معها) فقد قسمه إلى ثلاثة فصول: في الأول تحدث به عن منزلة السنة في الإسلام من حيث الشمولية والتوازن والتكامل والواقعية واليسر، أما الثاني فتحدث به عن واجب المسلمين اتجاهها في تصفيتها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، أما الثالث فتحدث عن المبادئ الأساسية للتعامل معها وهي: الاستيثاق من ثبوتها، وحسن فهمها، وسلامة نصوصها من التعارضات بينها أو بينها وبين القرآن الكريم، معرجا على أبرز الشبهات التي أثيرت حولها - قديما وحديثا - والردود عليها.
أما الباب الثاني (السنة... مصدر للفقيه والداعية)، فقد قسّمه إلى ثلاثة فصول: في الأول تحدث به عن السنة كمجال للفقه والتشريع، حيث أجمع الفقهاء على الاحتكام للسنة، وضرورة الوصل بين الحديث والفقه، ووجوب مراجعة التراث الفقهي بناء أسس الحديث وعلومه، أما الفصل الثاني فتناول الحديث عن السنة كمجال للدعوة والتوجيه، واستفاض الحديث هنا عن أزمة الخطباء والوعاظ في عدم التحري عند الاستشهاد بالحديث، وخلطهم بين الصحيح والضعيف بل والموضوع أيضا، واستئثارهم للاثارة والتشويق على الحق والميزان، مما يدفعهم لسرد الغرائب والعجائب التي ما أنزل الله بها من سلطان، وفي الفصل الثالث تركز الحديث عن مناقشة مسألة (رواية الحديث الضعيف في الترغيب والترهيب) ضمن حقائق ثمان تضبط مسارها جيدا، يمكنكم العودة إليها عند الإطلاع على الكتاب.
أما الباب الثالث - وهو الأطول نسبيا، حيث نال نصف البحث تقريبا - فكان حول (معالم وضوابط لحسن فهم السنة النبوية)، حيث كانت ثمانية معالم وزعت على فصول هذا الباب مع النقاش وذكر الأمثلة:
الأول: فهم السنة في ضوء القرآن الكريم.
الثاني: جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد.
الثالث: الجمع أو الترجيح بين مختلف الأحاديث.
الرابع: فهم الأحاديث في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصده.
الخامس: التمييز بين الوسيلة المتغيرة والهدف الثابت للحديث.
السادس: التفريق بين الحقيقة والمجاز في فهم الحديث.
السابع: التفريق بين الغيب والشهادة.
الثامن: التأكد من مدلولات ألفاظ الحديث.
أما الخاتمة فتناول فيها القرضاوي - حفظه الله ورعاه - أهم المقترحات والأفكار التي تمكننا -كأمة إسلامية- في الاستفادة القصوى من السنة النبوية.