بين عشية وضحاها وفي وقت قياسي وإمكانيات مهولة ونفقات بلا حساب وثلة من مشاهير الفنانين والفنانات وتعاون مشترك بين مجموعة من الدول، يتم الإعلان عن فيلم يتم من خلاله التشويه المُتعمد لواحدة من أبرع وأغرب عمليات التهريب التي شهدها العالم حتى وقتنا هذا، ألا وهي "عملية تهريب النطف" لأسرى فلسطينيين داخل سجون الاحتلال تم الحكم على الواحد منهم بالسجن عشرات السنين، بل منهم ما تم الحكم عليه بمؤبدات عدة.
إن فكرة الإنجاب من خلال (النطف المُهرَّبة) يشبهها البعض بمن يتأبّط حبلاً إلى القَمر، ولكن الحقيقة أنها تشبه مَن يجر شجرةً عارية من صحراء جرداء إلى الغابة لتدب فيها الحياة، ولفكرة "تهريب النطف" أسرار وتفاصيل لن تُروى إلا في جلسة على موائد الصابرين في الجنة.
أولاً: قصة الفيلم الساقط الذي يطعن في أطفال النطف المهربة
الفيلم الساقط اسمه "أميرة"، إنتاج مصري أردني فلسطيني مُشترك، كتبه وأخرجه المخرج المصري محمد دياب بمشاركة ممثلين أردنيين وفلسطينيين.
قصة الفيلم باختصار
يحكي الفيلم أن أحد الأسرى داخل سجون الاحتلال قد قام بتهـريب نطفة منه لزوجته وترتب على ذلك أنها أنجبت طفلة (أميرة)، ولكن عندما فشلت محاولة إنجاب طفل آخر اكتشفت الزوجة أن زوجها عقيم وأن الد ابنتها (أميرة) هو ضابط صهيوني وليس زوجها الأسير.
إن أقل ما يُوصف به "فيلم أميرة" أنه حديث إفك يطعن في عملية تهـريب نطف الأسرى الفلسطينيين من داخل سجون الاحتلال، مما يُسيء للأسرى وعائلاتهم ويشوِّه واحدة من أبرز صور النضال التي أرغمت أنف الاحتلال ولم يتمكن الاحتلال من إحباطها.
وإن "فيلم أميرة" يمثل اغتيالاً معنوياً للأسرى وذويهم، كما يمثل طعناً في أنسابهم وشرف زوجاتهم، وهذا ما تقوم به وحدات الموساد التي توكل إليها مهام الاغتيال المعنوي للأسرى.
ثانياً: ردود الأفعال نحو هذا الفيلم الساقط
فور عرض (فيلم أميرة) الذي يُمثل الأردن للحصول على جائزة الأوسكار لعام 2022م كان هناك ردود أفعال ساخطة وغاضبة من كافة الأوساط الفلسطينية والأردنية، منها:-
قال وزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف: "فيلم أميرة ستكون له انعكاسات خطيرة على قضية الأسرى، وبخاصة أنها تسيء لعائلاتهم بعد إنجابهم الأطفال من عملية تهريب النطف".
وقال "قدورة فارس" رئيس نادي الأسير الفلسطيني: "فيلم أميرة يخدم الاحتلال وروايته ضد الأسرى وسيكون لنا موقف منه ومجموعة خطوات ضده".
وفي بيان لها قالت "الحركة الأسيرة الفلسطينية: "ندعو جميع من شارك في الإنتاج والإخراج والتمثيل والتسويق لهذه الجريمة بحق شرف وعِرض الأسرى، إعلان التوبة والاعتذار العلني للأسرى و"سفراء الحرية" وعوائلهم، وللشعب الفلسطيني ومُحبيه في الأماكن التي توازي بشهرتها أماكن عرض الفيلم.
كما طالبت الحركة باعتبار من شارك في إنتاج وإخراج وتمثيل وتسويق الفيلم شخصيات غير مرغوب بها في فلسطين وأي مكان يتعاطف ويقف مع قضيتنا العادلة، وأن الشخصيات المذكورة مطلوبة للملاحقة الأخلاقية والقانونية.
وصرحت كتلة الصحفي الفلسطيني بقولها: "فيلم أميرة جريمة وطنية وأخلاقية ومساس بالنسيج المجتمعي تستوجب أشد العقوبات القانونية والنبذ المجتمعي لكل من شارك في إنتاجه".
وقالت بطلة مسلسل التغريبة، الفنانة الأردنية جولييت عواد: "فيلم أميرة كُتب بسيناريو إسرائيلي مَحض، والمنتجون ومن عمل على تسويقه يستحقون ضرب الأحذية، وبطلة هذا الفيلم شاركت سابقًا في مسلسل تطبيعي".
وقال الفنان الأردني ساري الأسعد: "لا يحق لمن يريد المشي على السجادة الحمراء أن يُسيئ لثوابت الأمة، والإساءة للأسرى هي إساءة لكل الأمة وفيلم (أميرة) لا يمثل الأردنيين".
وقالت (أم مهند الزبن) زوجة الأسير (عمار الزبن) وصاحبة أول تجربة إنجاب عن طريق النطف المهربة: "فيلم أميرة لن يزعزع إرادة عوائل الأسرى وزوجاتهم، والأسرى الذين يخوضون الملاحم ضد الاحتلال يعرفون جيدًا أن هذه رواية إسرائيلية بلسان عربي".
وقالت سناء دقة، زوجة الأسير وليد دقة: "ابتسامة بنتي "ميلاد" النطفة المُحررة، تُعادل كل القائمين على فيلم أميرة وكل دولة الاحتلال".
وأضافت قائلة: "أين الرقابة يا دور الإنتاج ؟! أفلامكم لم تمثلنا يومًا ولن تمثلنا، عاركم عائد إليكم يا أصحاب هذه الفكرة الداعمة لروايات الاحتلال. هل يكون الأوسكار سببًا لكي تخون من ناضلوا من أجل حرية هذا البلد ؟! تبًا لكم، فكل أسير فلسطيني يشرف أشرف الشرفاء منكم".
ويقول الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة: "إذا استمعت لمخرج الفيلم المهزلة (أميرة)، ستدرك جوهر قصته، ولماذا حصل على كل تلك الأهمية.
ويضيف الزعاترة قائلاً: "يقول المخرج بالنص: "السؤال الفلسفي في الفيلم هو: هل الإنسان ابن بيئته أم ابن اختياراته". يريد تطبيع العقول على أن الصهيوني المحتل هو ابن بيئته، تماماً كالفلسطيني، ويجب أن نتقبّله ونتفهمه تبعاً لذلك!!
وتقول شيرين أبو عاقلة "مراسلة قناة الجزيرة في الأراضي الفلسطينية: " قصة (فيلم أميرة) تشوه قضية تهريب النطف التي شكلت تحدياً وأعطت أملاً لعشرات عائلات الأسرى. ودأبت إسرائيل على محاربته. فهل هذا ما نريد إيصاله للعالم عن قضية الأسرى؟".
وقالت الصحفية الفلسطينية "مجدولين حسونة": "لو علم القائمون على فيلم أميرة الذي أساء لـ102 طفل، أي معاناة يعيشها الأسير وزوجته التي تنجب بهذه الطريقة بغياب زوجها، وعذاب الأطفال الذين لم يعرفوا معنى وجود الأب لمَا أخرجوا هذا الفيلم السخيف ولركزوا على الحقيقة بدلاً من الخيال النابع عن جهلهم بحيثيات تحرير النطف".
وكتب الصحفي الفلسطيني "فراس أبو هلال" رئيس تحرير صحيفة عربي21 الإلكترونية: "الفلسطيني لا يحتاج لعناصر مُتخيلة لروايته، فلديه من الرموز الحقيقية ما يكفي. واحد من هذه العناصر هم الأسرى".
وقال الكاتب والسياسي الفلسطيني الدكتور فايز أبو شمالة: "كفاية يا حكومة مصر، لو خرجتم من مشهد غزة، لتمكن الشعب الفلسطيني من لي ذراع أعدائه. وعلى غزة أن تعتمد على نفسها وتقرر مصيرها دون مصر".
وعلق الأسير المحرر سلطان العجلوني بقوله: "أنا ضد مقولة القافلة تسير والكلاب تعوي.. أنا مع مقولة عشان القافلة تسير ارفس ببطن الكلاب واكسر سنانها.. وأضاف قائلاً: "عزيزي.. في فرق كبير بين خيالي وخياني".
وكتب الدكتور محمد الجوادي على صفحته: "فيلم أميرة هو أقصى درجة من درجات خيانة الإسلام والعروبة وفلسطين والإنسان والطب والبيولوجيا والفن والخيال والجمال، وهو نموذج الانحطاط السافل الذي لم تنزلق إلى مستواه أية ممارسة فنية على مدى التاريخ البشري".
وقال رئيس دائرة الإنتاج الفني بحركة حـمـاس، محمد ثريا: "فيلم أميرة يشوِّه صورة الشعب الفلسطيني، والنطف المُهربة جزء من نضال الأسرى في سجون الاحتلال وندعو الدول المنتجة لمنع الفيلم من العرض".
ورداً على كل هذه الانتقادات، أصدرت الهيئة الملكية للأفلام بياناً تقول فيه: "الفيلم خيالي روائي وليس وثائقياً، واختيار أسلوب رواية القصة وسرد الأحداث يعود إلى طاقم العمل من الإخراج والتأليف والإنتاج".
ونتيجة لكل هذه الانفعالات ضد الفيلم أعلن محمد دياب مخرج فيلم "أميرة" عن وقف عرضه، وطالب بتأسيس لجنة مُختصة من قِبل الأسرى وعائلاتهم لمشاهدته ومناقشته.
ثالثاً: بداية فكرة تهريب النطف
يقول الأسير المحرر "سامر أبو سير" أن هذه القضية طرحت بقوة داخل سجون الاحتلال خاصة بعد "اتفاقية أوسلو" بعد رفض دولة الاحتلال اطلاق كثير من الأسرى من ذوى الأحكام العالية.
لاقت الفكرة اهتماماً وقبولاً من المجتمع الفلسطيني خاصة بعد الحصول على فتاوى شرعية من عدد من العلماء الثقات تجيز الإنجاب عن طريق "النطف المُهربة"، وبناءا على ما سبق، سمحت قيادات الفصائل الفلسطينية بتنفيذ الفكرة.
كان أول من قام بتنفيذ فكرة (النطف المهربة) هو الأسير عباس السيد، المحكوم عليه بـ 35 حكم مؤبد و100 عام لاتهامه بالقيام بعملية (فندق بارك) في نتانيا عام 2002م، إلا أن المحاولة لم يُكتب لها النجاح.
وسُجلّت أول قصة نجاح عندما هرَّب الأسير الفلسطيني (عمار الزبن) نطفة إلى زوجته في بداية عام 2012م ورُزق منها بمولوده الأول (مُهنَّد).
* الأسير عمار الزبن معتقل منذ عام 1998، وحكم عليه بالسجن المؤبد 26 مرة.
كان لنجاح ما قام به الأسير (عمار الزبن) أثراً كبيراً في تشجيع عشرات الأسرى الذين تمكَّنوا من الإنجاب بنفس الطريقة، وبالفعل نجح العديد من الأسرى في تهريب نطفهم ليتم من خلال هذه العمليات إنجاب 102 طفل فلسطيني حتى الآن.
رابعاً: موقف الشرع من تهريب النطف
لم يمانع الشرع من إنجاب الأسرى عن طريق التلقيح الصناعي بعد قيام الأسرى بتهريب نطفهم.
أفتى المجلس الأعلى الفلسطيني للإفتاء بجواز هذه الطريقة من الإنجاب بضوابط عدة، منها التأكد من نقل العينات من الأسير نفسه إلى زوجته، وضبط النقل والتلقيح بحضور أناس من أهل الدين.
كما أفتى الدكتور يوسف القرضاوي بجواز تهريب النطف وإنجاب الأسرى عن طريق التلقيح الصناعي، وذلك في (برنامج الشريعة والحياة) التي تبثه قناة الجزيرة.
وأصدر رئيس رابطة علماء فلسطين، الشيخ حامد البيتاوي فتوى تبيح لنساء الأسرى الحمل من "نطف" أزواجهن المُهربة.
فتوى شرعية بخصوص "النطف المُهربة" من الأسرى الفلسطينيين
قرر الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى المبارك إصدار فتوى شرعية بخصوص "النطف المهربة" من الأسرى داخل سجون الاحتلال.
وأوضح أن الدافع وراء إصدار الفتوى كثرة الأسئلة عن مشروعية إجراء عملية التلقيح باستخدام "النطف المُهربة" من الأسرى وخاصة الأسرى الذين يخشون عدم القدرة على الإنجاب بعد خروجهم من السجن.
نص الفتوى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله الطاهرين المبجلين، وصحابته الغُر الميامين المُحَجَّلين، ومن تبعهم وخطى دربهم واستن سنتهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين.
كثرت الأسئلة عن مشروعية إجراء عملية التلقيح باستخدام النطف المُهربة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وخاصة الذين يخشون عدم القدرة على الإنجاب بعد خروجهم من أسرهم حيث أن أحكامهم طويلة تصل إلى عشرات السنين، وعليه فإني أفتي أنه لا مانع شرعاً من إجراء عملية التلقيح للزوجة، سواء كانت الزوجة مدخول بها أم لا إذا توافرت الشروط الآتية مُجتمعة:
1- وثيقة عقد الزواج بين الزوجين.
2- موافقة الزوجة على إجراء عملية التلقيح.
3- أن يكون الحيوان المنوي من الزوج، وأن تكون البويضة الأنثوية من زوجته فقط.
4- أن يكون المركز الطبي المسؤول عن إجراء هذه العملية مركزاً معروفاً ومُرخصاً لإجراء هذا النوع من العمليات.
5- أن يحضر اثنان أحدهما من طرف الزوج والآخر من طرف الزوجة كشاهدين.
6- أن يحضر أحد المحامين الثقات للتوثيق.
7- أن يعلن كل ذلك عبر وسائل الإعلام، أو أي وسيلة أخرى دفعاً للشبهات ولبراءة الذمة.
وبهذا أفتي، والله تعالى أعلم
صدرت هذه الفتوى في 27 صفر الخير 1441هـ الموافق 26 / 10/ 2019م
خامساً: بعض صور المعاناة التي يواجهها أطفال النطف المهربة وأسرهم
إن رد الفعل من قبل قوات الاحتلال على الصفعة التي يتلقاها من وقت لآخر لأكثر من عِقد من الزمان نتيجة للإنجاب عن طريق (النطف المهربة)، يتمثل في:-
1- عدم الاعتراف بالأطفال الذين تم إنجابهم عن طريق النطف المهربة وعدم إعطاء أسرهم أي أوراق رسمية تثبت أنهم على قيد الحياة.
2- حرمان الأطفال من الالتحاق بمدارس رسمية أو العلاج في مستشفيات عامة أو شهادة وفاة إذا توفاهم الله.
3- مد فترة العقوبة على الأسير الذي قام بتهريب نطفة خارج الأسر لزوجته.
4- منع بعض الأسرى من رؤية أطفالهم الذين تم إنجابهم عن طريق (النطف المهربة).
5- بعض الحالات وصلت العقوبة للحرمان من الزيارة وعزل الأسير انفرادياً.
6- تغريم الأسير مبلغ مالي قد يصل إلى 1500 دولار.
7- القيام باعتقال أفراد من أسرة الأسير الذي يثبت عليه تهريب نطفة خارج الأسر.
8- التكلفة المادية العالية حيث أن تكلفة كل محاولة إخصاب تزيد عن ألفي دولار، وهو مبلغ يعتبر كبيراً بالنسبة لأهالي القطاع الفقير المُحاصر.
أخيراً أقول
إذا كان الأسر محاولة إذلالٍ للرّجولة فإن تهريب النطف وإنجاب (سفراء الحرية) أكثر إذلالاً لقوات الاحتلال التي لم تعرف حتى الآن طرق تهريب هذه النطف، وكل ما تعرفه هي مجرد معلومات تتناقلها وسائل الإعلام مما يجعل من نجاح تهريب النطف أكبر ثورة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ حركات التحرر العالمية.
وأقول
إن (فيلم أميرة) بما يحويه من إساءات ما هو إلا نطفة خبيثة في رحم السينما تحتاج إلى وقفة رادعة قبل أن تخرج لنا سلالة من الأعمال التي لا تتفق مع دين ولا قيم الشعوب الإسلامية والعربية. وإنني بعد عرض (فيلم أميرة) أيقنت أن هناك من يحملون أسماء إسلامية ولكن ما يجري في عروقهم أقذر من دماء حيض باغية، وأن لحومهم لا تقل نجاسة عن نجاسة لحم الخنزير.