تتعرض بيوتنا المسلمة خاصة وعالمنا الإسلامي بشكل عام -كي نكون صادقين- منذ الأزل ولا يزال لقذائف ومدافع وهجمات متعددة الأشكال والأساليب والوسائل، وكل هذه الحرب الهدف منها هو تفتيت العالم الإسلامي بمكونه الصغير وهي الأسرة المسلمة وتحويلها لرماد تذروه الرياح، فتصبح لا روح فيها ولا حياة، فضلا عن انعدام أي أمر ينهى عن منكر أو يأمر بفعل معروف، ويقينًا لا مكان للقيم والأصول والمبادئ وعليه فالمحافظة على هذا المكون وحمايته وتغذيته فكريًا وشرعيًا وأصوليًا وتثبيته عقائديًا هو واجب كل غيور على هذا الدين ابتداء.
ولما كان الشرع الحنيف قد حذر مبكرًا من خطورة إهمال الأسرة وجعلها شتاتًا لا قيمة لها كما قال نبينا الأكرم منبهًا كل رب أسرة: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" وبهذه المظلة الأسرية الواضحة يتحتم علينا -معشر المسلمين- أن نوقن تمام اليقين أن صلاح أمتنا يبدأ من البيت الصغير الذي يضم ربان السفينة وشريكه وركابها ويسيرون في موج هادر من الماديات والشهوات والكثير يستهدف إما إعرابها أو إنزالها في مكان غير آمن والعقل هنا سواء لكنها موقوفة على وعي الربان وفهم الشريك وانصياع الركاب.
واجبات رب الأسرة
إن الأب الواعي المدرك لرسالته عليه أن يعي أن معرفة العلوم التقنية بشمولها أصبح أمرًا لا مناص منه في ظلّ عالم بسيط كالقرية الصغيرة يتطاير الخبر في ثوان معدودة إضافة إلى أنه قد أمسى اليوم في يد الصغير قبل الكبير أجهزة تقنية حديثة تستوجب اليقظة في ظل هجمات تشكك في العقيدة، بل تأمر الأولاد بإطلاق النار على البيت الحرام، والوقوف على المصحف بالأقدام كما في كثير من الألعاب الخبيثة.
وأمام هذه الحرب المعلنة فإن الأب يدخل في دائرة الغفلة التي يتبعها إثم، والأم تدخل في دائرة التيه التي يتبعها تقصير وإهمال، ولعمري إنهم جميعًا في خطر أمام نغمات التبرير والتحضر المكتوب.
ولا نحتاج أن نؤكد أن ليس كل الميدان التقني مشكك وضرر الأسرة فهناك الكثير مقوي البنيان ويؤصل للقيم، فكما فيه الخبيث فالطيب كثير لكن من يبحث ويسخر بعض وقته وتلك رسالة لكل أب وأم اهتموا بالوقت لما فيه الصلاح لكم ولمن تعولون فهي من علامات الحب وحسن الفهم.
إن الأب عليه أن يستمع لكل همسات النصح من كل محب وغيور، ونحن هنا ومن باب الخبرة والتخصص نوجه ونحذر من أن عدم الاهتمام بتفقد الأبناء وأحوالهم وحالتهم المزاجية باستمرار قد يصنع شرها في تواصل البيت الصغير بالشكل اللائق والمطمئن، بل عليه أن يعسعس على أخبارهم من خلفهم؛ ليدرك بعين الواقعية مسيرهم ومسارهم بعيدًا عن التجمل.
إن الأب أمسى في زحمة الحياة كشرطي، يعود من عمله حاملا معه أوجاعه لبيته ثم يأمر هذا بالصمت وهذه بالمذاكرة، ويعطي الزوجة المال ثم يذهب للنوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
إن التاريخ يخبرنا إنه كلما كان البيت المسلم مستقرًا إيمانيا، كانت كل المعوقات يسيرة مذللة لا عقوق فيها، والعكس بالعكس، بل كلما كان هادئًا جاهلًا بكتاب الله قائدا كلما خرج منه المسلحون والصالحون والقادة واليافعون والنافعون لدينهم وأمتهم وحياتهم، وعليه فالطريق واضح، وغير مقبول أن يجلس أحد الوالدين في كوكب عاجي لا يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، بل يجب أن يحرص على التلاقي والمدارسة أسبوعيًا ووضع جدول للسير عليه شاملًا كل مشكلات البيت والحلول والاستماع للجميع وغرس القيم ولمحة عن قائد أو مصلح وهذا له من المثوبة والأجر الكبير.
إننا ومع ذكرنا لمسار الاستقرار الذي يجمع بين الشرع وعلوم الدنيا، ويقينًا لا نفرق بينهم، لكننا نوضح أهمية كل أمر على حدة، فإننا نشدد في التذكير من باب النصح بأن العاقبة شديدة بين يدي الله في حالة التقصير، فالله سائل كل مسترعى عما استرعاه حفظ أم ضيع، وهذا أمرٌ يجعلنا نخاف على أنفسنا جميعًا؛ فالأمانات متعددة والوقوف للسؤال بين يدي الله حتمي، لكن يقينًا العاقبة للمتقين، والتقي الصادق هو الذي يمنع حدوث أي تصدعات أو انشقاقات في بيته؛ حتى لا يُشمِت به غيره، فضلا عن سقوط البيت فوق رأسه وتلك هي القاضية.
فلو صدق مع الله في المحافظة على البيت يقينًا فإنه يغيظ الكفار الساعون لهدم كل البيوت وجعلها عرضة العلمنة والبعد عن كل فضيلة.
ختاما،،
إن البيت الصالح الذي يضم بين جنباته أناسا خاشعين لله عاملين لدينه فإنه بلا شك لبنة صالحة تفرز لبنات من نفس المنهج والمسار ثم يتحول الأمر لمجتمع يجعل رضا الله هو الغاية والمنتهى، وحسن اتباع النبي الأكرم هو البناء الحقيقي له وعليه فحتما سيخرج من هذا المجتمع الذي أسس على تقوى من الله ومراقبة ورضوان: القائد المسلم والمثقف الواعي والسياسي الماكر والداعية المحبوب والقدوة الصالحة وحفظة القران... فهل من مشمر.