تُعتَبر قضية قبول الآخر -أيًّا كانت هوية هذا "الآخر"– ومن بين ذلك الحوار معه، من بين أهم المجالات التي فُتِح الباب فيها واسعًا للنقاش حول موقف الإسلام، والمسلمين، من الآخر المُخالِف في العقيدة، أو المُخالِف في الرأي أو الهوية، أو في أي شكل من أشكال التصنيف الأخرى.
وعندما تصدَّى بعض العلماء والمفكرين المسلمين، وحتى بعض عموم العاملين في مساحات العمل الإسلامي المختلفة لهذه القضية، ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م؛ فإن الكثير من الجدل ثار حول الجهود التي بذلوها في سبيل نقض الفكرة الذهنية الخاطئة عن موقف المسلم من الآخر، ومن قضية الحوار معه.
فهناك مَن قال بأن هذه الجهود تأتي في إطار "دعائي" محض؛ لا يستند على أساس في الإسلام نفسه، وهناك مَن رأى بأن الإسلام يحتوي على مقومات ذلك، إلا أن طبائع المجتمعات العربية والمسلمة، الشرقية الطابع، جعلت المسلمين لا يلتزمون بذلك، في ظل طغيان أثر العادات والتقاليد على تعاليم الدين في نفوس وسلوك الكثير من المسلمين.
وهنا ظهرت الحاجة إلى دراسات منهجية تقوم على أسس علمية سليمة، تناقش – أولاً – مبدأ الحوار، وموضعه من قوانين العمران والاجتماع الإنساني، وثانيًا موضع الحوار كسلوك، وكسياق عمل عام، في الإسلام، من أجل حتى إقناع المسلمين الذين يحيون بهوية مجتمعاتهم؛ لا بهويتهم كمسلمين.
ومن بين هذه الدراسات التي لم تلقَ حظها من الانتشار، وإن كانت على أكبر قدرٍ من الأهمية، هذه الدراسة التي بين أيدينا، والتي حملت عنوان: "الحوار.. منهجًا وثقافةً"، للدكتور سعيد إسماعيل علي، أستاذ أصول التربية بكلية التربية، جامعة عين شمس المصرية.
بشكل عام؛ فإن الكتاب يحاول أن يصل برسالةٍ مهمة من شِقَّيْن. الشِّقُّ الأول، هو أن الحوار، ضرورة حياة، وحتمية سلوك بشري، وليس مجرد إضافة إلى حياة الإنسان؛ حيث إن صيرورات هذه الحياة لا يمكنها أن تسير إلا بالحوار. لا يمكن لأي إنسان إدارة شؤون حياته، والاستمرار فيها، من دون الحوار، بأبسط معانيه.
الشِّقُّ الثاني من مُستهدفات الكتاب، يتعلق بقضية الهوية الإسلامية، والتي شُوِّهَت كثيرًا في نفوس وسلوك المسلمين، وباتوا بعيدين عن الكثير من مفرداتها، ومن فهم تعاليمها؛ حيث سعى المؤلف من خلال كتابه هذا، إلى توضيح بعض معالمها في قضية علاقة الإنسان المسلم بثالث الدوائر التي يدور فيها، وتدور فيها علاقاتها، ونزلت الشريعة الإسلامية لتنظيمها؛ علاقته بربِّه، وعلاقته بنفسه، ثم علاقته بالآخرين، وكيفية وآلية إدارتها.
مع الكتاب:
الكتاب جاء في ستة فصول، بالإضافة إلى مقدمة وخاتمة، تناول الشِّقَّيْن السابقَيْن بشكل منهجي، وإن ركَّز على مبدأ الحوار في الشريعة الإسلامية، وأصولها، ممثلةً في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة.
الفصل الأول، كان بعنوان "منهجية الحوار"، وفيه مقدماته وشروطه وآدابه، بالإضافة إلى معوقات الحوار.
وبالرغم من عموم فكرة الفصل؛ إلا أنه أخذ حسًّا إسلاميًّا أيضًا، ومن بين أهم الأفكار التي جاءت فيه، أنه من بين أهم شروط الحوار، العلم، ومن بين أهم أسسه، الإيمان بقيمة حرية الفكر والعقيدة، ذاكرًا على ذلك أدلة من القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية، وهو بشكل عام، منهج حرص عليه المؤلف في عموم الكتاب.
الفصل الثاني، كان بعنوان "مشروعية الحوار في القرآن والسُّنَّة"، وفيه ما يمكن أن نطلِقَ عليه تأصيلاً شرعيًّا لفكرة الحوار من خلال القرآن الكريم والممارسات والتوجيهات النبوية.
ومن بين أهم ما استند إليه المؤلف في القرآن الكريم، الحوارات التي دارت بين أنبياء ورُسلِ اللهِ تعالى، وبين أقوامهم، لما تبرزه من حقيقة كيف قامت النُّبوَّات والرسالات على فكرة الحوار والإقناع، وهو ما بدا في استشهادات المؤلف في المواقف والأحاديث النبوية الشريفة التي استدلَّ بها؛ حيث جاء بكثير من الأحاديث والمواقف التي لجأ فيها الرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" إلى محاورة الناس، وإقناعهم ببعض ما جاءت به الشريعة الإسلامية من تعاليم، وفق منهجٍ عقلي صحيح وقويم.
الفصل الثالث من الكتاب، كان بعنوان "الحوار: داخليًّا وخارجيًّا"، وهو فصل مهم في جانبه التطبيقي؛ حيث تناول فيه الكثير من القضايا المثارة في مساحاتنا اليومية، سواء كأفراد، أو على مستوى العمل الإسلامي.
فالمؤلف قَصَد بالحوار الداخلي، الحوار مع الذات الإنسانية. حوار الإنسان مع نفسه، بما يتضمنه ذلك من تعميق لفهم الإنسان لنفسه، وتصويب لأخطائه، وهو أكثر ما نحن بحاجةٍ إليه الآن.
أما الحوار الخارجي، فقد ركَّز فيه على قيمة التعايُش وبناء المشترك الإنساني مع الآخر، وهي من أهم القضايا التي يحاول خصوم الدين والأمة النيل منهما من خلالها، ولاسيما مع وجود أخطاء داخلية، لدى كثير من المسلمين، أفرادًا وحركات، تعطي مساحة إسناد لخصوم الدين والأمة في هذا الصدد.
أما الفصل الرابع، فقد جاء بعنوان "الإسلام بين الحوار والمواجهة (نظرية صراع الحضارات)"، وهي بدورها من القضايا المهمة المثارة في الوقت الراهن، ويتم ضرب المشروع الإسلامي، وتقييد العمل الإسلامي من خلالها؛ حيث تستغل بعض الأطراف أحداثًا بعينها، من أجل تعميق فكرة أن الإسلام في حالة صراع دائم مع باقي المُكَوِّن الإنساني.
وفي هذا الباب، يحرر المؤلف مفاهيم مهمة، مثل "صراع الحضارات"، ودور الحوار في القضاء على فكرة الصراع بشكل عام، حتى في السلوكيات الفردية.
وفي هذا الفصل، حاول الكاتب نقل الاتهام الموجَّه للمسلمين في هذا الشأن، إلى الغرب، من خلال جانب تاريخي مهم تناول فيه قضايا مثل الاستشراق، ودوره في تعزيز حركة الاستعمار الغربي في العالم الإسلامي.
وقال إننا بحاجةٍ إلى تأسيس حركة مضادة، لفهم الغرب بشكل أفضل، تحت مسمى "الاستغراب"، وهو تيار بدأ بالفعل في السنوات القليلة الماضية، في أخذِ مساحاته في الأوساط الأكاديمية الإسلامية.
الفصل الخامس، جاء بعنوان "وسائل بناء ثقافة الحوار"، وفيه يبدو أثر تخصص الكاتب على ما ذكره في هذا المجال؛ آليات بناء ثقافة الحوار لدى الأفراد والمجتمعات؛ حيث ركَّز على التربية وأهميتها في هذا الصدد.
وفيما يخص مساحات العمل الإسلامي في هذا الشأن؛ ركَّز على أهمية ترتيب أولويات الحوار بين المسلم والآخر غير المسلم، وركَّز في هذا الصدد على دور مسلمي الغرب في بناء نمط أكثر قبولاً للمسلم وموقفه من الحوار، ومن الآخر، ومن مسألة التعايُش، أمام المجتمعات الغربية التي تنظر للمسلمين بعَيْن الريبة في هذا الصدد.
أما الفصل السادس، فقد جاء بعنوان "من ثمرات الحوار"، وفيه تناول أثر ثقافة الحوار على الدعوة والإعلام والتربية والثقافة، ولعل أهم هذه الثمرات، هو تصحيح صورة الإسلام والمسلمين، ونقل محتوى الدين الصحيح من الآخر، ومن قضايا مهمة بالفعل، مثل التسامح والتعايش بعد سنوات طويلة من التشويه المُمَنهَج!
مع المؤلف
المؤلف، هو الدكتور سعيد إسماعيل علي، من مواليد القاهرة عام 1937م، حاصل على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة القاهرة، في العام 1959م، وعلى درجة الدكتوراه من كلية التربية، بجامعة عين شمس، في مجال فلسفة التربية، في العام 1969م.
شغل عضوية المجلس القومي المصري للتعليم والبحث العلمي، والمجلس القومي للثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة في مصر، وله أكثر من سبعين كتابًا، كما له العديد من الإسهامات الأخرى في مجال البحث العلمي المنشور، مثل إصداره مجلة "دراسات تربوية" في 80 جزءًا، في الفترة من العام 1985م والعام 1995م.
بيانات الكتاب:
اسم المؤلف: سعيد إسماعيل علي (دكتور)
اسم الكتاب: الحوار.. منهجًا وثقافة
مكان النشر: القاهرة
الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة
تاريخ النشر: 2008م
الطبعة: الطبعة الأولى
عدد الصفحات: 318 صفحة من القطع الكبير