الاشتغال بالتسالي وقت ذكر الله تعالى!

الرئيسية » خواطر تربوية » الاشتغال بالتسالي وقت ذكر الله تعالى!
Rosary and sunset.

من أخطر وأسوأ آفات عادة الدوران العابث في وسائل التواصل ومطالعتها، التسلي بمتابعتها أثناء ذكر الله تعالى! بغض النظر عن الدوافع التي تدفع صاحبها للجمع بين ذكر الله تعالى والتسلي أثناءه، فهذان عملان لا يصحّ الجمع بينهما ويجب ألا يجتمعا؛ لأن قصد ذكر الله تعالى هو أن تتذكر تعظيم ربك وتسبيحه والاستعانة به، فتذكره في مجلس مخصوص –ولو كان لبضع دقائق– تخلّص نفسك فيها من زحمة الانشغال بأية ملهيات أخرى من مشاغل الحياة مهما كان خطرها. فإذا رحت تتلهى وقت الذكر لم يعد ذكرًا، بل صار غفلة مقنّعة، فحالك أشبه بحال من لم يتذكر فلم يذكر! ثم تظنّ خطأ بأن الذّكر لا يثمر في قلبك وأنت لم تهيئ أرض قلبك لغرس صالح أصلًا!

إذا رحت تتلهى وقت الذكر لم يعدا ذكرًا، بل صار غفلة مقنّعة، فحالك أشبه بحال من لم يتذكر فلم يذكر!

والحل المباشر لتقويم تلك العادة:

- أن تلصق وقت الذكر لصوقًا تامًّا بصلاة مما تصليها فرضًا كانت أو سنة، قبلها أو بعدها، طالما لم يمنع مانع جادّ. فوقت أذكار الصباح مثلًا بعد صلاة الفجر مباشرة أو بعد ركعات الضحى أو صلاة الظهر حدًّا أقصى إذا لم تكن ممن يمكنه المواصلة بعد الفجر، ووقت أذكار المساء بعد صلاة العصر أو قبيل صلاة المغرب على الأكثر.

وبغض النظر عن التوقيت الشخصي للنوم، لا بد من ترتيب شأنك؛ كي لا تفرّط في أذكارك مهما يكن الوقت الذي تجعلها فيه، ويكون لك حدّ أدنى تلتزمه ولا تنام بدونه. ويفيد في ترتيب وقت الذكر أن تعلم تصنيفه:

1. الذكر المقيّد تقييدًا ضيّقًا: فلا يسعك قوله في غير أوانه أو عمله أو حاله، كأذكار النوم والاستيقاظ ودخول الحمام والخروج منه ودخول البيت والخروج منه وما بعد الصلاة... إلخ.

2. الذكر المقيّد تقييدًا واسعًا: وهو أذكار الصباح (ووقتها من بعد الفجر حتى الظهر)، والمساء (من بعد العصر حتى المغرب). فهذان لهما أوانهما وعددهما المخصوص، لكن لو فاتك وقتهما لا تُسقِطهما بل تداركهما والتزم بهما ولو بعد أوانهما من باب الانضباط وعدم التهاون.

3. الذكر المفتوح: ما ترتبه لنفسك من دعوات وتسبيحات بأعداد معينة، تُلزِم نفسك بها في يومك ككل لكنها بذاتها ليست مشروطة بوقت ولا حال ولا عدد، بل يمكن أن تؤديها في أقرب فرصة تناسبك بالقدر الذي تختاره لنفسك، ولو تغير موعدها أو عددها يوميًّا. وذلك كقول "لا الله إلا الله الملك الحق المبين" عشر مرات أو مئة أو بين ذلك أو فوق ذلك.

- وأن تجلس له مجلسًا مخصوصًا بهيئة مستريحة غير مستعجلة على النهوض، لكنها كذلك منضبطة لا تدعو للنوم والغفوة أثناءه، كهيئة التربيع أو الجلوس المستقيم أو التمشي الخفيف أثناءه.

- وأن تغلق هاتفك وما شابهه إذا كان قريبًا منك؛ كي لا تسوّل لك نفسك النظر فيه بأية حجة، أو تتركه في وضع صامت بعيد عنك تمامًا في غرفة أو مكان آخر غير مكان ذكرك.

- وأن تنقطع لتذكر ربك وقت تحريك لسانك بذكره تعالى، فتعدّ التسبيحات والأذكار على أصابع يديك أو المسبحة ناظرًا فيهما لا سارحًا فيما حولك أو سابحًا في خيالك، بل مركّزًا في معنى ما تقول ومستحضرًا ثوابه. (تعلّم معاني ألفاظ وفضل ثواب ما لا تعلم من الأذكار التي ترددها).

- وأن تُسمِع نفسك ما تقوله كما تُسِرّ في الصلاة، ولا تكتفِ بتحريك شفتيك دون صوت، وثواب النطق بالذكر والتلاوة غير الاكتفاء بالنظر في المصحف أو الترديد القلبي دون صوت.

- وأن تجعل لك قدرًا من التسبيح والتهليل والحمد وغير ذلك من الذكر، خلاف ما جاء في دعوات وأذكار الصباح والمساء المسنونة، ولو كان عشرة عشرة حتى تبلغ المئة فما فوق.

- واجعل لك في كل ذكر بل وكل طاعة حدًّا أدنى لا تنقطع عنه مهما يكن من حالك، وحدًّا أعلى أو مفتوحًا بحسب الطاقة. وبهذا تجمع بين الحسنيين: استثمار طاقتك وقت حضورها والاستزادة حال الاستطاعة والرخاء والعافية رصيدًا تسحب منه في الشدّة والضيق والعجز، والمحافظة على سنة نبينا ومرضاة ربنا بالمداومة على العمل، وقد "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا عمِل عمَلًا أثبَته" [مسلم].

اجعل لك في كل ذكر بل وكل طاعة حدًّا أدنى لا تنقطع عنه مهما يكن من حالك، وحدًّا أعلى أو مفتوحًا بحسب الطاقة

- ومما ينبغي أن يعزم عليه كل فرد مسلم، ويتفق عليه أهل كل بيت مسلم، وحضور كل مجموعة مسلمة، أن يُوقفوا أيّ شاغل يشغلهم فور سماع الأذان، ما أمكن. لا من باب اتباع سنّة الترديد وراء المؤذن فحسب، بل توقيرًا لذكر الله تعالى وندائه للعباد، وتصديقًا لما آمَنَ به كل مسلم بالله من أنّ "الله أكبر" .. من كل ما يشغلك ويهمّك، ومن ترجوه وتخافه.

وثق بأنك ستندهش من قصر الزمن الذي يستغرقه إتمام ورد الذكر عندما تركز فيه، وعظم الفائدة الإيمانية التي تعود عليك من التأدب في حضرته. وسيدهشك أكثر استشعار مدى الغفلة التي كنت غارقًا فيها وقد كنت تحسب أنك يقظان!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …