لا شك أن الظلم عواقبه كبيرة ومتعددة والظالم محل سخط الله وكرهه كما أخبر ربنا بذلك في كتابه: { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57] وهذا أكبر عقاب في الدنيا قبل الآخرة.
ونحن اليوم وسعيًا لترهيب الظالم وأتباعه من المضي في ظلمهم وانحرافهم وتجبرهم على العباد سنوضح خطورة الأمر في الحياة الدنيا والعاقبة التمهيدية ليوم القيامة والتي حددها الله في كتابه الكريم في أكثر من موضع؛ نظرًا لأهمية وخطورة الظلم وانتشار في المجتمعات كما ورد فيقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].
تعريف الظلم
هو الجور، وقيل وضع الشئ في غير موضعه والتصرف في ملك الآخرين، وتجاوز الحد والاعتداء على الحريات والممتلكات وهذا قمة غياب العدالة.
ولا شك أن كلمة الظلم ليست ضيقة المفهوم والمعنى، لكنها متعددة الأقسام والأنواع؛ فالأمر أساليب عدة ووسائل عديدة والبعض فيها محترف والآخر مبتدئ والكثير تابع للظالم؛ سعيًا في أن ينال شيئًا من دنياه، وإجمالا كلهم عاقبتهم عند الله محددة معلومة كما وضحه عز وجل في كتابه الكريم: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النمل: 85].
ولما كان الظلم من كبائر الذنوب فقد حرمه ربنا على نفسه أولًا، ثم جعله محرمًا كما جاء في الحديث القدسي، فعن أبي ذر الغفاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: "ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"
وللظلم أنواع ثلاثة:
- الظلم الأكبر وهو الشرك: وهذا النوع من الظلم هو الأشد والأخطر في الحياة والعاقبة؛ لأنه متعلق بالله عز وجل.
- الظلم الثاني وهو ظلم الإنسان لنفسه: بانحرافه عن مسار الله عز وجل، وأن يتخذ الشيطان وليا والهوى منهاجا والمعاصي قبلة له وتلك طامات مهلكة للمرء وظلم شديد يجب العودة عنه وسرعة التوبة قبل فوات الأوان.
- الظلم الثالث هو ظلم العباد: وهو أليم شديد، لكن الأمر هنا حقوق توكل بغير حق وأعراض تنتهك بتجبر وممتلكات تؤخذ بقوة الباطل وتكبره، وأطفال تيتم ببطش، ونساء ترمل دون مراقبة الله وكل هذا الإفساد منبعه الظلم والشعور بالقوة، لكن فليحذر كل هؤلاء الظلمة أن العاقبة وخيمة شديدة كما قال ربنا في كتابه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].
وهذه الآية معنية بظلم العباد في الدنيا وهي يقينًا ناقوس خطر وإنذار أخطر لكل ظالم أن ينتهي عن ظلمه فورا لو عقل ووعي.
إن الظلم والإجرام والفساد حلقة ثلاثية برأس واحدة لا تجد ظالمًا إلا ويكون فاسدًا أيضًا، ولا فاسدًا إلا ويكون مجرمًا، ولن تجد هولاء إلا ولهم أتباع كثر ينتهون بأمرهم ويزينون لهم الباطل ويسخرون من الحق وأهله، إلا فليحذر هولاء من سوء المنقلب، وليعلموا أنهم على موعد مع الله، حالهم هناك براءة وفرار من أسيادهم ومشهد منتظر حتمي الحدوث كما قال ربنا سبحانه في كتابه: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة : 166].
عاقبة الظلم في الدنيا
أولًا/ الظلم "باب للبلاء"
إن الظلم إذن بخراب العمار وهو باب شديد من أسباب البلاء والغضب الإلهي والهلاك الشديد الذي لا نجاة منه ولا تحايل عليه، كما قال ربنا في كتابه: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59] فالعاقبة واضحة كوضوع الشمس في رابعة النهار ساطعة لا مراء في قوة إشعاعها وجلية لا شك في ضخامة حجمها.
ثانيًا/ الظالم ملعون
كما أن الرحمة الربانية تتنزل على العباد الطائعين لله عز وجل، كذلك تتنزل اللعنات على الظالمين من البشر، كما قال ربنا في كتابه: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 52].
وهذه النقمة والعاقبة توحي بغضب الله الأكبر على الظلم وأهله وأنه لا مكان لهم في رحمته التي وسعت كل شيء، ولا شبر لهم في ظلال عطفه وكرمه، وكما هو أليم أن تكون الجنة التي وسعت كل شيء، ليس فيها مكان لشخص ظالم لنفسه وللمجتمع، ظلم نفسه بعدم التزامه وسعيه لرضا ربه، ثم ظلم وأكل الحقوق وانتهك وعاث في الأرض فسادًا وجرمًا.
ثالثًا/ الظالم يصاب في دنياه
والإصابة هنا هي دعوة المظلوم التي قال عنها الله في حديثه القدسي: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" ويقينًا لا يموت الظالم قبل أن يرى المظلوم فيه آياتٍ، وإن كنت في شك فسل فرعون عن غرقه، وسل عن خسف قارون وسل النمرود عن الذبابة، والله عز وجل يمهل ولا يهمل، والأمثلة كثيرة في الماضي والحاضر، ويكفينا قسم ربنا على ذاته فمن أصدق من الله قيلًا.
رابعًا/ خاتمة الظلم سيئة
والخاتمة هنا هي خاتمة المرء عند رحيله من الدنيا واستدباره لها واستقباله لأول منازل الآخرة وهو القبر، فالأمر هنا أليم صعيب؛ لأن المعروف أنه من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بعث عليه.
والظالم اختار لنفسه طريقًا غير طريق المومنين، ووليًا غير الله، ومنهاجًا غير القرآن والسنة، فهو بلا شك مصروف عن الهدى كما قال ربنا في كتابه: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 146].
ولعمري إن هذه العاقبة وهذا الحرمان هلاك ولعنات ووضوح لمستقبل مظلم لكل ظالم وجد متعته في التجبر، ووجد راحته في كسر القلوب والخواطر، ووجد نفسه حيث آهات البشر ودموعهم، لكن المبشر هنا في الدنيا، قبل أن الله يملي للظالم حتى أذا أخذه لن يفلته.
ختامًا
إنني أدعو كل إنسان أن يتقي الله في نفسه أولًا، فلا ينزلها منازل الهلاك بإعراضه عن طريق ربه، وأن يتحاشى أكل الحقوق من مواريث أو هضم الأموال بغير حق مهما كان بارعًا في المكر والتحايل، فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
فالرابح هو من لقي ربه وليس في يده مظلمة لعبد فضلًا على سعيه لنجاته بنفسه، فالعاقبة للمتقين العاملين، وليس الظالمين المتجبرين، ودار المتقين تعلمها ودار الظالمين تدركها فاختر لنفسك أي الدارين تختار.