النفس المطمئنة وصفاتها الحميدة

الرئيسية » بصائر تربوية » النفس المطمئنة وصفاتها الحميدة
Call to Prayer

لا شك أن سعي المرء الصالح في الحياة الدنيا هو الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهو سعي ليس بالهين وطموح ليس بالسهل؛ فهذا مطاف ومقر الصابرين كما قال ربنا: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

ولما كان هذا السعي يشترط وجود همة عالية فإنه يقينًا هذه الهمة لن تتأتى إلا من خلال نفس تواقة للخير والبر وصالح الأعمال، أو على الأقل ساعية بقوة في إصلاح ذاتها.

ولما كان الشيطان قد أقسم على ربه أن يضل البشرية ويغويها فإن المعركة الداخلية أولًا بين الإنسان ونفسه ليست سهلة، فضلًا عن المعركة بين المرء والشيطان، لذلك فإن مقومات الانتصار في كل هذه المعركة مجتمعة في الوصول لنفس مطمئنة.

وهذا هو موضوع مقالنا "النفس المطمئنة وصفاتها" وبداية فإن النفس المطمئنة هي نفس سكنت فاطمأنت أمنًا وأمانًا، وتوجت بالسكينة، كما قال ربنا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} [الرعد: 28].

وعليه فطريق الوصول هو الذكر والحياة في معية الله بل ووصفة علاج كل الأوجاع هي أن يختلي المرء بمحرابه ويجعل بينه وبين ربه خبيئة لا يطلع عليها أحد، وتلك من أهم عوامل استقرار النفس المطمئنة وكل نفس تسعى لإصلاح حالها مع الله.

والأمر لم يتوقف عند النص الرباني بل حرص النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم– على أن يوصي أصحابه ليؤكد لهم وللأمة كلها أهمية الأمر فى مسار المرء نحو الفوز بالجنان فقد ورد أنه قال لرجُل: "قل: اللهُمَّ إني أسألُك نفسًا بك مطمئنَّة، تؤمن بلقائِك، وترضى بقضائِك، وتقنع بعطائك" [أخرجَه الحافظ ابنُ عساكر].

والسؤال الآن: ما هي صفات هذه النفس؟

أهم سمات هذا الاطمئنان النفسي والإيماني

أولًا/ نفسٌ قارئة
والمعنى أنها نفس تدرك أن الأمر الرباني الأول لهذه الأمة لم يكن قيام الليل أو الصوم -وليس تقليلًا، بل ترتيبًا- فكان الأمر الأول هو "اقرأ" وهي تستمد من هذا المسار منهجًا للحياة؛ فتسعى للقراءة والفهم بوعي ووضوح وشفافية ولا تخجل أن تسال وتتعلم.
وهي برغم هذا طامحة نحو معالي الأمور فهل تجد نفسك كذلك؟

ثانيًا/ نفس متناغمة
والتناغم المقصود هنا بين ظاهرها وباطنها، فلا هي تتجمل وتكتم نفاقًا أو تنافق ظاهريًا بل هي صادقة مع ذاتها بشكل سليم تدرك حقيقة الدنيا وتعلم بأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي النفوس وأن الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة، لذلك فلا تكترث بما يقال، فطريقها واضح وقدوتها معلومة وهدفها تعلمه جيدًا وفي الأخير هي فوق كل هذا تعظم من مراقبة الله في قلب صاحبها وكفى فهل نفسك مثل ذلك؟

ثالثًا/ نفس مبدعة
والإبداع هنا شمولي فهي متجددة كل فترة تدرك أن قطار التقليد يدهس صاحبه في نهاية المطاف وأن الروتين قاتل ولا خير يرجى منه، لذلك فهي تبتكر كل جديد ولا تقبل الوقوف في صفوف العاطلين فضل عن سعيها الدائم لمعالي الأمور فهي كبيرة والكبير لا تأتي منه الصغائر فهل تجد نفسك كذلك؟

رابعًا/ نفس راضية
والرضا هنا معيار التميز، فالعجلة من الشيطان والله لا يعجل بعجلة ابن آدم، لذلك تجد النفس المطمئنة صابرة راضية بما كتب لها؛ لأنها تعلم أن ما أصابها لم يكن ليخطئها فلا هي تسخط أو تبتئس بل ترجع الأمر برمته لله عز وجل فأن توجعت شكرت وأن فرحت شكرت وتلك معيار صدق الإيمان إجمالًا، فهل تجد نفسك مثل ذلك.

خامسًا/ نفس تاركة للمراء
وكيف تكون نفسًا مطمئنة وهي تدور في رحى طاحونة الحياة والجدال العقيم والقيل والقال، فهذا تنطع وترجمة لنفس أمارة بالسوء وليست مطمئنة بالإيمان، لذلك فتجنب الجدال مهم في سماتها لأنها تدرك عظمة تركه حتى لو كانت صاحبة الحق؛ فالجائزة هنا بيت في الجنة كما قال النبي، فضلا عن أن الجدال يتبعه خلاف والخلاف شر لا خير فيه، وتوابعه أليمة، فهل تجد نفسك مثل ذلك؟

ختامًا،
نحن نسعى للوصول لبر الأمان في الدنيا عبر العمل الصالح؛ فالدنيا مزرعة الآخرة، اليوم زرع وغدا حصاد، والكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.

وأن المرء مستخلف في دنياه وسيقف بين يدي ربه يسأله عما فعله في حياته وما استرعاه من رعية، حفظ أم ضيع، فعلى الجميع أن يعد للسؤال جوابه وكفى.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …