يقول ريتشارد دوكنز في كتابه (وهم الإله) الذي يعتبره البعض دستور الملحدين في العصر الحديث: إن إحدى أعنف العقوبات في العهد القديم هي التي تنفذ بحق الكافر، ولا تزال تطبق في بعض الدول. القانون الباكستاني يفرض عقوبة الموت لتلك الجريمة.اهـ
أقول: حد الردة موجود في الإسلام، وموجود في العهد القديم كما ذكر دوكنز. وهو في الإسلام حدّ له ما يبرره، وله ما ينفي عنه أي إجحاف أو ظلم بالمقتول رِدّةً.
فأما عن ما يبرره، فالإسلام دين بدأ قصته بحربٍ لم تتوقف رحاها بين المسلمين ومَن حولهم من يهود المدينة ونصارى الروم ومجوس الفرس، وهي الحرب التي لم يبدأها المسلمون ولم يرغبوا فيها، ولكنها فُرضت عليهم من أطرافها الأخرى، باعتداءات مباشرة في أحيان، وبالتجهز للاعتداء في أحيان أخرى، وبتحيّن الفرص للاعتداء مع الامتلاء بالحقد والكره والعداء.
وبالتالي، فقد كان يعني ارتدادُ الرجل عن إسلامه انضمامَه لفريق الأعداء، وتحوله إلى مُحاربٍ أو عينٍ لمحاربٍ أو مُفسدٍ لفريق المؤمنين ومثبطٍ له في حربه، والتي هي حرب وجود. وبالتالي فقتل ذلك المرتد واجب للحفاظ على دولة الإسلام.
كان يعني ارتدادُ الرجل عن إسلامه انضمامَه لفريق الأعداء، وتحوله إلى مُحاربٍ أو عينٍ لمحاربٍ أو مُفسدٍ لفريق المؤمنين ومثبطٍ له في حربه، والتي هي حرب وجود
والذين يقولون اليوم، بأن هذا الأمر لم يعد موجودا، ولم تعد الأمم المحيطة بأمة الإسلام أمما محاربة بالضرورة، وبالتالي فإسقاط حد الردة واجب من واجبات العصر، وخصوصا لأنه عصر حرية الاعتقاد كما يروج العالم كله. الذين يقولون ذلك، يقولون كلاما وجيها من ناحية، من الممكن الأخذ والرد فيه.
ولكن من ناحية أخرى نجد من يقول: إن حرية الاعتقاد في العالم أكذوبة يروّجها البعض، وهي حرية تُحارَب في بلدان كثيرة وبطرق محتلفة، تصل إلى حد القتل كما حدث في الاتحاد السوفييتي الشيوعي قديما وكما يحدث اليوم في الصين الشيوعية، وفي غيرهما من بلاد العالم. حتى أن الحرية الاعتقادية تحارب في العالم الغربي (أوروبا وأمريكا)، ولكن بطرق محتلفة، وبوسائل أقل خشونة ودموية.
ونجد من يقول: إن دين الإسلام هو دين الله الحق، الذي تطمئن إليه النفس البشرية بفطرتها المركوزة فيها من القديم.
والطبيعي أن يُقبل الناس من الأديان والمعتقدات الأخرى على دين الإسلام، فهم يُقبلون حينها من الضلال إلى الهداية ومن الظلام إلى النور. أما أن ينتقل الناس من الإسلام لغيره من هذه الأديان والمعتقدات الفاسدة، فهو ما لا يُفسر إلا بأنهم فاسدون أخلاقيا وسلوكيا، أغراهم البعض ببعض المُغريات الدنيوية الفاسدة، فكانت سببا لتركهم الحق والذهاب إلى الباطل، وذلك هو المشاهد المعروف في أساليب التنصير مثلا، التي يعتمدها أهل التنصير لإغراء البعض للدخول في المسيحية، وخصوصا من أهل البلاد الفقيرة في إفريقيا وآسيا.
وبالتالي، فإن هذا العنصر الفاسد المرتد، الذي يقبل بأن يبيع دينه الحق، من أجل شهوة مادية أو جنسية، يجب استئصاله من أمة الإسلام، لأنه سيكون بعد ذلك وسيلة من وسائل هؤلاء المفسدين في نشر فسادهم بكل طرق الانحطاط المتبعة.
دين الإسلام دينُ حقٍ تهفو إليه النفوس بفطرتها النقية المركوزة فيها، وبالتالي فهو لا يحتاج في الدعوة إليه إلى وسائل إغراء من هذه الوسائل الإغرائية الفاسدة.
أما غير الإسلام، من تلك الأديان والمعتقدات الفاسدة، فلن يُقبل عليها أحد إلا بمثل تلك الوسائل، ومن يترك نفسه للوقوع في هذا الانحطاط، لا يجب أن يُترك في أمة الإسلام، التي تحافظ على صلاحها ونقائها الاعتقادي الإيماني منذ قيامها.
وأولئك الذين يتركون إسلامهم، ليكفروا بالأديان بالكلية، ويعلنوا إلحادهم، هم في الحقيقة إما مدفوعون لذلك بالإغراءات المادية والجنسية كذلك، والحديث عن الجمعيات المشبوهة التي تعمل على ذلك في بلاد الإسلام موجود. وإما أنهم مضطربون نفسيا وعقليا.
ويجب علينا ردعهم عن ذلك الاضطراب العقلي والنفسي، أو عن عمالتهم لتلك الجمعيات المشبوهة، بالتلويح بمثل هذا العقاب الرادع.
ذلك عن ما يبرر حد الردة في الإسلام، وأما عن ما ينفي عنه إجحافه وظلمه، فهو الإجراء الثابت بالنصوص القرآنية والنبوية قبل تطبيق هذا الحد. وهو أن يُحبس المرتد، ويستتاب، فإن عاد وأكد على إيمانه، يسقط الحد عنه تماما، ويذهب لحاله سالما، حتى وإن ادّعى ذلك كذبا بلسانه لمجرد الفرار من القتل.
وفي ذلك منتهى الرحمة الإسلامية بمغيّري عقيدتهم، فليس عليهم إلا أن يدّعوا بألسنتهم أنهم عادوا للإيمان، ثم ليذهبوا لحياتهم.
فإذا أرادوا أن يُعلنوا إلحادهم أو تغيير عقيدتهم جهارا فليخرجوا من بلاد المسلمين إلى بلاد الآخرين، وإلا فلهم أن يعيشوا مع المسلمين، على أن يُبقوا ردتهم فيما بينهم وبين أنفسهم، وليُظهروا للناس غير ما يُبطنون، مثلهم مثل المنافقين، الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، ومع ذلك فلم ينكل الرسول بهم، مع معرفته لهم رجلا رجلا.