من طبائع حياة الإنسان في إطار كونه مخلوقًا يعيش في إطار مجتمع يضم أناسًا آخرين؛ هو وجود العديد من الأعياد والمناسبات، سواء أكانت دينية، أو وطنية، أو حتى مرتبطة بجوانب مجتمعية متعلقة بالنشاط الإنساني.
ففي بعض البلدان العربية مثل مصر والأردن؛ نجد أن موسم شهر رمضان وعيد الفطر، قد تزامن مع الأعياد الكبرى لدى المسيحيين الأرثوذكس، ثم يبدأ موسم الامتحانات الدراسية، لكي يسلِّم الأُسَر إلى موسم الإجازة الصيفية، والذي بدوره سوف يكون فيه العشر الأوائل من ذي الحجة وعيد الأضحى المبارك.
وهكذا؛ فإننا الأعياد والمواسم والمناسبات، هي من ظواهرنا الاجتماعية الراسخة، والتي تشهد بعض الطقوس الاستثنائية، ومنها ما يخص الأطفال.
وبعض هذه الطقوس قد يكون ذا طابعًا ماديًّا، ماليًّا، مثل "العيدية" و"المصروف"، أو غير مادية، وإن كانت تشهد إنفاقًا ماديًّا بدورها، مثل النزهات والاصطياف، وغير ذلك مما اتصل.
وكما نعلم، فإن التربية عملية متصلة، وكذلك، هي مُتَغيِّرَة؛ أي تتغير آلياتها بتغيُّر الظرف القائم، وبحسب الموقف، وبالتالي؛ فإنه من المفترض من أولياء الأمور وضع منظومة من السياسات والآليات ذات الطابع التوجيهي للأطفال، من أجل حسن استغلال وتوظيف هذه المناسبات في تحسين الواقع التربوي للأبناء، وتوجيههم إلى بعض الأمور المفيدة.
ومن بين ما يمكن التوجيه به في هذه المساحة، ما يتعلق بالوارد المالي الذي يوضع في يد الأطفال، مثل "العيديات" و"المصروف اليومي، وما يتصل بذلك.
فالمال المباشر في يد الأطفال والمراهقين، هو من أخطر الأمور ما لم يتم ترشيده، ووضعه تحت رقابة من الآباء؛ حيث يمكن –في غياب ذلك– أن يقود إلى انحرافات عظيمة، في ظل كون الطفل والمراهق في النهاية؛ لم يصل بعد إلى مرحلة الرشد والتمييز الصحيح لكي يعرف ما هو صواب وما هو خطأ، وما هو واجب، وما لا يجب فعله.
فسلوك الطفل والمراهق، في مثل هذه المراحل العمرية، يكون العامل الأكثر سيطرةً على سلوكه وتوجيهه، هو رغباته، أيًّا كانت، من دون النظر إلى تبعات تحقيقها بصورةٍ قد تقوده إلى انحرافات.
ولذلك؛ فإن علماء التربية والاجتماع، يرفضون قضية العمل المبكِّر لدى المراهِق، لأن استقلاله المالي، سوف يفقِد الآباء والأمهات السيطرة عليه، والقدرة على ضبط سلوكه وتوجيهه، والضبط والسلوك هنا ضروريان ليس لاعتبارات الهيمنة الأبوية، وإنما لاعتبارات موضوعية تتصل بترشيد مطلوب للسلوك في مرحلة لم يتم فيها التكوين السليم للإنسان.
علماء التربية والاجتماع، يرفضون قضية العمل المبكِّر لدى المراهِق، لأن استقلاله المالي، سوف يفقِد الآباء والأمهات السيطرة عليه، والقدرة على ضبط سلوكه وتوجيهه
وهذا نقف عليه في الهدي النبوي، الذي حدد مراحل حياة الإنسان حتى الرشد، وكيفية التعامل مع كل مرحلة منها.
وبالطبع؛ فإن عمالة الأطفال أمرٌ مرفوض قانونًا، لكن هناك بعض الآباء والأمهات، تحت بند فكرة تنمية مهارات الطفل، يجعلون بعض أطفالهم ينشغلون في بعض الأعمال المدفوعة خلال فترة الإجازة الصيفية.
هنا يحذر بعض خبراء التربية من ذلك؛ حيث إن جريان المادة المستقلة عن الأسرة في يد الطفل، تقود إلى مشكلات حقيقية في قدرة أولياء الأمور على ضبط ومراقبة سلوك الأبناء في هذه المرحلة الحرجة لأنها مرحلة التكوين.
ومن بين الأفكار المطروحة في التعامل مع "العيدية" و"المصروف"، تعويد الأطفال على الادخار، بأية صورةٍ من الصور، بدءًا من مستوى "الحصَّالة" الصفيحية البسيطة التي كان تعرفها الأجيال الأقدم، ووصولاً إلى مستوى دفتر التوفير الذي يتم فتحه باسمه.
هذه الخصلة، تؤصل في الطفل، منذ الصِّغَر، بعض الأمور التي من الجيد أن يتربَّى عليها، مثل ترشيد الإنفاق والبُعد عن الإسراف، وتوجيه المال بشكل عام فيما يفيد، وأن المال ليس للإنفاق في حدِّ ذاته، وإنما "فيما يفيد" هذه.
وبعيدًا عن الجانب المتعلق بالمال، فإن بعض هذه النوعية من المناسبات، وهي الأعياد ذات الطابع الديني والطقس المجتمعي، من الممكن استغلالها في تعزيز هوية الطفل، بمختلف مستويات مفهوم الهوية؛ حيث ترتبط الأعياد الدينية بنواحٍ وطقوس مهمة تساهم في تكوين ذلك.
فهناك في الجانب الديني الشعائري المباشر، "صلاة العيد" و"زكاة الفطر"، وفي الجانب المجتمعي، "صلة الأرحام" من خلال الزيارات المتبادلة، والتي تساهم كذلك في تربية الأطفال في بعض الاتجاهات الأخرى، مثل تعزيز علاقاتهم مع الجيران وجماعات الأقران، والتي هي من أهم موائل التشكيل والتنشئة، وتعريفهم بالعادات والتقاليد المرعية في مثل هذه المناسبات، وهو بدوره مما يساهم في تشكيل هوية الطفل، وتعريفه بعاداته وتقاليد دينه ومجتمعه.
كما يمكن استغلال هذه الأوقات من أجل تحسين مستوى الأنشطة التي يقوم بها الأطفال، مثل الخروج إلى رحلات، أو تعزيز الهوايات المفيدة مثل القراءة في أوقات بعينها، أو ما شابه.
وهناك أيضًا ما يمكن الالتفات إليه من جانب الآباء والأمهات في مثل هذه المناسبات، وهو ضرورة تحقيق عنصر الانضباط الذاتي لدى الأطفال والمراهقين؛ حيث كثيرًا ما نرى –تحت وطأة فهم خاطئ تمامًا لمفاهيم مثل "العيد" و"الترويح عن النفس"– الكثير جدًّا من الانحرافات التي تحولت إلى انجرافات، وتحولت بمرور الوقت من استثناء إلى سائد في سلوكهم.
هنا تظهر أهمية وضرورة المتابعة، وتصحيح أي سلوك خاطئ قد يحصل، ولكن لا ينبغي أن يقف الأمر عند هذا الحد؛ حيث ينبغي أن تترافق عملية التصحيح مع عملية غرس وتأسيس تجعل من الطفل والمراهق رقيبًا على نفسه، بما يحقق مع التدريب المستمر، عنصر الرقابة والضبط الذاتيَّيْن.
ينبغي أن تترافق عملية التصحيح مع عملية غرس وتأسيس تجعل من الطفل والمراهق رقيبًا على نفسه، بما يحقق مع التدريب المستمر، عنصر الرقابة والضبط الذاتيَّيْن
وفي النهاية؛ فإن هذه كلها أفكار مقترحة، وبكل تأكيد؛ فإن هناك الكثير من الأفكار الأخرى التي تفرزها خصوصيات كل مجتمع، وكل حالة من الأُسَر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وإنما المهم في الأمر، أن يوقر في ضمير كل أبٍ وأُمٍّ، بعض الأمور المبدئية التي سبقت الإشارة إليها، مثل أن التربية عملية مستمرة، ومتغيرة، بمفهوم الذكاء "Smart"، وأنه من المهم ألا تمرَّ الأمور من حولنا، مرور الكِرام، وإنما يدرِّب أولياء الأمور أنفسهم على الملاحظة والمتابعة المستمرَّيْن لأمور أطفالهم، وعدم التعاون أو التعاون ببعض الاستخفاف مع الأمور المهمة!