إن الواقع الذي نحياه الآن يقول أن رُقعة الباطل تتآكل وتضمحل عاماً بعد عام وأن نور الحق يزداد سُطوعاً عاماً بعد عام.
والواقع يقول بأن أهل الباطل " كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ" (المائدة: من الآية64).
إن فرعون اللعين أراد أن تكون المناظرة بينه وبين نبي الله موسى عليه السلام وقت الضحى حيث الحشد الكبير من الناس ظناً منه أنه سينتصر، ولكن شاءت إرادة الله تعالى أن يطفئ نار حربه، وأن ينقلب السحر على الساحر، وأن يُؤمن سحرة فرعون، وأن يكون الخزي والعار لفرعون وجنده.
قال تعالى: "فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ {119} وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {120} قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ {121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {122}" (الأعراف: 119-122).
أولاً: صور مُضيئة تتصدر المشهد ولا يجب أن نغفل عنها
بالرغم من كل الأموال الطائلة التي أنفقها أهل الباطل على برامج ومسلسلات لترويض فطرة الشعب المصري وتدجين عقيدته إلا أن هناك خمسة مشاهد تقول بأن الشعب بخير وسيظل بخير إن شاء الله تعالى!
هذه المشاهد الخمسة هي:-
1- مشهد صلاة التراويح والتهجد في الأيام الأخيرة من رمضان.
2- مشهد مسابقات تكريم حفظة القرآن الكريم طوال الشهر المبارك، ولأول مرة يُقام حفل التكريم داخل استاد رياضي وهو استاد نادي منية النصر بمحافظة الدقهلية.
3- مشهد التوسع في أعمال البر الرمضانية وإعداد الموائد في الأحياء الشعبية.
4- مشهد الحشود التي ظهرت من كل حدب وصوب في صلاة العيد، والتي كانت بمثابة استفتاءً شعبياً كاسحاً بأن الشعب المصري لا يرضى عن الإسلام بديلاً مهما كانت التضييقات والمضايقات والتهديدات.
5- الوعي الجماهيري المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي الذي يُفنِّد مزاعم المُبطلين، ويكشف فساد الفاسدين، ويعمل على تثبيت القيم ودعائم الدين.
هذه المشاهد الخمسة تثبت مقولة الخطيب الإدريسي رحمه الله:
"إنّ الإسلام إذا حاربوه اشتدّ، وإذا تركوه امتدّ، والله بالمرصاد لمن يصدّ، وهو غنيّ عمّن يرتدّ، وبأسه عن المجرمين لا يُردّ، وإن كان العدوّ قد أعدّ فإنّ الله لا يعجزه أحد، فجدّد الإيمان جدّد، ووحّد الله وحّد، وسدّد الصّفوف سدّد".
ثانياً: حقيقة تفرض نفسها
لقد ظن أذناب الغرب وعملاءه بأنهم بالقضاء على قادة التيارات الإسلامية وتكميم أفواه المُخلصين من كل الطوائف سيحدِّون من المد الإسلامي وستخلوا لهم الساحة يعربدون فيها وينشرون فيها فسقهم وفجورهم ويتحكمون في مصير الشعب..
لقد نسى كل هؤلاء البُلهاء السذج أن الدين هو دين الله وأن الله مؤيده وناصره وأن الله تعالى تكفل بحفظه بل وإظهاره على كل ما سواه!!
ولقد نسى كل هؤلاء البُلهاء السذج أن يقظة الشعوب واردة في أي وقت ولأسباب لم يضعها هؤلاء المخابيل في حساباتهم ولم يراعوها بالاً!!
إن مقتل خالد سعيد و سيد بلال في مصر، وإشعال بوعزيزي النار في نفسه في تونس، كلها مشاهد عادية ومُتكررة بل وبسيطة بالنسبة لما يحدث كل يوم من ظلم وجبروت...
ولكن هذه المشاهد العادية والمتكررة وافقت إرادة الله تعالى فأصبحت مارداً جبَّاراً وطوفاناً هادراً لا توقفه قوة مهما كانت...
وفي هذا المقام تحضرني مقولة للشيخ المجاهد أحمد ياسـين رحمه الله، هذه المقولة هي:
"القوي مها كان قوياً فان فيه نقطة ضعف والضعيف مهما كان ضعيفاً فإن فيه نقطة قوة فإذا التقت نقطة القوة عند الضعيف بنقطة الضعف عند القوي انتصر الحق على الباطل".
ثالثاً: النظام العالمي يرصد الواقع ويحرك أذنابه
إن المشاهد الخمسة السابقة تقول بأنه لابد وأن يكون هناك إعادة ترتيب لأوراق اللعبة لصالح الشعب المصري، وهذا ما حدث بالفعل حيث تغيرت لغة الخطاب، وتم السماح بفتح المساجد ورجوع الأنشطة إليها.
إن هذه المشاهد الخمسة ترعب النظام العالمي الذي يرصد الأحداث جيداً، وسيضطر النظام العالمي إلى أن يضغط على أذنابه وعملائه بتخفيف الضغط على الشعب حتى لا ينفجر!!
إن النظام العالمي يوقن أن حشود الشعب إذا انفجرت فإن شظاياها ستأكل الأخضر واليابس في المنطقة العربية وغير العربية... وهذا ليس في صالح النظام العالمي.
إن النظام العالمي يريد للمنطقة الإسلامية والعربية أن تظل كقطعة الإسفنج التي تظل عالقة على سطح الماء (لا تطفو ولا تغرق) لأن مصلحته الأساسية هي أن يكون الحال كذلك!
إن النظام العالمي حين أراد التخلص من الإمبراطورية العثمانية أطلق عليها (الرجل المريض) لأنهم لا يريدون موته ولا يريدونه قوياً.
إن الحل للتخلص من هيمنة النظام العالمي هو الوعي (الغير مؤدلج) الذي لا تحركه سوى الفطرة السَّوية، والغيرة على الدين والوطن، والنخوة الفتية، كما تحركه الإرادة التي لا ترضخ لمُساومة ولا يوقفها بطش!!
الوعي الذي هب لنصرة امرأة استغاثت (وااااامعتصماه)!
الوعي الذي اقتلع أنياب التتار وقلم أظافرهم!
الوعي الذي رد الصليبيين خزايا مدحورين!
الوعي الذي أدَّب الإنجليز والفرنسيين والطليان وغيرهم من المُحتلين!
الوعي الذي حيَّر اليهود الصهاينة في فلسطين وإن شئت فقل (فض بكارتهم)!
والشواهد الآن تقول بأن الأمة بخير وأن الفرصة سانحة لرسم مشهد جديد في المنطقة ... {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّه بِعَزِيزٍ}.
"وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا" (الإسراء: من الآية51).
رابعاً: قصة للعبرة
يُقال أن مجموعة من القساوسة المبشرين ذهبوا لبعض الدول الإفريقية ومارسوا التبشير في قراها الفقيرة وأغروا الناس بالمال وتغير الأحوال، ووعدوهم ومنوهم حتى استجاب لهم عدد من المسلمين ووافقوا على ترك الإسلام والدخول في النصـرانية.
فرح المبشرون بما حدث، واصطحبوا مجموعة من هؤلاء المسلمين الذين وافقوا على الدخول في النصـرانية إلى المدينة ليعرضوا نتيجة جهودهم على رؤسائهم الذين كلفوهم بالمهمة!!
- والجميع في الطريق إلى المدينة وجد أحد القساوسة رجلاً من هؤلاء الذين قالوا أنهم تنصـروا، وجدوه يُصلِّي... وعندما سأله قال: لقد اشتريتم الجسد أما القلب فهو لله!!
- وعندما وصلوا وأقاموا حفلاً بهذه المناسبة سألوا أحد المتنصـرين الجُدد عن أمنيته فقال: أتمنى حج بيت الله الحرام!!
- وكانت الطامة الكبرى عندما سمعوا آخر ينادي بأعلى صوته: صلوا على رسول الله.
العبرة.. هي أن:-
الفطرة السوية هي حائط الصد الأول والأقوى أمام كل محاولات طمس الهوية وخرم المروءة!!
وأن
ما يًفسده شياطين الإنس والجن في يوم تصلحه الصلوات الخمس.
وما يُفسدونه في أسبوع تُصلحه الجمعة.
وما يُفسدونه في عام يُصلحه رمضان.
وما تُفسده أعوام يُصلحه الحج.
وما يُفسده الدهر تُصلحه التوبة.
ورحمة الله واسعة ولطفه لا يحده حاد ولا يتخيله عقل.
وختاماً أقول
إن ما تغرسه يد الله لا تقتلعه يد إنسان مهما أوتي من قوة.
وإن جذور الإيمان فى نفوس الشعوب المسلمة قوية بما لا تتخيله عقول المفسدين القاصرة، وبما لا تتخيله تصورات من يخططون لهم ويُمولونهم.
وأقول:
إن دين الله تعالى الذي خضعت له الجزيرة العربية كلها بمن فيها من الكفار ومن أهل الكتاب، والذي أدب الفرس والروم، والذي أذل التتار وقهر الصليبيين، والذي انتشر في ربوع المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، لن يُوقف انتشاره ولن يُوهن من قوته بفضل الله تعالى ما يُحاك له من مؤامرات على يد نكرات مهازيل مهما بلغت قوتهم ومهما بلغ سلطانهم.
إن دورنا أن نحافظ على نقاء فطرتنا، وأن نتمسك بقيمنا وثوابت ديننا، وأن نكون دائماً في خندق الحق مُرابطين ومُدافعين عن دين الله مهما كلفنا ذلك من تضحيات.
{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}