وقفات تدبرية في سورة ص

الرئيسية » بأقلامكم » وقفات تدبرية في سورة ص
quran-fact

• الوقفة الأولى: الصبر

قوله تعالى: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) فهذا الصبر هو صبر في الباطل، يدلّ على جدّ القوم في باطلهم وثباتهم على معتقداتهم الباطلة وعبادة آلهتهم المزعومة.

وأما قوله تعالى: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ) فهو الصبر في الحق، فأولى بالمؤمنين الذين هم على الحق أن يصبروا على دينهم ويثبتوا عليه.

كما ذكرت السورة كذلك صبر أيوب عليه السلام، حين صبر على ما أصابه من البلاء والمرض (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ).

وانظر إلى التضرّع إلى الله في دعاء أيوب، فمن تذلّل على أعتاب المولى يوشك أن ينال مراده ويحصّل مطلبه .

وقد أثنى الله على أيوب عليه السلام ومدحه بصبره فقال تعالى (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).

• الوقفة الثانية: قصص الأقوام السابقة وإنذارهم بالعذاب

فقد ذكر الله في السورة نماذج من الأقوام السابقين الذين كذّبوا أنبياءهم كقوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ * وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ) والأيكة هي الضيعة الملتفة شجرها وأصحاب الأيكة هم قوم شعيب .

وقد كفروا وكذّبوا دعوة الأنبياء جميعا فاستحقوا العقاب: (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ).

ويخبر تعالى أن أمثال هؤلاء لا يعجزه إهلاكهم وما ينتظرون إلا صيحة واحدة وهي النفخة في الصور وذلك يوم القيامة ليس بعدها رجوع ولا صرف ولا إفاقة، قال تعالى (مَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ).

وقد بلغ من سفه هؤلاء القوم وجهالتهم أن طلبوا من الله تعجيل نصيبهم من العذاب قبل يوم القيامة (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ).

وقد ذكر تعالى في مطلع السورة أنه إذا نزل بهم العذاب وعاينوه فسوف ينادون أي يضجّون بالاستغاثة والتوبة والإنابة إلى الحق، ولكن حينها لا مناص أي لا مفر لهم، ولن تنفعهم توبتهم (كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ).

• الوقفة الثالثة: منّة الله على أنبيائه

فقد ذكر الله في سياق السورة نعم الله على أنبيائه، فقد أعطى داود عليه السلام ملكا عظيما، وسخر معه الجبال والطير يرددون معه أصوات التسبيح، وأعطاه الحكمة وفصل الخطاب أي القضاء والفهم فيه كما فسّره الطبري، قال تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ).

وفي السورة أيضا ذكر سليمان عليه السلام، الذي كان يحب الجياد الأصيلة الصافنات ويعدّها للجهاد في سبيل الله، و"الصَّافِنَاتُ" هِيَ الْخَيْلُ الْقَائِمَةُ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ وَأَقَامَتْ وَاحِدَةً عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (تفسير البغوي).

وقد آتى الله سليمان ملكا لم يؤته أحداً قبله، فقد سخّر له الريح تجري بأمره، وسخر الله له الجن يعملون في خدمته ومن عصاه قيّده بالأغلال،، قال تعالى (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

وجاء في السورة ثناء الله على أنبيائه فوصفهم بأنّهم أولي الأيدي والأبصار أي القوة في عبادة الله والبصيرة في الحق (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ).

وبهاتين الصفتين يكسب المرء خيري الدنيا والآخرة فبالقوة في العبادة تصلح أمور آخرته وبالحكمة والبصيرة في الفهم تصلح أمور دنياه.

ووصفهم أيضا بأن جعل ذكرى الدار الأخرة في قلوبهم والعمل لها صفوة أوقاتهم (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) وبذلك كانوا صفوة خلق الله الذين لهم خلق كريم وعمل مستقيم (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ) (تفسير السعدي).

• الوقفة الرابعة: التخاصم في السورة

وقد جاء التخاصم في مواطن متعددة في السورة منها:

• قصة الخصمين في مجلس القضاء عند داود عليه السلام (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ *إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ).

وقد استثنت الآيات صنفاً من الشركاء من صفة البغي و الطغيان، وهم أولئك الذين آمنوا وصدّقوا إيمانهم بعمل الصالحات، فعلامة صدق الإيمان أن يحث صاحبه على خير الخصال ويحجزه عن الظلم والعدوان وأكل حقوق الآخرين (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ).

- اختصام الملائكة في الملأ الأعلى وذلك في قوله تعالى (مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) وقد اختصموا في شان آدم وجعله خليفة في الأرض حين أخبرهم الله بذلك كما ذكره الطبري في تفسيره .

- تخاصم أهل النار حين يلوم بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا، وذلك في مشهد من مشاهد يوم القيامة حيث يرون أفواج أهل النار يقتحمون فيها ولا يرون بينهم أولئك المؤمنين الذين استحقروهم في الدنيا ثم يطلبون من الله مضاعفة العذاب لمن كان سببا في إغوائهم حتى بلغوا هذا المصير، قال تعالى (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ * َهذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ* وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ).

• الوقفة الخامسة: صفة الجنة

وقد ذكرت السورة طرفاً من نعيم أهل الجنة فهم يدخلونها وقد فتحت الملائكة لهم الأبواب، يتنعمون فيها بأصناف الفاكهة والشراب، وعندهم الحور العين قاصرات الطرف خالصات لهم فلا ينظرن لغيرهم، ويرفلون في هذا الرزق والنعيم الذي لا ينفد ولا ينتهي (هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ).

• الوقفة السادسة: لا يستوون

وهذه مقارنة بين المصلحين والمفسدين، والمتقين والفجار، فكيف يستوون، قال تعالى (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).
وكما اختلف المسير، فقد اختلف المصير فأولئك في الجنة منعمون وأولئك في النار معذّبون.

• الوقفة السابعة: النجاة للمخلصين

قال تعالى (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)

أي يقول الشيطان مبيّنا عدم قدرته على إغواء عباد الله المخلصين "إلا من أخلصته منهم لعبادتك، وعصمتَه من إضلالي، فلم تجعل لي عليه سبيلا فإني لا أقدر على إضلاله وإغوائه" (تفسير الطبري).

فأولئك المخلصون هم في حفظ الله ورعايته وفي منجى من كيد الشيطان وغوايته، وذلك لتعلم أن الخلاص في الإخلاص وأي منة أعظم من أن يستخلصك الله لطاعته وجواره في دار كرامته .

• الوقفة الثامنة: دعاء جميل

قال تعالى (وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ)

والصراط المستقيم هو بمعناه الكبير طريق الحق، وقيل الصواب في كل الأمور والعدل في القضاء، وما أجملها من دعوة أن تسأل الله أن يحملك على الحق والصواب في أمورك كلها فلا تميل عنه إلى باطل أو هوى، وفيه إشارة إلى عجز الإنسان ولجوئه إلى ربّه أن يلهمه الصواب ويسدد خطاه على طريق الحق والخير .

هذا والله أعلم

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …