من المعالم القرآنية في العمل الإعلامي

الرئيسية » بصائر الفكر » من المعالم القرآنية في العمل الإعلامي
Media

إن المتطلع منا لجملة الهدايات الربانية أثناء تلاوته وتدبره في القرآن الكريم يجد منارات ومعالم يمكن أن يستضيء بها في جملة خوضه غمار مختلف مجالات الحياة، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، من خلال الأوامر والنواهي المباشرة أو في إمعان النظر في ظلال القصص القرآني، مصداقا لقوله تعالى {كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد}، ويحقق بذلك معاني الاستهداء العام بقيم القرآن.

ومن جملة هذا الاستهداء: البحث عن معالم حول ماهية الإعلام وآثاره وأدواته وقيمه الضابطة لمجريات عمله، لعلنا نسلط الضوء على بعضها في هذا القراءة، منها:

المعلم الأول: غاية العمل الإعلامي وهي الدعوة إلى الله، حيث يقول الله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وتؤكد هذه الآية الأمر الوجوبي لأداء فريضة "الدعوة إلى الله" التي سماها الشيخ عبدالوهاب الباكستاني -رحمه الله- بـ "أم الفرائض" لما لها من أثر على كل الفرائض.

والدعوة -بمعناها العام- دعاية وإعلان لكل ما يحبه الله ويرضاه والتحذير من الوقوع فيما نهى عنه، فبالتالي تصبح هي الغاية الكبرى من ممارسة أي عمل إعلامي، وهي أيضا الضابط لكل فعل إعلامي، بمعنى أن أي عمل لا يدل على معروف أو ينهى عن منكر فهو في جملة اللغو الذي أمرنا بالإعراض عنه، كما وصف القرآن أهل الإيمان بـ {والذين هم عن اللغو معرضون}، أما أبرز وسائلها فذكرت في الآية {بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.

المعلم الثاني: تحري المصداقية "بالنص والصورة والفيديو"، حيث يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، فالصدق من أعظم القيم التي يحث عليها الإسلام ويرفع من مقام أصحابها، ويحذر من الكذب بكل ألوانه لما له من أثر على الفرد والمجتمع، وكم من مصيبة أو فتنة فتكت بمجتمعنا كان سببها "كذبة إعلامية" بدعوى تحفيز الناس للمتابعة.

المعلم الثالث: التثبت من الأخبار قبل إصدار الأحكام، حيث يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، فالآية أشارت إلى ضرورة التثبت من الخبر من عدة نواحي، فعدالة الناقل (فردا كان أو مؤسسة) وأخلاقه ومروءته هي إحدى المعايير، يليها سخونة الخبر والآثار المترتبة على تصديقه، ثم أدوات التبين والتثبت وقدرتها على تحقيق ذلك أيضا، لما من ذلك من آثار قد تؤدي بمعاداة قوم بجهالة.

المعلم الرابع: التزام الحق ولو على النفس، حيث يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين...}، وهذا ما تفتقده العديد من وسائل الإعلام العربية أو حتى العالمية، فمعيار الحق والالتزام بمقتضياته مكلف على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو حتى الاجتماعي، وما ظهر من تحيزات في الإعلام الغربي في تعامله في الحرب الروسية - الأوكرانية وتغافله عن الجرائم الصهيونية ليست عنا ببعيد.

المعلم الخامس: الموضوعية، حيث يقول الله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى}، وهذا يستدعي أن ينظر للموضوع من أكثر من زاوية، لعل إحداها توضح لنا الفكرة أو القضية أو الموقف من جهة أخرى، حتى لو كانت من الطرف الآخر، وأن لا نقدم القرابة أو الحزبية على حساب الحق، وصدق الله حين قال: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما}.

المعلم السادس: عدم إشاعة الفاحشة، حيث يقول الله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة}، وهذا يستدعي أن تغربل الأفكار والنصوص والصور والفيديوهات قبل نشرها للمحافظة على الذوق العام، وعدم الانسياق وراء الدعوات المخالفة للعقل والفطرة والدين بداعي الموضوعية، بل اخذ المواقف الحاسمة تجاه هذه الفواحش ورفضها بالكلية، فالذين يصدون عن سبيل الله يسعون لنشر الفواحش والرذيلة بدعوى "الحرية واحترام الآخر".

المعلم السابع: السياق المهدّف، حيث يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم}، بمعنى أن لا يكون النص (بشتى أشكاله الخبرية) أو الصورة أو الفيديو بلا هدف سديد، مضيعة لصانعها ومتابعها ومروّجها، وما يعج به موقع tik tok من تفاهات لا يمكن هضمها ظاهر للعيان.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
مدير علاقات عامة في إحدى المؤسسات التعليمية في الأردن، ناشط اجتماعي، وإعلامي، مهتم بالشؤون التربوية.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …