لطالما ناقش العلماء والمتخصصون مسألة انتشار خطاب الكراهية والتحريض والعنصرية ضد أجناس ولغات وأديان، أهمها الدين الإسلامي والعقيدة الإسلامية وشرائعها ومظاهرها من قبل أيديولوجيات وقوميات مختلفة ومعادية غالبا، إلا أنني في هذا المقال أناقش موضوعًا اجتماعيًا، وهو انتشار خطاب #الكراهية بين أبناء الدين الواحد، والمجتمع الواحد، بل والأسرة الواحدة أحيانًا.
ينتشر خطاب الكراهية بسرعة البرق في وسائل التواصل الاجتماعي، من باب التظلم ربما، أو من باب التشكي والدفاع عن النفس، أو من باب الاحتراب بصراحة وبدون وضع حساب لقيم أو مبادئ أو أسرار، أنى اتجهت خلال تصفحك "السوشيال ميديا" سوف تتعثر بجمل تحرض على الكراهية والقطيعة والانتقام ورفض المسالمة أو مقاومة ونبذ العفو والاعتذار وكذلك بتضخيم المشاكل الصغيرة والتنمر على الطيبين والمتسامحين... إلخ أوجهه.
ما المقصود بخطاب الكراهية:
مجموعة من الجمل التي تحمل هجومًا على فئة ما -تكون في الغالب- أضعف من الفئة التي تشن الهجوم، ويشمل خطاب الكراهية أية عبارات تحرّض على العنف والعدوانية والعنصرية، أو حتى تؤيد التحريض على أي شكل من أشكال الضرر، دون احترام لحقوق الآخرين في العيش بسلام، أو التعبير عن آرائهم ومبادئهم، وبدون تقبّل أيضًا لمسألة الاختلاف في الرأي، المعتقد، السلوك، القدرات، الطباع، والكينونة.
وللأسف، فقد يبدو خطاب الكراهية في ظاهره متضامنًا لطيفًا، أشبه بـ "طبطبة" على قلوب الموجوعين، أو أشبه بتعاطف مع المقهورين، وكأنه يهدف للاهتمام بالناس ومشاكلهم وهمومهم ويحافظ على مشاعرهم، إلا أن في باطنه تحريض حقيقي بحت على الكراهية، فيركز بالدرجة الأولى على العيوب والنقائص في البشر، مع أن طبيعة البشر النقص والاختلاف.
اقرأ: مختلفون لنكمل بعضنا
يشمل خطاب الكراهية أية عبارات تحرّض على العنف والعدوانية والعنصرية، أو حتى تؤيد التحريض على أي شكل من أشكال الضرر، دون احترام لحقوق الآخرين في العيش بسلام، أو التعبير عن آرائهم ومبادئهم، وبدون تقبّل أيضًا لمسألة الاختلاف في الرأي، المعتقد، السلوك، القدرات، الطباع، والكينونة
مظاهر خطاب الكراهية:
يأتي خطاب الكراهية في عدة صور وأشكال سأورد بعضًا منها فيما يلي؛ لكن أود بداية أن أشير إلى أن أسوأ ما أفرزته السوشيال ميديا هو فعلا خطاب الكراهية والتحريض وفضح المشاكل التي كانت تنتهي وتموت في وقتها وهي لا تزال سراً بين أصحابها وأطرافها ، ولكن ذلك قبل انتشار التواصل الاجتماعي المرهون نجاحه بكثرة الفضائح.
أما مظاهر وأشكال خطاب الكراهية فهي في الغالب واحدة من الأسباب التالية التي اجتهدت في جمعها على مدار شهور من خلال متابعة بعض صفحات اجتماعية من عدة دول عربية:
1. تصفية الحسابات والاحتراب مع الزملاء أو الأقارب أو الأصدقاء، ممن بينهم مشاكل عادية، تنفضح على العلن ويبدأ الحديث عنها فتكبر وتتضاعف.
2. انتشار الاقتباسات التحريضية والداعية إلى الكراهية والتفريق، مع نسبتها – زورًا - إلى شخصيات عامة وأدبية وإعلامية قديرة.
3. تحديد صورة نمطية للجمال والثقافة والعطاء والتنظيم والأناقة والديكور، -ولكل شيء حرفيًا– ثم انتقاد من يخالفها بحدة مؤلمة، لدرجة تجعل الرائي يشعر بالاستياء من مظهره ويكره إمكاناته وينفر من زوجه وأهله ودخله... إلخ.
4. نشر وإبراز جُمل مبطنة مهينة ومؤذية بهدف ما يسمى بين الناس بـ "تلقيح الكلام" ويعني التلفظ بكلام مسيء غير موجه لشخص بعينه، بالرغم من أن قائل الكلام يعلم تمام العلم أن المقصود يسمع ويشك بأنه موجه إليه.
5. في حين يعرض شخص ما مشكلة تواجهه في حياته الاجتماعية أو الزوجية أو في العلاقات الأسرية بشكل عام وبالذات ربما بين الزوجة والزوج، أو لأحد الزوجين مع الحموات، أو بين زوجات الأخوة وأخوات الزوج... إلخ... ينهال مطر لا يتوقف من التحريش بالتعليقات التحريضية التي لا تبث سوى الكراهية والتفريق بدلا من زرع الطمأنينة والخيرية والمحبّة في العلاقات وجمع الشمل.
6. تضج التعليقات بملايين الانتقادات المؤذية والمهينة، في التواصل الاجتماعي يخالف الانتقاد هدفه البناء ومعدله المقبول ليصبح أداة للأذى والتطاول على الآخرين، وتشكيك الناس في قدراتهم ومظاهرهم.
اقرأ: كلماتنا معابر أو مقابر
7. كثير من المواقع تفتح الحوار في موضوع مثير للجدل وتبقيه مفتوحا كمائدة مهيأة دوما للنهش والتداول بدون رقابة.
8. الحظر وإقصاء أي رأي مخالف.
9. التجسس
10. السخرية الدائمة من أي شيء وأي مشهد وأي مظهر للبساطة والظهور الطبيعي الذي يمثل الطبيعة البشرية، يتطاول الأمر ليصل إلى السخرية من طرق ارتداء الملابس، طرق تناول الطعام، طرق إقامة الأعراس... إلخ. ويأتي مع ذلك موضوع التقليل من شأن البساطة والبسطاء إما بطريقة مباشرة وواضحة أو بطرق ملتوية كالتندر بتنسيق الملابس والألوان والديكورات، أو بالتحدث عنها على سبيل الشفقة!
11. النميمة، حتى إن صفحات كاملة وبرامج منظمة منتشرة انتشار النار في الهشيم تحمل عنوان (هيا لننم معًا).
12. التشهير بالمؤسسات والأشخاص والبيوت وهتك الستر، لأتفه الأسباب.
أسباب انتشار خطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي:
للأسف؛ فإن أغلب أسباب انتشار خطابات الكراهية هي حتمية، وأغلب القوانين التي تحكمها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تتغير؛ لأن خطاب الكراهية الممنوع –الوحيد– عبر السوشيال ميديا، هو خطاب الكراهية ضد الدولة المحتلة ومواليها، أما هذا النوع من خطابات الكراهية المبطنة والسلوكيات المشينة والتي تعد خطابات بغضاء وتحريض، فهو غير ممنوع إلا ما كان صريحًا منه واجتمع عدد كبير من المشتركين على انتقاده ورفع تقارير وبلاغات إساءة عنه.
خطاب الكراهية الممنوع –الوحيد– عبر السوشيال ميديا، هو خطاب الكراهية ضد الدولة المحتلة ومواليها، أما هذا النوع من خطابات الكراهية المبطنة والسلوكيات المشينة والتي تعد خطابات بغضاء وتحريض، فهو غير ممنوع إلا ما كان صريحًا منه واجتمع عدد كبير من المشتركين على انتقاده ورفع تقارير وبلاغات إساءة عنه
إليكم أغلب وأهم هذه الأسباب:
1. ضعف الثقافة والوازع الديني، اللذان يمنعان اكتشاف الناس لحقيقة المنشورات وخلفيتها أو إن كانت حقيقية أم مزورة، كما يتعارضان تماما مع إسداء نصيحة مناسبة وغلق الأبواب على امتداد وانتشار الموضوع.
2. سهولة ومجانية استغلال صفحات ونشر الكثير من الموضوعات بأسماء رموز أدبية وشخصيات عامة لتروج الخطابات التي يريدها المحرضون، وبالتالي نسبة الجمل التحريضية إلى الشخصيات المهمة ذات القدر المعروف.
3. كثرة المعلومات الخاطئة لدرجة عدم القدرة على السيطرة عليها وتصنيفها والتدقيق فيها، ويزيد الأمر سوءًا الحسابات المجهولة والتي لا تحمل عناوين واضحة أو أسماء حقيقية؛ فهي تجعل مهمة التحقيق في مصدر المعلومات صعبة.
4. الاستغلال المغرض لقدرات وميزات المواقع الاجتماعية في جمع كل المطلوب تحت هاشتاج محدد.
5. انعدام قدرة الناس على التحمل؛ بسبب الضغوط الحياتية التي تزيد من ضيق الصدور، فتجد المخطئ وقحًا، وبينما يبرر له البعض وقاحته تجدهم يلومون المهذب الذي لم يخطئ على تصرفه الذي لا يتعدى كونه ردة فعل على إساءة تعرض لها.
6. غياب الرقابة في تلك المواقع أولًا وأخيرًا، وغياب المسؤولية لدى المستخدم، وانعدام المراقبة من الأهل للأولاد بالإضافة إلى إهمال الإرشاد والتربية الإيجابية.
لكن... يظل أمامنا – وكما يبدو – بعض أسباب يمكن معالجتها بطرق ممنهجة، لكنها تحتاج إلى جهود جبارة منظمة، وهذا ليس صعبًا إذا حفته نية لله خالصة فرعاه الله تعالى وباركه ووفق القائمين عليه.
اقرأ: تعلّم توليد طاقتك الإيجابية تجاه العالم بنفسك
آليات مواجهة ومكافحة خطاب الكراهية:
1. نشر التوعية المعتدلة الوسطية والمنظمة من قبل أشخاص مؤثرين ومشاهير وصفحات معروفة.
2. استثمار مزية الإعلانات التجارية بنشر الثقافة الحقيقية والترويج عبرها لقيمة الأدب والخطاب الإيجابي المفعم بالمحبة.
3. إجراء مسابقات من قبل هيئات مهتمة للصفحات الأكثر إيجابية، ولصناع المحتوى الهادف، وأصحاب الكلمة الطيبة.
اقرأ: في معنى الرقي والوصول إليه
4. الإسراف في نشر قصص عن أناس إيجابيين محبين ممتلئين بالخير والعطاء والمحبة وتثبيتها في عقل المتصفحين.
5. استقطاب صناع المحتوى البارزين ومنحهم دورات ومكافآت على المحتوى المفيذ الذي يقدمونه في هذا الموضوع.
6. تعميم مبادئ العفو والصفح والإحسان عبر مقاطع مصورة ومسجلة.
7. كبح جماح رغبات الناس في الانتقام بطرق تربوية ونفسية مدروسة تهدئ من روع المغتاظ والمقهور ليختفي مبدأ الانتقام.
8. تقديم دراما وسينما نظيفة تنشر الخير والمحبة والجمال، وفهم الاختلاف وإدارة الخلافات واستيعاب التنوع، بموضوعات تدعم تنمية الإيجابية.
9. العمل باتجاه سن قوانين تضبط المشاركات – مهما كان الموضوع صعبًا – وربط تلك القوانين بالأعمار، ومنع الأسماء المستعارة وتوثيق الهوية الشخصية لكل من يشارك وربما ربطها بالسجلات المدنية في البلدان لضبط الأمر ومعاقبة المسيء.
تذكروا دومًا، يقول الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} [الإسراء: 53].