قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ" (صحيح البخاري).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إذا أتاكم مَن ترضونَ خلقَهُ ودينَهُ فزوِّجوهُ إلَّا تفعلوا تَكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ" (سنن ابن ماجه).
إن كل شاب يحلم باليوم الذي تكون له فيه زوجة يظله معها سقف واحد ويقتسمان في هذا البيت كل أمور الحياة بأفراحها وأتراحها، غير أن سقف طموح هؤلاء الشباب يرتفع من الحين للآخر حتى ترى الشاب يضع في خياله مُواصفات قلما يجدها في من هن حوله من الفتيات، والفتاة تضع في خيالها مُواصفات قلما تجدها في من هم حولها من الشباب!!
الشاب يريدها رائعة الجمال وبمقاسات مُعينة في الطول والوزن واللياقة واللباقة وأسلوب التعامل كما يراها في الأفلام والمسلسلات والأفلام، والبنت لا تقل عن الولد في هذا الشأن، ولا أخفي سراً لو قلت أن الآباء قد أصابتهم نفس اللوثة في عقولهم عند الاختيار لأبنائهم، وكأن الجميع اتفقوا على البحث عن شريك بمقاييس الشهوة وليس بمقاييس الشرع!!
إن النتيجة لكل هذا العبث الفكري تكون إما العزوف عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة أو خوض تجارب تكون نتيجتها الفشل لأتفه الأسباب، ويظل الجميع يدورون في حلقة مُفرغة ويلهثون خلف سراب لا نهاية له!!
إن كل هؤلاء نظروا إلى غلاف خارجي تم تصميمه لخطف أنظار (الزبائن) والكل يعلم أن السِّلع من هذا النوع قد تكون رديئة الجودة لأنها اهتمت بالمظهر على حساب الجوهر أو أنها قد صُممت وأنتجت لعقليات وثقافات وأوساط لا يهمها سوى المظهر دون أدنى اهتمام بالجوهر!!
إن كل هؤلاء نسوا أو تناسوا أن الفتاة المُلتزمة المُستقيمة لا تختلف عن غيرها من المُتبرجات، وأن هذه الفتاة المُلتزمة المُستقيمة لو تبرَّجت لكانت مثلها في الجمال وأكثر، ولكن وازعها الديني وما لديها من حياء وعفة يمنعونها من أن تساير تيار تعلم يقيناً أنه يصب في مُستنقعات تزكم رائحتها الأنوف، وأماكن خربة مُوحشة لا تصلح أن تكون سكناً لآدمي مُتزن العقل سليم الفطرة عفيف النفس.
إن كل هؤلاء نسوا أو تناسوا أن الفتاة المُلتزمة المُستقيمة لا تختلف عن غيرها من المُتبرجات، وأن هذه الفتاة المُلتزمة المُستقيمة لو تبرَّجت لكانت مثلها في الجمال وأكثر، ولكن وازعها الديني وما لديها من حياء وعفة يمنعونها من أن تساير تيار تعلم يقيناً أنه يصب في مُستنقعات تزكم رائحتها الأنوف
إن كل هؤلاء نسوا أو تناسوا أن المحلات التي تبيع منتجات عالية الجودة تضع شروطاً قاسية أثناء البيع ولا تتنازل عنها ثقة في منتجها!! (ممنوع فتح المنتج - ممنوع الفصال عند الشراء - المنتج لا يُرد ولا يُستبدل... الخ)، أما بالنسبة لنفس المنتجات في الأسواق الشعبية فتجد البائع يستجدي الزبائن ويُقدم لهم كل الإغراءات والتسهيلات ليشتروا منه، وتكون النتيجة أنه يجد مُنتجاً لا يُعمِّر طويلاً ولا يقضي حاجة ويستنزف أكثر من ثمنه إصلاحاً ولا ينصلح!!
ربما يقول أحد الشباب أو تقول إحدى الفتيات أن سبب رفع سقف طموحه عند اختيار شريك الحياة هو أنه / أنها يريد العفاف وعدم التطلع للغير بعد الزواج!!
غُض بصرك واصرفه عن الحرام تسكن وتهدأ وتطمئن وينشرح صدرك ويُلقِي الله تعالى في قلبك رضاً وقبولاً بشريكة حياتك فلا ترضى بسواها بديلاً.
إن تجربة الحياة الواقعية الحقيقية تزيد الإنسان نضجاً وفهماً وتعقلاً وتجعل الإنسان يقبل بـ (أمة سوداء) تزينه بالتزامها واستقامتها، ولا يقبل بـ (ملكة جمال) تشينه بخلقها المِعْوَج ولسانها السليط!!
شروط لا تتنازل عنها، والباقي تعوضه القناعة والحياء والاستقامة.
إن المرأة يُعجبها من الرجل نخوته وشهامته وغيرته المُعتدلة المحمودة، كما يعجبها كرمه وشجاعته وجُرأته في الحق، كل ذلك لتشعر معه بالأمان، ولتشعر أنها في حَرَمِه الذي لا يجرؤ على أن ينازعه فيه أحد.
والرجل يُعجبه من المرأة تدينها وتقواها واستقامتها، كما يُعجبه منها حُسن المظهر وطيب جوهرها والعفة والحياء والرضا والقناعة، ليشعر أنه قد رُزق بزوجة ترعى بيته وتراعي أحواله وتصونه في عرضه، ولا يعوضه عنها نساء الدنيا بديلاً.
ومن الأمور التي توفر ذلك للطرفين:-
1- الحد المعقول من التدين فلا تتنازل أبداً عن (الصلاة - الحجاب الشرعي - استقامة الخلق - الاستعداد لتقديم رأي الشرع في الأمور كلها).
2- الحد المعقول من الولاء والبراء، أي تكره الظلم وأهله، وتحب الخير لعموم المسلمين.
3- الحد المعقول من الجمال دون إفراط ولا تفريط.
4- الرغبة في التزود بكل ما هو صالح ومُفيد وكل ما يُطوِّر شخصيتها للأفضل.
5- معرفة المفهوم الصحيح للزواج وطبيعة الحياة بعد الزواج، فالزواج ما جُعِل لمحاكاة الآخرين وتقليدهم ولكن للامتثال لما وصَّى به الشرع والاقتداء بالصالحين في هذا الشأن .
6- الاحترام المتبادل لابد وأن يكون بين الأسرتين مثلما يكون بين الزوجين.
7- إدارة شؤون الأسرة مسؤولية تضامنية فلكل من الزوجين بصمته التي لا غنى عنها.
8- إذا لم يكن (الدين) هو الأصل الأول لاختيار شريك الحياة فلنعلم أننا أمام مشروع كُتب له الفشل وحُكِم عليه بعدم التوفيق من المهد.
وما قيل للشاب يُقال للفتاة وللآباء حتى لا ندور في حلقة مُفرغة وحتى لا نلهث وراء سراب ونبحث عن المستحيل.
حدد مواصفات بيت الزوجية قبل أن تحدد من يسكنه
إن لكل إنسان غاية وهدف من الزواج، وبناءً على هذه الغاية وهذا الهدف يكون البحث عن من يستطيع/ تستطيع القيام بالمهمة على أكمل وجه!!
إن هناك من ينظرون للزواج على أنه وسيلة لإشباع الشهوة بشتى أنواعها، وعلى النقيض فهناك من ينظرون للزواج على أنه وسيلة لوضع لبنة قوية في صرح المجتمع تشد أركانه وتعلي بنيانه وتحفظه من كل من يحاول أن يخترقه أو أن يعبث بقيمه وأخلاقه.
النوع الأول: لا ينظر إلا تحت قدميه ولا يفكر إلا فيما يشبع شهوته، وهذا النوع لا يُعوَّل عليه ولا يُنتظر منه نفعاً.
أما النوع الثاني: فهو يخطط لكل صغيرة وكبيرة ولا يترك شاردة ولا واردة إلا ويضعها في موضعها المناسب والصحيح، وهذا النوع يضع نصب عينيه..
1- أن البيت ملاذ ومأوى لكل أفراده يشعرون فيه بالدفء والحنان والمودة والرحمة عِوضاً عن العالم الخارجي المُوحِش.
2- بيتٌ خالٍ من الفوضى والعشوائية والارتجال، يعطي لكل أمر قدره دون تهويل ولا تهوين.
3- بيتٌ يدعم الجانب الروحي ويحافظ على الهوية ولا يقصده إلا الطيبين الأخيار.
4- بيتٌ يظله الاستقرار والهدوء والسكينة، كما يظله الارتواء العاطفي، والتوافق الفكري، والزاد الإيماني، والتكامل الحياتي، والانسجام النفسي.
5- بيتٌ يعتبره الجميع قِبلة لكل خير ومقصداً لكل من يحتاج إلى زاد إيماني.
6- بيتٌ يخرج منه أشبال وزهرات وشباب ملء السمع والبصر يكونون قدوة صالحة لأقرانهم ولكل المحيطين بهم، وعلى نيَّاتكم ترزقون.
أخيراً أقول: إن الزواج ليس فانوساً سِحرياً لتحقيق الأمنيات والأحلام ولكنه نبتة غضة تتطلب التعهد والرعاية لكي تؤتي أكلها بإذن ربها .
والزواج ليس مجرد وجبة تنتهي بحُلوها ومُرها، بل نظاماً غذائياً مُتكاملاً ومُتجانساً يمتد بامتداد الحياة، وعِشرة دائمة، وميثاقاً غليظاً هدفه قول الله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70] وأمام هذه النية الطيبة تتلاشى العقبات وتسهل التضحيات وتكون الحياة الزوجية في أبهى صورها.