تفاعلت في الفترة الأخيرة، في المجتمع المصري ومجتمعاتنا العربية، قضايا عدة تدور حول الجوانب الاجتماعية للزواج، والعلاقات ما بين الزوج والزوجة.
ومن بين "الأسلحة" التي لجأت إليها مختلف الأطراف هذه المرَّة، هو الدين والشريعة، ولكن لئن كان هذا الأمر مفهومًا من جانب الشخصيات التي تكلمت عن أهمية الإطار الأسري، وضرورة استعادة المفاهيم التقليدية عن دور الزوج والزوجة في الأسرة، من علماء دين وناشطات وشخصيات نسوية عامة؛ فإنه كان مُستغربًا بالفعل أن تلجأ بعض المنتميات إلى التيار النسوي بهيكله الفكري المعروف، إلى الشريعة لتفسير وتبرير مواقفهم ودعواتهم.
فرأينا أن بعض هذه الأصوات بدأت من أجل تسويق منتجها الفكري والإعلامي في المجال الاجتماعي، تضع ما تقوله في إطار الدين.
فالبعض منهم ومنهن، يقُلن مثلاً، إنه "لا يجوز شرعًا أن تخدم المرأة في بيتها"، أو "لا يوجد نصٌّ في الشرع يجبر المرأة على الطبخ في منزلها"، وهكذا.
الحقيقة، أن الأمر بالفعل دخل في منطقة الفوضى القادمة لنا من الغرب في إطار أفكار وأدوات تيار الحداثة وما بعد الحداثة، وبخاصة "التفكيكية"، التي مسَّت كلَّ شيءٍ، حتى النصوص المقدسة، وثوابت المجتمعات التي بناءً عليها تُوضع الدساتير، ويُصاغ العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين في الدولة، وتُعدُّ أساس استقرار أي بلدٍ.
فعبارة مثل ("يجوز" أو "لا يجوز" شرعًا")، هي أعقد بكثير مما يظن البعض، وليست من العبارات التي يمكن إطلاقها هكذا على سبيل المجاز؛ حيث "يجوز" و"لا يجوز" في الإسلام، لا تنطق إلا من خلال ضوابط تستند على علم شرعي، وتتطلب قدرًا كبيرًا من الدراسة المتعددة الأبعاد.
فالأمر متعلق هنا بـ"فتوى" أيًّا كان محتوى هذه الفتوى، ومن المعروف أن الإفتاء وإبداء الشرعي، من الأمور المعقدة التي يصل بعض العلماء بالعلوم التي يجب أن يدرسها المفتي أو العالِم الشرعي، بعددها إلى 19 علمًا.
وهذا –بالمناسبة– يجبُّ المنطق المتهافِت لمنتقدي الإسلام والشريعة الإسلامية والعلماء، مما يسمونه بـ"فوضى الإفتاء"، فالإفتاء في الدين في الإسلام، ليس بالأمر السهل، وليس متاحًا لأيِّ أحدٍ، وما يقوم به البعض في هذا الصدد، كما يفعل بعض مفتيي التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تنسب نفسها للإسلام ومشروعه، أبعد ما يكون عن صحيح الدين الإسلامي.
هذه نقطة، النقطة الثانية، أنهم عندما دخلوا مساحات الدين لأنهم أدركوا أنه من المستحيل تجاوزها في وجدان المصريين والشعوب العربية والمسلمة، يتحدثون عمَّا "يجوز" و"لا يجوز"، بعبارات لا يذكرون معها أدلتهم الشرعية من الأصل؛ حيث لا يقولون من الأساس، كيف بنوا أحاديثهم هذه، وأية أدلة دفعتهم إلى قول إن ذلك الأمر "يجوز" وهذا الآخر "لا يجوز".
فقط هم يضعون كلمات "الدين" و"الشرع" و"الشريعة"، في أحاديث فضفاضة لتسويقها لعلمهم أن غالب المتابعين والمنصتين لهم، أو لهنَّ، من العوام، ومن قليلي الحظ من التعليم!
ثم إنه -وعفوًا لأي كلام من الممكن أن يكون جريئًا– خطاب النسويات اللواتي بدأن في وضع عبارات الدين والشرع في كلامهم لتسويقه مجتمعيًّا؛ ليس في مصلحة المرأة وصورتها.
ففكرة عزل الزوجة عن واجباتها المنزلية، تحت أي داعٍ؛ ولو المرأة البيتوتية لا يوجد –كما قالت الدكتورة هبة قطب على سبيل المثال– أيُّ سندٍ شرعي بأن تطبخ لزوجها، أو تخدم في بيتها؛ فلماذا هي متزوجة إذًا؟!
بهذا، هي متزوجة بالمنطق الذي يرفضونه أيضًا؛ أنها امرأة فِرَاش أو زوجة للجنس فحسب، لأنه لا يوجد سبب آخر للزواج لديهنَّ أو مُتبقٍ بعد استبعاد ما يرفضنه من أدوار للزوجة.
فالمتعارف عليه، والمنطقي، أن الفتاة تتزوج لكي تكون ربَّة منزل، وتنجِب وتربِّي أبناءها، هذه واجباتها، نظير أنْ يقوم الزوج بباقي الواجبات في العمل والإنفاق وتوفير الحماية، وإذا كانت تريد أن تعمل؛ فلا بأس، والشرع ضمن لها ذمتها المالية المستقلة، ولا هنا محاسبة الإسلام بسلوك بعض المسلمين الضال والخاطئ.
لكن المهم. لو أنها لا تريد أن تقوم بواجباتها كزوجة؛ يكون ما بقِيَ لها، أنها موافقة تبقى امرأة فراش نظير أنَّ زوجها يُأكِّلُها ويُشرِّبُها، وكفى، وهذا أيضًا منطق هم رافضين إياه، وينتقدون –حاشا لله تعالى– الآيات القرآنية التي تعطي الزوجة الحق في الأجر نظير الاستمتاع بها في إطار الزواج الشرعي، كما في سُوَر "النِّساء" و"المائدة" و"الأحزاب"، وغيرها من سُوَرِ القرآن الكريم، بناء على فهم قاصر خاطئ لديهنَّ لكلام اللهِ تعالى، ويجزئنه من السياق القرآني الأشمل عن الزواج، وباقي مفرداته، وعلى رأسها السكن والمودة والرحمة.
هنا يبقى السؤال.. لماذا – إذًا – تتزوج؟!..
هذا ليس معناه أنْ تبقى الزوجة "خدَّامة" بالمعنى السلبي السائد الآن في كثير من بيوت مجتمعاتنا، وإنما نقول ذلك لتنظيم الأمور؛ فالزوج خادم لزوجته وبيته، والزوجة خادمة لزوجها وبيتها ، حتى لو كان دخله مليون جنيه شهريًّا، وحتى لو كانت هي جامعية أو أستاذة كبيرة أو تعمل، أو غير ذلك.
الشرع هنا واضح، في القرآن الكريم، وفي صحيح السيرة النبوية، فالرسول الكريم "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، كان يخدم في بيته، وزوجاته كُنَّ يخدمنَ في بيوتهنَّ.
ثم إن هناك خطيئة أخرى تقع فيها صاحبات هذه النوعية من الخطاب، وهي "النمذجة" أو "القولبة" الجاهزة، بمنطق "تصرفي مثل فلانة"، والتي قد تكون إعلامية أو شخصية عامة، من دون مراعاة لاعتبار مهم في قوانين العمران التي وضعها اللهُ تعالى فينا، وهي اختلاف الظروف الذي يفرض اختلاف الرؤى وطرائق التعامل.
هناك خطيئة أخرى تقع فيها صاحبات هذه النوعية من الخطاب، وهي "النمذجة" أو "القولبة" الجاهزة، بمنطق "تصرفي مثل فلانة"، والتي قد تكون إعلامية أو شخصية عامة، من دون مراعاة لاختلاف الظروف الذي يفرض اختلاف الرؤى وطرائق التعامل
فالسيدة أو الفتاة العادية، لا تملك مؤهلات ولا قدرات هذه النوعية من الشخصيات/ "النموذج".
فعلى سبيل المثال؛ لا تملك المرأة المصرية العادية، ذات إمكانيات أو مؤهلات الإعلامية رضوى الشربيني، والتي مكَّنتها من النهوض من كبوتها بعد تجربتها السلبية مع الزواج، وطلاقها من زوجها.
فالشربيني عندما حدث معها ما حدث في تجربة زواجها وطلاقها؛ استندت على قدراتها الشخصية ومواهبها ومؤهلاتها الأكاديمية واتصالاتها، واستطاعت النهوض من جديد من كبوتها بهذه الأمور، وبالمثل، أيُّ نموذج مشهور من التيار النسوي؛ واجه مشكلات وعانى، ونجح في حياته بعد ذلك.
غير أنه هناك مَن هو مِن مصلحته "تنجيم" وإبراز مثل هذه النماذج لأسباب معروفة تتعلق بتدمير بنية المجتمع ونواته الأساسية، وهي الأسرة، لكن لن أطيل في هذه المنطقة من الحديث لأنها سوف تكون محل جدل، وسوف تضعِف كلامي.
فنقول مباشرةً، إنه مما تعلمناه في العلوم الاجتماعية، وحتى من حِكَم العرب القديمة، وتؤكدها سُنَن الحياة، أنَّ لكل مقامٍ مقال، ولا يصحّ عقلاً مثلما لا يصح مثلاً غلق زجاجة بغطاء قلم، أو غلق قلم بغطاء زجاجة، أن تتصرف فتاة أو امرأة تفتقد إلى المؤهلات الضرورية لكي تصبح "إندبندنت وومن"، كـ"إندبندنت وومن".
لا أحد بطبيعة الحال، يطالب الفئات الضعيفة بالسكون، والسكوت على المظالم، ولكن لا يتم مواجهة هذا الأمر بالتصرف مثل هذه أو تلك، مثلما لا يمكننا غلق الزجاجة بغطاء القلم.. الزجاجة سليمة وغطاء القلم سليم، لكنه لا يلائم الزجاجة، هكذا ببساطة.
فلأنَّ ظروفنا مختلفة؛ فإنه ليس من الحكمة التقليد الأعمى، أو أن نأخذ عن هذه أو تلك ما تقول باعتباره "قطوف حكمة لا يشوبها الخطأ"، ولكن الصواب، البحث عن الحلول في مساحات أخرى ملائمة لكِ.