حق النفس على صاحبها بين: الحب والكراهة والتقدير (2-2)

الرئيسية » خواطر تربوية » حق النفس على صاحبها بين: الحب والكراهة والتقدير (2-2)
muslim

تطرقنا في الجزء السابق إلى مفهومي حب الذات وكراهة الذات، وكيف أن كلا التصورين طرفا نقيض لا يصبان في مصلحة الذات بحال، والوسط بينهما هو التصور الصحيح لمفهوم تقدير الذات.

مفهوم تقدير الذات يمكن التعبير عنه باصطلاحات أخرى، لكني اخترت هذه اللفظة تحديدًا لنستحضر بها قول الله تعالى: {قد جعل الله لكل شيء قدرًا} [الطلاق: 3]. إذ إن أول الخلل في أية معادلة في الحياة الجهل بالموازين والأقدار والحدود الشرعية  أولًا، فلا تعرف متى تصل ومتى تنقطع وكم تكسب وكم تنفق وماذا تختار ومن تختار.. وهكذا.

فإذا جئنا لتقدير الذات كان السؤال ممّن أو ممّاذا تستمدّ شعورك بقيمتك في الحياة؟ ما معايير تقديرك لجودة أدائك لأدوارك المختلفة؟ ومن أين تستقي تلك المعايير؟ وما الركن الذي تأوي إليه حين تعصف بك حيرة أو يزل بك هوى؟ ما مكمن ثباتك في أمرك؟

ومع أن إجابات تلك التساؤلات ينبغي أن تكون واضحة في مرجعية المسلم، إلا أن السائد اليوم هو تضارب وتناحر وتصارع الموارد التي يستمد منها المسلم تقديره ذاته وبالتالي يتذبذب في أرض نفسه ويسهل على من وما حوله تهديد كيانه وتكدير صفوه وزعزعة اطمئنانه. فتارة نستقي التقدير من أنفسنا (أي رضانا الذاتي)، وتارة نستقيه من مدى رضا الناس عنا أو إعجابهم بنا. وحينًا نَقيسُه وفق مدى التزامنا بشعائر الدين، وأحيانًا نستمده من مدى موافقتنا للأعراف السائدة حولنا.

والوسَط بين كل ذلك والحق وسْط كل ذلك أن القيمة الوجود نوعان:

1. قيمة وهبية من حيث إن الله جل وعلا خلقك ولا يخلق عبثًا، وهذه القيمة تكون لكل مخلوقات الله تعالى على الإطلاق بلا تفرقة، ثم زادك أنت أيها العبد المسلم من فضله وهبته واصطفاك فهداك للإسلام وأدخلك في حِماه، والله تعالى أعلم حيث يجعل نعمته ومن يختار لهدايته ويُدخِله في جواره، فلا عبث ولا صدفة ولا اعتباط قطعًا. إذا استحضرت اختيارك لهذه المنحة الجليلة، هانت بجوارها كل محنة، وعظم في سبيلها كل جهاد.

الله تعالى أعلم حيث يجعل نعمته ومن يختار لهدايته ويُدخِله في جواره، فلا عبث ولا صدفة ولا اعتباط قطعًا

لذلك لا تستهن بهذا الحبل المتين وتقطعه بسهولة لأدنى عارض وعند كل صعوبة، بل تمسّك به بعناد وإصرار، واصبر على طول طريق الاستقامة على أمر الله وصابر عثراته؛ وأيقن أثناء كل ذلك أن الله تعالى معك يسمع ويرى ويعلم ما تكابده، وهو سبحانه ظهيرك ونصيرك وموفقك ما دمت: ترجو رضاه وتخشى غضبه، وتبذل وسعك، ولا تمل من التوبة والأوبة. وإنك إذا مِتّ على التقلب بين المجاهدة والخشية والرجاء مولّيًا وجهك شطر مولاك جلّ وعلا، فهو خير عاقبة من أن تُقبض مولّيًا ظهرك لمولاك سبحانه ، ضاربًا بنعمته الكبرى عَرض الحائط بدعوى أنه لا خير فيك، فتَصدُق عليك حينها دعواك ودعاؤك على نفسك بنفسك!!

2. والنوع الثاني قيمة كسبية: وهي ما أسميه عمران الذات وهو الشرط اللازم لكل نفس لتتحرك في الحياة حركة سوية على بصيرة من أمرها. وقد سبق بيانه السبيل إليه في مقالات سابقة منشورة على بصائر، منها مقالة بعنوان: "علوم الاضطرار".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …