لماذا لا يعطيني الله ما أتمنى؟ (1-2)

الرئيسية » خواطر تربوية » لماذا لا يعطيني الله ما أتمنى؟ (1-2)
Muslim family

كم من مسلم يتمنى على الله تعالى أمنيات، ويترقب متى تتحقق بعينها، فإذا طال عليه الأمد يئس وتذبذب أو تململ واشتكى؛ فكيف يكون تعامل المسلم مع الأمنيات وطلبها من الله تعالى؟

بداية، ألستَ أيها المؤمن توقن يقينًا لا يُخالطه شك أنّ الله لو شاء لأعطى؟ لا يمنعه عن العطاء عجز وهو القادر القهار، ولا يُمسِك عطاءه بخلًا وهو الغنيّ يداه مبسوطتان، ولا يُنقِص من مُلكه مسألة سائل ولا حاجة محتاج؟ ألستَ تقرأ قوله تعالى {مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147]، وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، فتُوقن أنه تعالى لا يريد بك إلا خيرًا وهو أرحم بك من والدَيْك؟ إذن، ماذا يترتب على هذا اليقين إذا صدق؟

أول ما يترتب على ذلك اليقين: ألا تـتـحـول أية أمنية إلى الهمّ الأكبر والشغـل الشاغـل والهاجس المقيم. ذلك أن للأمنيات غشاوة إذا انتشرت على القلب أَعْمَته بالافتقار للمفقود حتى تدفعه لجحود الموجود . وتأمل في قوله تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} [الإسراء: 83]. ومعناها: لِيَنظر الإنسان إلى حاله، إذا جئناه بما يُرضيه ويسُرّه مضى مُعرِضا عنّا وابتعد وكأنه غير قانع به. ثم إذا ما أصابته نفحة من الشر، تَمَعَّـن فيها حتى استعظمها في نفْسِه؛ فانتقل بإعراضه من حال عدم الرضا إلى حال فقدان الرجاء فينا!

والتنشئات الخاطئة هي التي حوَّلت الزواج وغيره من أدوات هذه الحياة وأرزاقها من سبيل عون ضمن سبل أخرى إلى غاية بحد ذاته، وآلهة صغيرة تتزاحم في قلوب العباد، وتشغلهم عن الله باسم الله! مصداق قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر:29].

فبدلًا من ابتغاء رضا الله تعالى فيما آتانا بشكره وحسن استخدامه كما أمر، وفيما مَنَع عنا بحمده واليقين بحكمته والتصبر باستعانته، حوَّلنا أدوات الرزق من وسائل استعانة لغايات إلهاء عن أمر الله، فنتوقع أن ننال من كل شيء ونوفَّى من كل رزق تمَامَه وننتظر أن نتساوى بحال غيرنا ممن لا نكفّ عن مدّ أعيننا لما مُتِّعوا به، ونعتب على أقدار الله تعالى وقسمته ما تؤخره عنا من بعض مستحقاتنا! تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. لذلك فليحذر كل مغتمّ لـ "تأخر" زواجه أو غير ذلك من رزق ينتظر حلوله، من تهويل شعور الاحتياج وتضخيم وهم الافتقاد لوجود ذلك الشريك وتكميله له، حتى ينقلب إلهًا صغيرًا بذاته يشعر بـ "الافتقار" له وبدونه لا تكمل ذاته ولا يستقيم وجوده، ولا تَسْلَم له حلاوة عبادة مع استمرار مرارة ذاك المفقود، مع أن الله تعالى الذي له توجه العبادة وإليه وحده الافتقار موجود جلّ وعلا!

وعندما نتأمل في قصة آدم وحواء عليهما السلام، نجد أنّ الله تعالى قد كفاهما وأغناهما بجنة لا يجوعان فيها ولا يَعْرَيان، ولا يظمآن ولا يَضحَيان، فَضْلًا عمّا جعل بينهما من سكن ومودّة. وسط كل هذا النعيم، هل كانا حقًا بحاجة لتلك الشجرة المحرّمة؟ جنة كلها حلال لهما، يأكلان منها رغدًا حيث شاءا، إلا شجرة! شجرة واحدة فقط! للوهلة الأولى تبدو هذه الشجرة هيّنة.. بناقص! إذن كيف وسوس إليهما الشيطان ليغريهما بتلك الواحدة الحرام عن المئات الحلال؟ لقد "زيّنها" في أعينهما، أي أنها لم تكن حقيقة زينة في ذاتها، لكنه "صَوَّر" لهما أنها كذلك، وأيقظ فيهما مطامع خفية لتطلعات لم يكونا حقيقة بحاجة لها، لولا أنهما استرسلا خلفها: أن يكونا مَلَكيْن بالأكل من الشجرة، أو يكونا من الخالدين.

لقد "أوهمها" أنهما يريدان هذا الأمر بشدة، مع أنهما كانا عنه في غناء وسعة، لو اشتغلا بما أحلّ الله عما حرم، لكنه الاسترسال وراء خواطر الاشتياق، والانسياق وراء إلحاح الشيطان بتضخيم الأمنيات المتعذّرة. لقد {دلّاهما بغرور} [الأعراف: 22]، أي ما زال يخدعهما ويزخرف لهما الباطل، وهما مسترسلان في الاستماع لغِوَايته، حتى استحكمت الرغبة فكان الاجتراء على الأكل. وماذا يقول الله في عتابهما: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [الأعراف: 22]. لقد ذكّرهما بأنه نهاهما، وبأن الشيطان لهما عدو. وتلك التذكرة الثانية هي من أكثر ما ننسى أو نستهين بحقيقة تلاعبه بالخواطر وتقليبه للنفوس، فنتوهم أن كل احتياج هو حقًا من نفوسنا، وكل تضخّم هو حقيقة من شدة افتقادنا له.

سبحان الله! هذا من تلبيس إبليس على المؤمن ليَحزُنه، لأن همّ القلب إذا تمكّن منه وطغى على يقينه، ثبّط النفس عن كل خير، وانقلب مرتعًا لخواطر السوء والتسخّط من "بطء" الرزق وتأخير الرزاق وظلم المحروم!

ولو استعذنا بالله وتشاغلنا بأمره، لأعاذنا وشغلنا وأغنانا بحلاله عن حرامه، وكيف لا وهو الذي يدبّر الأمر كله، ويحول بين المرء وقلبه، أو يهديه صراطًا مستقيمًا؟!

ولذلك فحتى تُبارَك أمنياتك وتسلَم لك نفسك:

- ادخـــل على ربك مدخـــل العبد السائـل الـراجـي بيقين في وعد الله وما الله أهله، لا النِّدّ الآمِر بعنجهية والمتشرّط على الله ما يرى أنه يستحقه استحقاقًا!

- افتقر لله لا للأمنيات، واسأل الله من فضله الواسع، واذكر أنك بين اختبار منع ومنح على السواء، وفي كل حكمة وعدل ورحمة، مهما خفيت عنا فالأصل أننا نوقن بالله بالغيب.

- اذكر أن الذي يعيش بنفسية التطلع دائمًا للناقص والافتقار للمفقود حتى يجحد الموجود، سيظل يعيش بها ولو أوتي ما تمنى، لأنه كلما أوتي شيئًا عاد يتمنى بعده أشياء ، فلن يملأ جوفه إلا التراب كما في الحديث: "لو أنَّ ابنَ آدَمَ أُعْطيَ واديًا مَلئًا مِن ذهَبٍ أحَبَّ إليهِ ثانيًا، ولو أُعْطيَ ثانيًا أحَبَّ إليهِ ثالِثًا، ولا يَسُدُّ جَوفَ ابنِ آدَمَ إلا التراب، ويَتوبُ اللُّه علَى مَن تابَ" [البخاري].

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …