قسم بعض علماء الاجتماع الناس إلى صنفين:
الأول: شخص موجه من الداخل.
والثاني: شخص موجه من الآخرين.
فالصنف الأول من الناس تحكمه قناعاته الداخلية، شديد الثقة بنفسه، والاعتداد برأيه، لا يتأثر برأي الآخرين عنه، ويكون لديه -عادة- مبادئ ثابتة واضحة ومرجعية في التعامل مع الأشياء والأحداث، وقد يكون لديه خطة واضحة يسير عليها، وهذا -في الأصل- لا يعني التحجر على الرأي والمواقف، فهو قد يتراجع عن رأي أو يبدل في موقف ونظرة، إلا أن هذا انبثاقا من قناعة داخلية، لا يكون تبعا لأهواء الناس.
ومثل هذا يطبق قول النبي: "لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساؤوا أن لا تَظلِمُوا".
ورغم أن الحديث يتكلم عن ردة الفعل تجاه فعل، إلا أنه يشير إلى أصل العمل.
هذه الاستقلالية لا تعني -بالضرورة- الخيرية والاستقامة، فقد يكون المرء مجرما وضارا لكنه مستقل الرأي لا يرعوي لقولة غير، فهو شيء مركوز في الخلقة، تعززه النجاحات، ويخسؤه الفشل.
في المقابل: يكون الصنف الثاني شديد الحساسية تجاه آراء الآخرين، قليل الثقة بالنفس، يتصرف لإرضاء البشر، قد يلاحق الموضة، والصرعات حتى لا يقال متخلف، وقد يفعل ما يكره لإرضائهم، وهذا يجعله في عيش متوتر وقلق دائم لأنه لا يريد أن يخالف توقعات الناس عنه، فكان كما قيل: "من راقب الناس مات هما"، وراقب هنا بمعنيين: الأول أنه يراقب الناس، والثاني أنه يشعر بمراقبة الناس له، وكلاهما عذاب.
الأسوأ: أن يكون تبعا لكل ناعق من هذه الفئات التي يحرص على رضاها، وليس -بالضرورة- أن يكون هذا الصنف من "الإمعات" شريرا أو خيرا، فهناك صنف يحرص على إرضاء المتدينين من الناس، وصنف آخر يحرص على إرضاء الفاسدين سواء بسواء، الجامع بينهما فقدان الاستقلالية!
لا شك أن البشر لا ينتمون بشكل حدي إلى إحدى هاتين الفئتين، فهناك مساحة واسعة في الوسط، يتوزع فيها كثير من الخلق، بل إن الفرد نفسه قد يسلك في موقف ما سلوكا ينعته بالهوائي التابع، وسلوكا آخر ينعته بالثابت الأصيل، وهذا يختلف حسب القضية.
فمن البشر من يهمه كثيرا رأي الناس في لباسه وشعره ومظهره، ولكن لا يهمه مطلقا رأي الناس في علمه وعقله ومعارفه، ومنهم من هو على النقيض.
السؤال الأهم: ما هي الطريقة البسيطة للخروج منها؟
يعود بنا الأمر إلى بدهية تعطيك الحل، وهي (أساس العمل)، الأصل أن العمل لله، والنية لله، والقصد هو الله.
إذا جعل المرء رضى الله نصب عينيه، تصاغرت أمامه آراء الناس، هذا هدف شريف يزيح غيره، وهو علاج نفسي رائع يصلح لأمراض نفسية واجتماعية شتى، وهو علاج يملكه الغني والفقير، الذكي والغبي، وكل البشر على اختلاف تصانيفهم.
كم دمرت المظهرية والقشورية من أنفس وهدمت من بيوت، وبذرت من تعاسة، وأساءت إلى البشر وإلى علاقاتهم مع بعض,
وسبحان الذي خلق البشر، وخلق عيوبهم، ولكنه أورثهم الحل.
والحمد لله رب العالمين