من المعلوم سلفًا أن ملف التربية من أخطر الملفات التي نتعرض لها جميعا، سواء مربين أو أساتذة أو آباء أو متخصصين، وتلك الشرائح جميعها هي شرائح موجودة في المجتمع، إن لم تكن عماده، فضلا عن الدور الأسري للوالد وأهميته في ترسيخ وتعميق الجوانب الإيجابية في نفوس وعقول أولاده، وأيضًا تصحيح مسار تفكيره، ونحن اليوم - وانطلاقًا من الحرص على أطفالنا وأيضًا من فهم أهمية البيت وتعظيم دوره وخطورة تقاعس المربي الوالد عن دوره، فإننا سنتحدث في هذا المقال عن أهمية البيت بجناحيه (الأب والأم) في تربية الطفل وأثر ذلك عليه.
ولما كان لكل شيء بدايات، فإن بداية التربية الحقيقية للطفل - ولن أكون مبالغا إذا قلت إنها - تبدأ مع وجوده في بطن أمه بل ومنذ الشهر الأول، وكثيرا ما يتحدث الأطباء عن أنه من المفيد أن تتكلم الأم مع جنينها، وتضع يدها على بطنها وتوجه له كلامًا عن الحب، وأنها تنتظره، بل أن هناك ما هو أعظم بأنه يجب على الأم أن تسمع ابنها القرآن وهو في الشهور الأولى في بطنها.
التربية الحقيقية للطفل - ولن أكون مبالغا إذا قلت إنها - تبدأ مع وجوده في بطن أمه بل ومنذ الشهر الأول
يقينًا هذه الآراء كلها مفيدة وإيجابية، ولا شيء فيها، بل مقبولة نقبلها وندعم هذا المسار، وعليه فالتربية من البدايات مهمة وجادة واستمرارها بعد وصول المولود وإعلان الدخول في مرحلة الطفولة هو الدور الأول.
وفور خروجه من عالم الأرحام لعالم الدنيا يحمله والده ليؤذن في أذنيه وهذه خطوة غاية في الأهمية تربويًا بتأسيسه على كلمة التوحيد، كلمات وحروفًا ونطقًا واستماعًا، ثم رويدًا رويدًا يتحول المولود الذي يبكي طوال الليل والنهار للزحف والوقوف والقعود يسير مرة ويسقط مرات وهنا يتجدد دور البيت بجناحيه فيبدأ الأب بترديد صغار السور القرانية أمامه بأسلوب ممتع وصوت جميل وابتسامة واحتضان لولده الذي بدأ يخطو خطوة في حياته.
ويظل الأمر هكذا ببساطة مصحوبًا بتعميق حب النبي - صلى الله عليه وسلم - في عقل وقلب ووجدان الطفل ولا ضير من وجود قصص الأنبياء للأطفال والتعلم منها ومطالعتها ثم قص القصص على الطفل؛ لأن السرد القصصي في التربية من الأمور المهمة والمحفزة والتي تستهوي الطفل عمومًا.
وفي خضم الحياة وحدوث انشغال للأب يجب ألا يتوقف التوجيه التربوي للطفل وعلى الجميع أن يؤدي دوره، فيبدأ في السابعة تعليمه الوضوء والصلاة والقراءة، وتعميق أهمية الصاحب الصالح والعمل الصالح بفهم صالح من جناحي البيت، وأهمية ترسيخ حب الوالدين والأجداد في قلبه وأهمية توقيرهم وتقبيل أيديهم يوميًا مع شرح مبسط لفضل البر والإحسان.
يجب ألا يتوقف التوجيه التربوي للطفل وعلى الجميع أن يؤدي دوره، فيبدأ في السابعة تعليمه الوضوء والصلاة والقراءة، وتعميق أهمية الصاحب الصالح والعمل الصالح بفهم صالح من جناحي البيت
وهنا لا بد أن نشدد على أمرين غاية في الخطورة في تربية الطفل، لا بد أن يراهما الطفل في والديه واقعًا ملموسا بلا تزييف وهما:
أولًا/ القدوة:
وعلة الأمر والتشديد فيه أن الطفل يقلد ما حوله وما يشاهده ويراه ويتأثر بما يسمعه من ألفاظ طيبة أو سلبية.
ثانيًا/ الرفق:
والمعنى هو الود والتلطف في التعامل معه، بعيدا عن الصوت العالي أو الضرب والقسوة في المعاملة.
ونحن وأمام هذه الحياة الجديدة والضيف الجديد لا بد أن يتقي الوالدان ربهما في تربيته ويعلمانه كل مفيد ونافع له في الدنيا والآخرة، فالتعليم في الصغر كالنقش في الحجر، وهنا يكون حتميا تعليمه الأذكار والأوراد اليومية عند تناوله الطعام والشراب ودخوله الحمام وأهمية أن يكون مستورًا وأن يستر عوراته منذ صغره، وتعليمه ماهية العورة في الأساس، وكل هذه قيم قد يراها البعض هامشية لكنها مفصلية في تكوين شخصيته.
لا بد أن يتقي الوالدان ربهما في تربيته ويعلمانه كل مفيد ونافع له في الدنيا والآخرة، فالتعليم في الصغر كالنقش في الحجر
ونحن - وكما ذكرنا - هذه الجوانب في تعليم الطفل والأخذ بيده لكل خير، فإننا نوجه توجيهًا تربويًا لكل أب وأم نحذرهم به من الوقوع في أخطاء كبيرة المعنى بسيطة الأسلوب في نظرهم لكنها مؤثرة عند الطفل.
أولًا/ التعجل بالحكم على أفعال الطفل:
وهو ما نسميه سوء الظن والحكم نتيجة ذلك، وتلك طامة عواقبها وخيمة؛ لأن الطفل لا ينسى مواقف القسوة في صغره، أو ضربه أو حتى خذلانه، كما لا ينسى أيامه الجميلة ، وتلك إجمالا عادة البشر وكلنا ذوو خطأ.
ثانيًا/ القصص المخيفة:
إن نظرية "أمنا الغولة" والحيوان المفترس الذي سيأتي إليك ويأكلك إن لم تنم أو إن لم تفعل كذا وكذا تلك أمور معيبة في معالم التربية، وسقطة على الوالدين الترفع عن الوقوع فيها؛ فهي زلل تربوي لا يفيد ولا يقدم، بل يعطل ويؤخر ويصيب الطفل بضعف الشخصية والانطواء والخوف الشديد.
ختاما..
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالأب راع في بيته وعليه أن يسعى لأن يكون مصباحًا يضيء لمن في البيت، ويزيل كل ظلام الخوف أو عدم الأمان، ويحتوي ويقرب ويحبب وينشر ثقافة التربية الناجحة بكل حب وود وطاعة لله، جاعلا الرسول قدوته في كل تصرف وفعل وقول وله في هذا سعادة الدارين.