تأتي قضية إسلامية المعرفة والثقافة كأحد أهم مكونات المشروع الصحوي الإسلامي في المجال الفكري، نظريًّا وتطبيقيًّا؛ حيث الثقافة والمعرفة صنوان لمفهوم الحضارة، وأثرها التراكمي في حياة الأمم والمجتمعات.
فلا يكتمل أي مشروع وطني أو أممي، أيًّا كانت هويته، من دون أن تكون له هوية ثقافية تنطلق من مرتكز هويته الأساسية (دينية أو قومية أو أيًّا كانت طبيعة هذا المرتكز) الذي يلخِّص أماني وطموحات الشعب، أو الشعوب التي تنتمي إلى هذا المشروع.
وبطبيعة الحال لا يمكن تمام البناء من دون أصول راسخة تنهض بهذا البناء، وبالتالي فإن أهم ما ينبغي البحث عنه، هو تقديم نماذج حالة إيجابية مُعَبِّرة عن الهوية الثقافية والمعرفية للمشروع وهويته الأصلية، مع الرد على الاتهامات الموجهة إلى المنظومة الإسلامية، بأنها غير قادرة على إنهاض مشروع حضاري إسلامي، في تجاهل كامل لميراث دام لقرون تسيَّدت فيه الأمة العالم بمنجزاتها الذاتية في مختلف مناحي الحضارة.
مع الكتاب:
وبين أيدينا كتاب ظهر في العام 2011م، ضمن أحد أهم المشروعات البحثية التي ظهرت في العقود الأخيرة، ولكن لم يُكتَب له الاستمرار للأسف، وهو مشروع حمل عنوان "قراءة في الفكر الحضاري لأعلام الأمة"، والذي كانت ترعاه نخبة من الأكاديميين والمفكرين من خلال مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الذي كان يرعى هذا المشروع.
الكتاب هو الثاني ضمن السلسلة، التي كان المركز يصدرها بالتعاون مع عدد من دور النشر والمراكز البحثية الأخرى؛ فقد كان يعقد ندوة حول أحد رموز المفكرين المعاصرين، من مختلف المدارس الفكرية.
وكانت البداية مع الدكتور عبد الوهاب المسيري، وعُقِدَت الندوة بالتعاون مع معهد الدراسات المعرفية، أما الندوة الثانية، فقد كانت عن المفكرة والفيلسوفة الدكتورة منى أبو الفضل، بالتعاون مع مركز الحضارة للدراسات السياسية، ثم كانت الندوة الثالثة، عن فكر الدكتور السيد يسين، بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة، قبل أن يتوقف مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات عن عقد هذه السلسلة من الندوات.
كان مركز الحضارة للدراسات السياسية، أحد الروافد التي نشأت في المجال البحثي والأكاديمي ذات الاتجاه الإسلامي، وكان يشرف عليه عدد من أساتذة العلوم السياسية من المنتمين إلى المشروع الصحوي الإسلامي، مثل الدكتورة هالة مصطفى، التي كانت مديرة مركز الدراسات الحضارية وحوار الثقافات، والدكتور سيف عبد الفتاح، الذي كان مديرًا لمركز الحضارة للدراسات السياسية.
وكان لاختيار الدكتورة منى أبو الفضل محورًا لهذه الندوة، أكثر من باعثٍ. منها: تقديمها نموذجًا نسويًّا مهمًّا للمرأة المسلمة، وقدرتها على تأسيس تجربة ذات تأثير عميق في محيطها الثقافي والمجتمعي، كذلك المحتوى نفسه الذي قدمته في مجال تطوير البحث الأكاديمي والفكر الإسلامي، وكيف نظر الإسلام إلى المرأة، والمحتوى الحضاري القادر هذا الدين على النهوض به بشكل عام.
شملت الندوة خمسَ جلسات، اعتمدت منهجية معينة، بتناول قضية عامة في مجال العمران والاجتماع، ثم مداخلة تعمل على تخصيص هذه القضايا في فكر الدكتورة منى أبو الفضل ومشروعها الثقافي والمجتمعي.
ومنى أبو الفضل هي الدكتورة منى محمد عبد المنعم أبو الفضل (1945م - 2008م)، أكاديمية مصرية عملت أستاذة للعلوم السياسية في جامعة القاهرة وجامعة قرطبة بولاية فرجينيا الأمريكية، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة، وتُصَنَّف على أنها صاحبـة مدرســة فكرية في المنظور الحضاري الإسلامي للعلوم السياسية والعلوم الاجتماعية.
والدها هو الدكتور محمد عبد المنعم أبو الفضل، الذي كان أستاذًا لطب التحاليل بكلية طب قصر العيني، بجامعة القاهرة، ووالدتها الدكتورة زهيرة حافظ عابدين، أستاذ طب الأطفال بطب القصر العيني. وكانت متزوجة من الدكتور طه جابر العلواني، أستاذ أصول الفقه والرئيس السابق للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، ورئيس جامعة قرطبة (جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية) بفرجينيا الأمريكية.
في مجال نشاطها النسوي، أسست "كرسي زهيرة عابدين للدراسات النسوية"، في الولايات المتحدة عام 1998م، ثم أسست جمعية "دراسات المرأة والحضارة" في القاهرة عام 2001م، وصدرت عنها مجلة "المرأة والحضارة"، وصدر منها عددان، كما أعدت العديد من المشروعات ذات الصلة، من بينها "ببليوجرافيا المرأة".
من مؤلفاتها:
- "الأمة القطب: نحو تأصيل منهاجي لمفهوم الأمة في الإسلام"، وصدر في العام 2005م
- "من قضايا تطوير التعليم في الوطن العربي: نحو منهجية علمية لتدريس النظم السياسية العربية"، وصدر في العام 2006م
ناقشت كل جلسة من جلسات الندوة الخمس، محورًا من محاور فكر منى أبو الفضل في المجالات التي اهتمت بها.
تناولت الجلسة الأولى قضايا عامة أولية؛ حيث قدمت الدكتورة نادية مصطفى ورقة عن مفهوم المنظور الحضاري في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وكيفية بنائه، ثم خصص الدكتور سيف عبد الفتاح ذلك على المنظومة الفكرية لمنى أبو الفضل.
أما الجلسة الثانية، الجلسة الثانية، كانت عن التعامل مع التراث وأصوله، وقدم فيها الدكتور السيد عمر ورقة عن منهجية التعامل منع التراث، والباحث مدحت ماهر ورقة عن منهجية التعامل مع الأصول، فيما قدمت الباحثة شيماء بهاء الدين ورقة عن أعلام التجديد في علوم الأمة والعمران، مع قراءة في العطاء المعرفي للدكتورة منى أبو الفضل.
الجلسة الثالثة، كانت عن دراسات المرأة من منظور حضاري، وفيها قدمت الدكتورة أماني صالح ورقة عن إسهام الدكتورة منى أبو الفضل في مجال التأصيل لدراسات المرأة من منظور حضاري إسلامي، والباحثة هند مصطفى، ورقة عن دور الدكتورة منى في تأسيس حقل دراسات المرأة من الداخل المسلم، فيما قدمت الباحثة فاطمة حافظ ورقة عن قضية المرأة والحضارة، وكيف تناولتها الدكتورة منى أبو الفضل.
الجلسة الرابعة، تناولت دراسة حول النظم السياسية والعلاقة بين الإسلام والغرب من خلال تقرير "الأمة في العالم" الذي كان يصدره مركز الحضارة للدراسات السياسية، وفيها قدمت الدكتورة باكينام الشرقاوي، ورقة عن المنظور الحضاري بين نقده لنظريات حقل النظم السياسية ودراسة واقع النظم السياسية العربية، والدكتور محمد صُفَّار ورقة حول التأثيرات المتبادلة بين الشرق والغرب، وكيف يمكن للعالم العربي والإسلامي تقديم بديل ثالث، ثم قدمت الباحثة أميرة عليِّ الدين أبو سمرة ورقة عن رؤية الدكتورة منى أبو الفضل للنظام الدولي وموقع الأمة الإسلامية منه.
أما الجلسة الخامسة، فقد كانت حلقة نقاشية تضمنت شهادات عن العطاء والخبرة الإنسانية للدكتورة منى أبو الفضل.
تضمن الكتاب عددًا من الملاحق منها ثبت بما هو متاح من أعمالها، وما كتب عنها بعد رحيله، بالإضافة إلى ألبوم صور خاص بها في مراحلها العمرية المختلفة.
وبالإضافة إلى الدكتورة نادية مصطفى، والدكتور سيف عبد الفتاح، والأسماء السابقة، شارك في الندوة عدد كبير من الأكاديميين، كرؤساء جلسات ومُعَقِّبين، منهم الدكتورة علياء المهدي عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في ذلك الوقت، والدكتور إبراهيم البيومي غانم، والدكتور هيثم الخيَّاط، والدكتورة علا أبو زيد.
بطاقة الكتاب:
اسم المؤلف: نادية محمود مصطفى (د) وآخرون.
عنوان الكتاب: التحول المعرفي والتغيير الحضاري.. قراءة في منظومة فكر منى أبو الفضل
مكان النشر: القاهرة
الناشر: دار البشير للثقافة والعلوم
اسم السلسلة: قراءة في الفكر الحضاري لأعلام الأمة (2)
تاريخ النشر: 2011م
الطبعة: الطبعة الأولى
عدد الصفحات: 555 صفحة من القطع الكبير
