ستظل سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقصص الصحابة من أعظم القصص وأبرزها تأثيرًا على حياتنا؛ فمن جهة لا يمل الإنسان من قراءتها ومن جهة أخرى تظل دومًا حافلة بالدروس والعبر، وفي كل مرة نقرأها نتعلم شيئًا جديدًا وتلامس قلوبنا مشاعر مميزة ومختلفة، وكتابنا اليوم يتحدث عن صحابي جليل وهو كعب بن مالك - رضي الله عنه، وقصة من أجمل القصص النبوية القرآنية وهي قصة الصحابة الثلاثة الذين خُلفوا عن غزوة تبوك، وهو منهم.
ويلقي المؤلف محمد حشمت في كتابه الضوء على الجوانب النفسية والتربوية في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه.
مع الكتاب:
يروي الكتاب قصة كعب بن مالك -رضي الله عنه- منذ أيام الجاهلية وحتى إسلامه، ثم يحكي قصة تخلفه عن غزة تبوك بالتفصيل، بحيث يشكل الجزء الأخير التركيز والنسبة الأكبر من الكتاب.
فيبدأ المؤلف بحكاية قصة إسلام كعب بن مالك رضي الله عنه، ودوره في غزوة بدر. ثم ينطلق ليروي لنا أجواء غزوة تبوك وقصة تخلف كعب ـــرضي الله عنهـــ عنها ذاكرًا الدروس والعبر التي لنا أن تعلمها من تلك القصة الرائعة والمؤثرة:
لمحة أبوية تربوية:
فيبدأ الكاتب القصة تحت عنوان "طريقة كعب رضي الله عنه في التربية". فيعلق على أن راوي قصة تخلف كعب رضي الله عنه عن غزوة تبوك هو ولده عبد الله بن كعب بن مالك رضي الله عنهما. ويشير الكاتب بهذا إلى أهمية أن يحرص الآباء على حكاية بعض أخطائهم والأمور التي ندموا عليها في حياتهم لأبنائهم، ليستفيد الأبناء منها ولا يكرروا ذات الخطأ. وليعلموا من جهة أخرى أن ارتكاب الخطأ لا يقلل من قيمة الإنسان سيما إذا كان أبًا أو أمًا، وإنما يؤكد على إنسانيته وألا أحد من البشر معصوم من الخطأ.
أنزل نفسك قدرها:
وهذا درس آخر نتعلمه من قصة ابن مالك رضي الله عنه. حيث يقول في روايته للقصة: "لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك". ويرى الكاتب في نفي كعب رضي الله عنه لعدم تخلفه عن أية غزوة في الماضي، نوعًا من "تقدير الذات" وإدراك الإنسان لقيمة نفسه وما حققه، فلا يحط من قدر نفسه لارتكابه خطأ أو معصية، ولا يغتر في ذات الوقت بكثرة عباداته وطاعاته.
الاعتراف بمشاعر الندم والرضا بقضاء الله:
يذكر كعب رضي الله عنه في روايته للقصة كيف أنه قد سنحت له الفرصة ليلحق بركب النبي صلى الله عليه وسلم حتى بعد رحيلهم من المدينة، وذلك كما فعل الصحابي الجليل أبو خيثمة الأنصاري ولحق بالركب، بينما لم يفعل هو ذلك. فيقول بن مالك رضي الله عنه في روايته للقصة: "وهممت أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلت"، ثم يستدركها بقوله: "فلم يُقدَّر لي ذلك". وهنا يذكر الكاتب أهمية إدراك المسلم لخطئه وندمه عليه، وضرورة أن يُذكِّر نفسه في نفس الوقت أن الأمور تجري بالمقادير وقضاء الله تعالى. يقول تعالى في كتابه العزيز: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49].
وعلى هذا، على المسلم أن يتعلم من أخطائه ويتوب إن ارتكب معصية. وألا ينسى أن كل أمره خير، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه: "عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلَّا المؤمنُ" [صحيح مسلم]
الحيْرة في الخيارات وأهمية الصحبة الصالحة:
حين اعترف كعب بن مالك رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم ألا عذر له في التخلف عن غزوة تبوك وأبى الكذب كما فعل المنافقون، لامه "رجال من بني سلمة" واقترحوا ألو كذب على النبي صلى الله عليه وسلم ونجا بنفسه. وأخذوا يلومونه حتى كاد يحيد عن الصواب الذي فعله. وهنا يأتي دور الصحبة الصالحة في إعانة المسلم على الثبات على الحق بعد الاستعانة بالله تعالى، فحين عرف كعب رضي الله عنه أن هناك اثنان غيره من الصحابة فعلوا مثلما فعل وقالوا مثلما قال، كان أن ثبت على موقفه، ووالت عن مشاعر الحيْرة والتوجس.
أنواع الابتلاء:
ويختم كاتبنا القصة بذكر أنواع الابتلاء في الدنيا، فيقسمها لنوعين:
- ابتلاء يكون في نقطة الضعف.
- ابتلاء يكون في نقطة القوة.
ويشير إلى أن الابتلاء في نقطة الضعف هو الذي يحل بمعظم البشر، فيمتحنهم الله في شهواتهم. أما الابتلاء في نقطة القوة فيكون لندرة من البشر، ويسميه الكاتب "ابتلاء الكبار"، أو "الابتلاء الخاص"، ويروي مثالَ "حادثة الإفك"، وكيف كان مصاب السيدة عائشة رضي الله عنها عظيمًا. ويؤكد الكاتب أن العبد إذا اجتاز هذا الابتلاء العظيم "فلا يتغير حاله وفقط بل تتغير منزلته أيضًا"
وختامًا، فإن الكتاب فريد ومفصل في وصفه للأحداث والتعليق على كل جملة في حكاية كعب بن مالك رضي الله عنه، وتحليلها بصورة عميقة وأخاذة. كما أن الدروس المستفادة مشروحة بصورة يسهل فهمها وتطبيقها بإرادة من الإنسان وتوفيق من الله سبحانه وتعالى.
مع المؤلف:
- باحث وكاتب ومحاضر بكلية العلوم الإسلامية في جامعة المدينة العالمية.
- حصل على ليسـانس اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم في جامعة القاهرة.
- حصل على ماجـستير العقيدة من كلية العلوم الإسلامية- جامعة ميديو – ماليزيا.
من مؤلفاته:
- نظرية الدين والتدين، الفهم والوهم
- الأمة وأسرار الابتلاء
- خوّات في ظلال التربية النبوية
- الرميصاء ظلال التربية النبوية
- الخلاصة في علم مصطلح الحديث
- جابر بن عبد الله ظلال التربية النبوية
- حذيفة بن اليمان ظلال التربية النبوية
بطاقة الكتاب:
العنوان: كعب بن مالك في ظلال التربية النبوية
المؤلف: محمد حشمت إبراهيم سعدة
دار النشر: مفكرون الدولية للنشر والتوزيع
سنة النشر: 2018
عدد الصفحات: 152 صفحة
