الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى: الإشارات والتنبيهات

الرئيسية » بصائر الفكر » الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى: الإشارات والتنبيهات
الدروس-المستفادة-من-حادثة-الاسراء-والمعراج الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الإشارات والتنبيهات

أولى الإشارات والتنبيهات التي تظهر في قصة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، هي هيمنة الدين الإسلامي على كل دين قبله، ووراثة المسلمين لميراث الأنبياء من قبلهم، فلا دين من بعد مجيء الإسلام إلاه، ولا نبي إلا نبيه، ولا تشريع إلا تشريعه.

المسجد الحرام هو رمز الإسلام ورايته الكبرى، والمسجد الأقصى بمدينته (مدينة القدس) هو رمز الدين السابق (المسيحي واليهودي)، والإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى جعل المسجد الأقصى بمدينته رمزًا للإسلام كما المسجد الحرام سواء بسواء.

وثانية الإشارات والتنبيهات - في هذه القصة – هي الإشارة إلى ذلك الصراع الذي سيستمر ويبقى، بين أمة الإسلام من ناحية، واليهود والصليبيين من ناحية أخرى؛ فمعركة الإسلام الكبرى هي معركته مع اليهودية والصليبية، وقد كان المفترض أن يهرع أتباع هاتين الديانتين إلى الإسلام، الذي يمثل تتمة أديانهم، ويمثل كتابه تتمة كتبهم، ويمثل نبيه خاتم أنبيائهم.

كان المنتظر أن تكون الأديان السماوية دينًا واحدًا في النهاية، رسالة سماوية تأتي بعد رسالة فترثها وتهيمن عليها وتضيف إليها، حتى يأتي الدين الخاتم الكامل على يد النبي الخاتم محمد - صلى الله عليه وسلم.

ولكن الذي حدث، هو العكس تمامًا، فلا يحقد على دين الإسلام مثل اليهود والنصارى، ولا يعاديه مثلهم.

الأديان السماوية دين واحد، رسالة سماوية تأتي بعد رسالة فترثها وتهيمن عليها وتضيف إليها، حتى يأتي الدين الخاتم الكامل على يد النبي الخاتم محمد - صلى الله عليه وسلم

ولما تمادى العداء بين الأديان السماوية الثلاثة إلى هذا الحد، انتشرت في مقابل ذلك الأديان البشرية الوضعية، وانتشر كذلك الإلحاد بعلمانيته الملحدة، ومعركة الإسلام مع الصليبية، هي معركة مع الصليبية وليس مع المسيحية، والفرق بين الاصطلاحين واضح، لكل ذي بصيرة.

فالمسيحية - كدين - هي دين محبة وسلام، وكتابها (الإنجيل) هو كتاب في مجمله يحمل المحبة والسلام للعالم أجمع، وللأعداء قبل الأحباء، أما الصليبية فهي التطرف المسيحي: الاعتقادي والسلوكي، الذي يجعل المسلمين أعدى الأعداء، ويجعل استباحة بلادهم وأنفسهم وأموالهم قربة إلى الله، وهو ما حدث في الحروب الصليبية.

أما معركة الإسلام مع اليهودية، فهي معركة مع اليهودية كدين؛ لأن التحريف الذي وصل اليهودية كدين، جعلها دين سفك لدماء الآخرين، واستباحة لأرضهم وأموالهم.

فإذا كانت الصليبية هي التطرف داخل المسيحية، فإن اليهودية هي التطرف ذاته، بكل ما فيها من اعتقاد وأفكار.

وغير المتطرفين مع اليهود الذين يعادون الصهيونية، هم قلة نادرة لا يقاس عليها، وهي قلة في النهاية متدينة بدين اليهودية ومعتقدة بكتابها المقدس: التوراة بعد تحريفه وتزويره، وكتاب التوراة بعد تحريفه وتزويره هو أكبر كتاب يدعو إلى التطرف والعنف، والتعالي العنصري والديني، إلى حد استعباد الآخرين، ومعاملتهم معاملة الحيوانات، كما هو موجود في آيات ذلك الكتاب المقدس المزور!

إن رفض بعض اليهود للصهيونية - التي تعني تجمع اليهود في أرض فلسطين - وإقامة دولتهم الموعودة/ المزعومة هو رفض ليس سببه إنكار ظلم الفلسطينين وسلب أرضهم وأموالهم، وإنما سببه أنهم يرون أن في ذلك نهايتهم، كما يقرؤونها في بعض نبوءاتهم، التي تؤكد على أن تجمع اليهود في أرض فلسطين سيكون هو المؤشر على نهايتهم الوشيكة.

وهذا هو الذي يقوله ربنا تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 4 - 8]

لا يخلف الله وعده، فإن كان اليهود قد تجمعوا فليس لهم إلا الشتات مرة أخرى، بوعد الله فيهم، وإن كانوا قد علوا فليس لهم إلا الصغار والاضطهاد مرة أخرى، بوعد الله فيهم

فتجمع اليهود في أرض المسجد الأقصى، وعلوهم في الأرض، إيذان بتحقق وعد الله فيهم، ببعث عبادٍ له، يدخلون المسجد الأقصى، ويدمرون دولة اليهود، ويكسرون شوكتهم.

الشتات كتابٌ كتبه الله على اليهود؛ لكفرهم وفجورهم، وقتلهم للأنبياء، وتحريفهم لكتاب الله فيهم، قال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} [الأعراف: 168]، وتجمعهم في أرض فلسطين مخالف لكتاب الله عليهم.

والصغار والاضطهاد كتابٌ كتبه الله على اليهود؛ لكفرهم وفجورهم، وقتلهم للأنبياء، وتحريفهم لكتاب الله فيهم، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167]، وعلوهم في الأرض مخالف لكتاب الله عليهم.

لا يخلف الله وعده، فإن كان اليهود قد تجمعوا فليس لهم إلا الشتات مرة أخرى، بوعد الله فيهم، وإن كانوا قد علوا فليس لهم إلا الصغار والاضطهاد مرة أخرى، بوعد الله فيهم.

وثالث الإشارات والتنبيهات في قصة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم العروج إلى الله، الإشارة إلى أن المسجد الحرام يمثل دائما لأمة الإسلام المنطلق كما كان في رحلة إسراء النبي - صلى الله عليه وسلم - منطلقًا له، ويمثل المسجد الأقصى الهدف أو الغاية القريبة للأمة كما كان في قصة الإسراء للنبي غاية قريبة له، والتي من بعد تمام الوصول إليها تكون الرحلة إلى الله هي الغاية الكبرى والهدف الأسمى، ذلك للأمة كما كان للنبي في قصة المعراج.

المسجد الأقصى هو المؤشر الأقوى على حال الأمة، فإن كان في حوزتها فهو المؤشر على عافيتها وقوتها وتمسكها بدينها وشرعها، وإن كان في حوزة عدوها (الصليبي أو اليهودي) فهو المؤشر على ضعفها وهوانها وتخليها عن دينها وشرعها

المسجد الحرام هو منطلق أمة الإسلام، ووصولهم للمسجد الأقصى واستحواذهم عليه، يمثل الهدف القريب الذي يجب دائمًا أن يسعوا إليه؛ لأن استحواذهم عليه يعني أنهم في قوة ومنعة لحماية دينهم وأرضهم، وهو ما نراه على مر التاريخ، أما ضعفهم عن الاستحواذ على المسجد الأقصى، وسرقته من قبل الصليبيين تارة واليهود تارة، فهو ما يشير إلى ضعفهم وخورهم، ومن ثم يشير بقوة إلى بعدهم عن دينهم وشرعهم، فلا ضعف لأمة الإسلام خاصة إلا بالبعد عن الدين، ولا قوة لها إلا بالقرب منه.

ولن تصل أمة الإسلام وصولا تاما إلى الله إرضاء له وقربا منه، إلا بتمسكها بدينها، وقوتها به، ومن ثم قدرتها على الحفاظ على مقدساتها، وفي مقدمتها المسجد الأقصى.

فلننظر إلى تاريخ أمة الإسلام، لكي نرى أن المسجد الأقصى هو المؤشر الأقوى على حالها، فإن كان في حوزتها فهو المؤشر على عافيتها وقوتها وتمسكها بدينها وشرعها، وإن كان في حوزة عدوها (الصليبي أو اليهودي) فهو المؤشر على ضعفها وهوانها وتخليها عن دينها وشرعها.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …