الصداقة مبادئ ومواقف

الرئيسية » حصاد الفكر » الصداقة مبادئ ومواقف
موضوع-عن-الصداقة-بالانجليزي الصداقة مبادئ ومواقف أهمية الصديق أهمية الصداقة الصديقة الحقيقي الصداقات التي تدوم ماذا يعني كلمة صديق

الصداقة هي العلاقة الأكثر جمالًا بين شخصين، تجمعهما المودة والمحبة والتضحية والمشاركة الوجدانية والعملية في الأفراح والأتراح.

أهمية الصداقة

لم يغفل ديننا الحنيف أهمية الصداقة، والحرص على اختيار الصديق، حينما قال رسولنا - صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" [المستدرك على الصحيحين: حديث رقم 7525]

حينما أمر الله – عز وجل – رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة من مكة إلى المدينة اختار رفيقًا في رحلته، وكان صديقه الذي صدّقه حينما كذّبه الناس، وآمن به عندما كفر غيره، وقد شرّفه الله بذكره في قرآنه حينما قال تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40]، وقد قال رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في حديث له: "لو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِن أُمَّتي لاتَّخَذْتُ أبا بَكْرٍ" [صحيح البخاري: حديث رقم 3904]

إذا بنيت علاقة الصداقة على غير المبادئ فستكون علاقة خاسرة، تنهار مع أول موقف يحدث بين الصديقين

صفات الصديق الحقيقي

بيد أن هذا الرباط الجميل من المودة والتواصل لا بد له من شروط يجب أن يراعيها الإنسان وهو يتخير صديقه، أهمها أن يكون هذا الصديق وفيًا صادقًا، يدافع عن صديقه في حضوره وغيابه، يسمع همه، ويشاركه كربه، ويخشى عليه من تقلبات الأيام، ويحفظ سره، ويُبقي على وداده مهما عصفت بينهم العواصف، أو اقتحمت حياتهم الفتن.

إذا بنيت علاقة الصداقة على غير ذلك من المبادئ فستكون علاقة خاسرة، تنهار مع أول موقف يحدث بين الصديقين، وكم من صداقات تقطعت وندم أصحابها؛ لأنهم اكتشفوا أن من اصطفوه لا يعرف للمروءة سبيلًا، ولا للأمانة طريقًا، ولا للوفاء والتضحية مسلكًا، بل ربما ضحى أحدهما بصاحبه ليصل إلى مبتغاه، وركب ظهره ليرتقي ويصل إلى مأربه.

العلاقة التي يكون أساسها الصدق تدوم في الدنيا والآخرة، فالأخلاء يوم القيامة يتحولون إلى أعداء إلا المتقين

كم من صداقات انبترت لعدم توافر الصفو والوداد الحقيقي، وصدق الشافعي حينما قال:

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة :: فلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله :: ويلقاه من بعد المودة بالجفا
ويُنكر عيشًا قد تقادم عهده :: ويظهر سرًا كان بالأمس قد خفا

الصدق ركيزة الصداقة

إننا نرى حولنا نماذج راقية لصداقات استمرت سنوات وسنوات؛ لأنها قامت على الصدق، ولم تقم على مصالح متبادلة، ولا منافع مرجوة، والعلاقة التي يكون أساسها الصدق تدوم في الدنيا والآخرة، فالأخلاء يوم القيامة يتحولون إلى أعداء إلا المتقين، ولذلك حثنا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - على اختيار الصديق حينما قال: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صاحِبِ المِسْكِ وكِيرِ الحَدَّادِ..." [صحيح البخاري: حديث رقم 2101]؛ فالصاحب الذي تختاره على أساس الصلاح والوفاء يشبه بائع المسك الذي لن تجد منه إلا الريح الطيب.

إن المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، والصداقات الحقيقية قوة حقيقية وكنز حقيقي للإنسان، يجده حينما تنقلب عليه الدنيا، ويستند إليه حينما تخونه قوته، أو تخونه الحياة.

صفات الصديق المزيف

هؤلاء الذين لا يعرفون قيمة هذا الرباط فيغدرون ويهتكون ستر أصحابهم، يخرجون من دائرة الاتصاف بالأخلاق، والذي يبحث عن هفوات صديقه، ويجاهر بها حينما تنقطع أواصر الصداقة بينهما هو ممن يخالفون المروءة، والذي يسعى إلى تقطيع العلاقات الأخوية بين الناس مكروه منبوذ في ديننا، والذي يبحث عن عيوب الناس ويتتبع عوراتهم، ليكشف ستر الله عنهم، يفضحه الله على رؤوس الأشهاد، "من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" [صحيح الجامع: حديث رقم 7984]

إننا يجب أن نعي جيدًا أنه لا يصلح للصحبة والصداقة كل من يجمعنا به لقاء أو عمل، وأنه علينا أن نصطفي من يدخل حياتنا، ونستأمنه على أجزاء من كرامتنا، حينما نفضي إليه بأسرارنا، وصدق من قال:

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبا :: إن الكذوب يشين حرًا يصحبُ
يلقاك يقسم أنه بك واثق :: وإذا توارى عنك فهو العقربُ
يسقيك من طرف اللسان حلاوة :: ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ
لا خير في ود امرئ متملق :: حلو اللسان وقلبه يتلهّبُ

الإنسان الذي يتصف بالغدر لا يصح أن يؤتمن على عرض أو سر، ولذلك قال رسولنا - صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي" [سنن الترمذي: حديث رقم 2395]

استقامة الطبع تدفع صاحبها إلى أن يكون تقيًا نقيًا، لا يعرف للغدر موضعًا، ولا يطرق للدناءة بابًا، ولا يفتح للشيطان طريقًا يتسلل منه إلى المناطق الدافئة في العلاقات الإنسانية

أساس العلاقات الناجحة

إن العلاقات لو بنيت بين الناس على أساس الصدق والمودة لن تجد قطيعة ولا حسدًا ولا بغضًا، وإذا بنيت على أساس من المجاملات أو النفاق تزول بزوال أسبابها، وكم رأينا من أصحاب المناصب من اجتمع حوله الأفاقون يداهنون ويكذبون، ويقسمون زورًا وبهتانًا على صدق محبتهم وصفاء نواياهم، لكنهم مع زوال المناصب وتغير الأماكن ينكشف عوار أخلاقهم، ويتحولون من كونهم أصدقاء أصفياء إلى ذئاب بشرية تهتك عرض الراحل عن المنصب، وهذا السلوك ينم عن خسة في الطبائع ولؤم في النفوس.

فلا ريب أن استقامة الطبع تدفع صاحبها إلى أن يكون تقيًا نقيًا، لا يعرف للغدر موضعًا، ولا يطرق للدناءة بابًا، ولا يفتح للشيطان طريقًا يتسلل منه إلى المناطق الدافئة في العلاقات الإنسانية.

العاقل يجب أن يعرف من يتخيره، ليكون رفيقه في الدنيا، ويجتمع معه في ظل الرحمن مع المتحابين فيه يوم لا ظل إلا ظله.

 

 

أ.د. ماهر الجبالي
أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • أكاديمية بالعقل نبدأ
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …