العالم الإسلامي والتغيُّر المناخي مقاربة خاسرة بعيدة عن المنهج!

الرئيسية » بصائر الفكر » العالم الإسلامي والتغيُّر المناخي مقاربة خاسرة بعيدة عن المنهج!
العالم الإسلامي والتغيُّر المناخي مقاربة خاسرة بعيدة عن المنهج مؤتمر المناخ - مشاكل المناخ - مؤتمر المناخ في شرم الشيخ - توصيات قمة المناخ

من بين القضايا والأولويات التي تشغل بال العالم في هذه المرحلة، ربما بأكثر من أزمة وباء "كوفيد – 19"، والحرب الروسية في أوكرانيا، قضية التغيُّر المناخي، في ظل كونها مشكلة مزمنة وليست أزمة مُستَجَدَّة، وبكل ما تتضمنه من قضايا رئيسة، تمس صميم حياة الإنسانية، واستقرارها.

وأخطر هذه القضايا، هو ما يتعلق بقضية الموارد الاقتصادية (أي بلُغَة العلم، الموارد النادرة)؛ لأنها غير قابلة للتجديد، وبالتالي، بات بعضها شديد الندرة في عالم اليوم في ظل الارتفاع المتواصل لعديد الجنس البشري، في مقابل الاستنزاف اللامحدود لهذه الموارد في القرون التي تلت الثورة الصناعية الأولى.

وخطورة قضية الموارد، أنها تمس حياة الناس بشكل لصيق؛ ففيها الغذاء الذي يأكلونه، والمياه التي يشربونها، والطاقة التي تعينهم على حياتهم، وأثبتت الحرب الروسية الأوكرانية أنها في بعض البلدان ذات المناخ البارد، هي بدورها قضية حياة أو موت.

بينما تمس القضية الأخرى المهمة في موضوع التغيُّر المناخي، وهي التلوث، الهواء الذي يتنفَّسه الناس، وكذلك المياه والمنتجات الزراعية التي تعتمد عليها شعوب العالم قاطبةً في غذائها.

خطورة قضية الموارد، أنها تمس حياة الناس بشكل لصيق؛ ففيها الغذاء الذي يأكلونه، والمياه التي يشربونها، والطاقة التي تعينهم على حياتهم، وأثبتت الحرب الروسية الأوكرانية أنها في بعض البلدان ذات المناخ البارد، هي بدورها قضية حياة أو موت

وفي نوفمبر الماضي، عُقِد المؤتمر السابع والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أو "COP27" في مدينة شرم الشيخ المصرية، وكانت النقاشات التي تضمنتها فعاليات المؤتمر تبرِز – أولاً – حجم المخاطر التي تواجهها الإنسانية، ويواجهها كوكب الأرض؛ بسبب الإسراف والاستخدام الجائر للموارد، و - ثانيًا – حجم الخلاف القائم بين الدول الكبرى التي لَعِبَت آلتها الصناعية والاستهلاكية الدور الأكبر في ما وصلنا إليه.

بينما في الجانب الآخر تقف الدول النامية عاجزة عن فعل أي شيء، وتدفع من مواردها، ومن صحة أبنائها، ثمن ترف المُترَفين، الذين يستغلون موارد البلدان الفقيرة الضعيفة لمصلحتهم، ويأتون على حقوق الأجيال القادمة فيها، في هذه الموارد، ثم يصدرون لها التلوث!

وهنا، وقبل الاستطراد في موضوع هذا الحديث، فإنه من الأهمية بمكان التأكيد على أمر يضيع في ظلال السياسة الدولية، وسياسات القوى الكبرى، وهو أن مشكلات المناخ، إنما هي مشكلات جادة، وخطيرة بالفعل .

فلا يعني أن بلدان التحالف الغربي وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا تعمل على توظيفها في مواجهتها العظمى مع الصين - التي تزحف لكي تصبح الاقتصاد الأول في العالم، مقصيةً الولايات المتحدة عن عرش الهيمنة الاقتصادية العالمية - نقول لا يعني ذلك أن المشكلات والأزمات المرتبطة بمشكلات مثل الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في أجواء كوكب الأرض، هي مشكلات وأزمات غير حقيقية.

كلا؛ فهي مشكلات حقيقية، وواجب علينا - في العالم الثالث بشكل عام، وفي البلدان العربية والإسلامية بشكل خاص - الاهتمام بها.

إلا أنه من المستغرَب أننا لم نقف في المؤتمر، أو في السجالات العالمية الراهنة حول هذا الأمر، أي حضور عربي أو إسلامي يطرح رؤية محلية أو – بمعنىً أدق – رؤية ذاتية تنطلق من خصوصيتنا، ومن خصوصية أحوالنا، وقضايانا الذاتية.

فغالب الحال إن انخراط البلدان العربية والمسلمة في مثل هذه النوعية من الفعاليات والنقاشات، وبالذات الدول التي تملك مستويات إنتاج واحتياطات كبيرة من مصادر الطاقة الأحفورية، مثل النفط والغاز، تخوض غِمَار هذه الأمور من زاوية انتمائها إلى عالم الرأسمالية، ومن وجهة نظر وقواعد الرأسمالية، وليس من الزاوية التي يمليها عليها انتماؤها ومرجعيتها الإسلامية.

وهو أمر مستغرب بالفعل لأكثر من سبب، أهمها أن الإسلام قد جاء بحلول حقيقية وواقعية للمشكلات التي يبحث العالم عن حلول لها، فلا يوجد كتاب في هذا العالم يتناول قضية الإسراف والتبذير بوضوح، مثل القرآن الكريم، الذي خاطب بني آدم بقوله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]

الإسلام يحمل رؤية شاملة لكل شيء، ولم تخرج منها أية قضية من القضايا المعروضة على الإنسانية في وقتنا الراهن، ولا في أي وقت آخر؛ فقد جاءت حكمة الإله الحكيم بنصٍّ عبقريٍّ للقرآن الكريم، فيه من التعميم وقابلية التخصيص معًا، ما يجعله يملك الصلاحية الزمانية والمكانية

بل إن القرآن الكريم ربط بين الإيمان بالله تعالى وبين الترشيد وعدم الإسراف؛ فالله تعالى يقول في مُحكَم التنزيل: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 27]. هنا ربط اللهُ تعالى بين التبذير وبين صفة واحدة من صفات الشيطان الرجيم السيئة، وهي الكفر والعياذ بالله.

فالإسلام يحمل رؤية شاملة لكل شيء، ولم تخرج منها أية قضية من القضايا المعروضة على الإنسانية في وقتنا الراهن، ولا في أي وقت آخر؛ فقد جاءت حكمة الإله الحكيم بنصٍّ عبقريٍّ للقرآن الكريم، فيه من التعميم وقابلية التخصيص معًا، ما يجعله يملك الصلاحية الزمانية والمكانية.

وكذلك السياق الذي نزل فيه القرآن الكريم - الزماني والمكاني - يشير إلى هذه الحكمة؛ فالقرآن الكريم – في قضية الموارد هذه – شاءت حكمة العزيز الحكيم أن ينزِلَه في بيئة صحراوية، خشنةٍ، لا تعرف بحبوحة العيش بسبب شُحِّ الموارد - وبالذات المياه والأراضي الصالحة للزراعة – وبالتالي، فإن آيات الترشيد والحفاظ على الموارد المتاحة، إنما سوف يكون له وقع كبير على الناس الذين كانوا أول ما نزل القرآن الكريم فيهم، وسوف ينقلونه إلى غيرهم بعد ذلك.

كما الأمر أوسع بكثير من آيات التبذير والإسراف، فإن الأمر في صُلب القرآن الكريم (ككتاب في العمران يتضمن القوانين والقواعد التي وضعها اللهُ تعالى ونظَمَ عليها الخَلْق والدنيا، مثل قانون الاستطاعة) فالموارد كمخلوق من مخلوقات الله - عزَّ وجلَّ - لها طاقة قدرة واستطاعة، وتجاوزها يعني فشل المنظومة ككل.

المال والموارد وكل شيء على هذه الأرض، ليس ملكًا للإنسان، فيكون حُرًّا، يتصرف فيه كيفما يشاء، وإنما الأصل هو أن الإنسان مُستخلفٌ فيه، لتأدية ما أمره الله تعالى به، مثل عمارة الأرض، وعبادة اللهِ تعالى فيها، وإقامة عقيدة التوحيد، وغير ذلك من المهمات العظمى المُكلَّف بها الإنسان..

كذلك فإن مفهوم استخلاف ربِّ العزة - سبحانه - للإنسان في الأرض، يتضمن الأمانة ضمن ما يتضمنه من أركان، وكيف يتحرك الإنسان في مُلكِ المالِك الذي استخلفه فيه صاحبه، وهو رب العزة - سبحانه وتعالى.

وبالتالي.. فإن المال والموارد وكل شيء على هذه الأرض، ليس ملكًا للإنسان، فيكون حُرًّا، يتصرف فيه كيفما يشاء، وإنما الأصل هو أن الإنسان مُستخلفٌ فيه، لتأدية ما أمره الله تعالى به، مثل عمارة الأرض، وعبادة اللهِ تعالى فيها، وإقامة عقيدة التوحيد، وغير ذلك من المهمات العظمى المُكلَّف بها الإنسان.. يقول تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحَج: 41] وبتطبيق هذا الكلام في المجال العملي التطبيقي في الزمن الذي نعيشه، سوف نقف أمام مفهوم مهم، وهو أن الموارد الاقتصادية المتاحة أمانة تجب على الإنسان مراعاتها وصيانتها، خاصة وأن كثيرًا منها غير قابل للتجديد .

الدول العربية والمسلمة أحوَج ما يكون لأن يكون لها نموذجها الفكري الذاتي الذي تتحرك على أساسه في هذا المجال، في ظل كونها أكثر المتضررين من منظومة الرأسمالية العالمية

ويتصل بذلك أكثر من قانون وسُنَّةٍ أخرى، وهي سُنَّة تسخير اللهِ تعالى للأشياء للإنسان لأجل إعانته على العَيْش على هذه الأرض، وتنفيذ أوامر اللهِ تعالى له، وبالتالي، فإن الإخلال بهذه الموارد، يعني الإخلال بسُنَّة التسخير التي تتطلب الترشيد للحفاظ على المواد التي تعين الإنسان على أداء الأمانة التي شرَّفه اللهُ تعالى بها من دون سائر مخلوقاته الأخرى.

في الحقيقة، فإن الدول العربية والمسلمة أحوَج ما يكون لأن يكون لها نموذجها الفكري الذاتي الذي تتحرك على أساسه في هذا المجال، في ظل كونها – على أبسط تقدير – أكثر المتضررين من منظومة الرأسمالية العالمية، والتي تنهض على ساقَيْن:

أولهما/ الاستغلال الفاحِش للموارد، وبالتالي.. تهديد مستقبل التنمية في هذه الدول، التي لا تعرف مصدرًا لتمويل موازناتها العامة سوى عائدات المواد الخام.

وثانيهما/ الإنتاج الصناعي الواسع وحرية السوق، والتي تستنزف عائدات دولنا العربية والمسلمة وثرواتها في نمط استهلاكي ترفي شديد الإسراف، يُحَوِّل غالب عائداتها من بيع موادها الخام إلى خزائن الدول الصناعية الكبرى!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …