"تعال بنا نؤمن ساعة"
قالها صحابي جليل، يأخذ بيد أخيه لمجالس الذكر، ترجمة لمعاني الإيمان، الذي هو في حقيقته قولٌ وعمل، وتلك هي الحقيقة التي أرساها القرآن، حين قال رب العزة - تبارك وتعالى - عقب تحويل القبلة: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]، أي: لم يكن الله ليضيع أجر صلاتكم السابقة إلى بيت المقدس، فسمى الصلاة إيمانًا، وعلى هذا جرى عمل المسلمين.
من أوجه القصور العصرية في تعريف الناس بالعقيدة وتعليمهم إياها، التركيز على الحشد المعرفي لنصوص الاعتقاد، دون ربط هذه العقيدة بالعمل والتطبيق والثمرة.
ليست العقيدة الإسلامية مجرد مجموعة من التصورات النظرية التي يختزنها العبد في أرشيف الذاكرة دون أن يكون لها صدى في واقعه وآثارًا على جوارحه وسلوكه، فالعقيدة الصحيحة هي التي تترجم إلى عمل ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة.
ليست العقيدة حزمة من المعلومات النظرية التي تصيغ تصورات الإنسان عن الله والكون، إنما هي عقيدة حية، تحيي القلوب والأبدان للتحرك صوب تحقيق العبودية لله
الارتباط بين العقيدة والعمل ينبغي أن يكون أصلًا من أصول الدعوة والتربية الإسلامية، يستصحبها الدعاة في حركاتهم وسكناتهم وبرامجهم الدعوية والتربوية، فليست العقيدة حزمة من المعلومات النظرية التي تصيغ تصورات الإنسان عن الله والكون، إنما هي عقيدة حية، تحيي القلوب والأبدان للتحرك صوب تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى وإعمار هذا الكون بمنهج الله.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على هذا الربط؛ فعندما جاءه رجلٌ يسأله عن الساعة، قال له: "وما أعددت لها"؟، فوجّه السائل إلى ما ينفعه من الأعمال الصالحة التي تنفعه إذا قامت الساعة ووقف بين يدي الله للحساب، خاصة وأن علم الساعة من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل.
فالمطلوب من الدعاة الربط دائما بين الكلام عن العقيدة وبين التوجيه للسلوك العملي، ويلاحظ في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رؤية الله تعالى يوم القيامة أنه لم يكتف بتقرير الرؤية، لكنه وجّه معها إلى العلم بمقتضى هذا العلم فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]، فحوّل الحديث عن مسائل العقيدة وهي رؤية الله إلى برنامج عملي وهو الصلاة.
حريّ بالدعاة أن يعلموا الناس العقيدة بحيويتها الدافعة إلى العمل لا الاقتصار على حشد المعلومات، فإنما الإيمان قول وعمل
ولما زفّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه البشارة بأن سبعين ألفا من أمته يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، أرشدهم إلى ما يُنال به ذلك الفضل العظيم من الأعمال الصالحة، ولم يتركهم أسارى التمنِّي، فبيّن صفاتهم بقوله: "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون"
لقد انعكس هذا المسلك النبوي على سلوك صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان التركيز على العمل لا الاكتفاء بالعلم النظري في مسائل التوحيد، يخبرهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له"، فآمنوا وصدقوا، ولم يصرفوا تركيزهم في ما لا طائل من السؤال عنه ولا سبيل إلى إدراكه، فلم يسألوا عن كيفية النزول، وإنما اتجهت همتهم لإطالة القيام بالليل والناس نيام، والاستغفار في الأسحار.
فحريّ بالدعاة أن يعلموا الناس العقيدة بحيويتها الدافعة إلى العمل لا الاقتصار على حشد المعلومات، فإنما الإيمان قول وعمل، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كتب ذات صلة بالموضوع
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- https://ehssanalfakeeh.com/?p=6581