المواجهة الإعلامية بين الحق والباطل – سورة الشعراء

الرئيسية » بأقلامكم » المواجهة الإعلامية بين الحق والباطل – سورة الشعراء
quran

الشعراء جمع شاعر، والشعر أسلوبٌ تستخدمه العرب للتعبير عن موضوع ما أو تبليغ رسالة معينة بأحسن بيان وأبلغ أسلوب، ولعلّ تسمية السورة باسم الشعراء يدلّ على ضرورة الاجتهاد في اختيار أفضل الوسائل والأساليب الممكنة في كل زمان ومكان لتبليغ دعوة الإسلام و نشر رسالته السامية في الآفاق.

إنها إشارة إلى المواجهة الإعلامية والتي تتكرر دائما بين الحق والباطل وقد بدت هذه المواجهة جلية في جمع فرعون السحرة في ميقات معلوم وأمام حشود الناس لتكون في مواجهة موسى ودعوته، قال تعالى: “فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ".

ثم تحقّقت المواجهة العملية بين الفريقين كما أخبر تبارك وتعالى: “قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ".

ولا بدّ في المواجهة أن ينتصر فريق على آخر، وتكون الغلبة عادة لمن استطاع بما عنده من الحجة والبرهان أن ينتصر على خصومه، وهكذا كان في موقف السحرة حين غُلبوا واستجابوا للحق: “فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ."

وأما وسائل المواجهة الإعلامية ووسائل النجاح فيها كما وضحتها السورة:

• البيان القولي والبيان العملي: وهو ما ينبغي أن يتصف به الدعاة من صدق البيان، و قوة البرهان حين يجادلون أهل الباطل وذلك واضح في طلب موسى عليه السلام من الله أن يرسل معه أخاه هارون إلى فرعون فهو أفصح منه لساناً وأحسن بياناً (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ) فهذا هو البيان القولي ثم جاء البيان العملي في مقارعة الحجة بالحجة وفي مقابلة السحر بمعجزة العصا حين اجتمع الناس ليشهدوا بأعينهم خسارة الباطل وانتصار الحق.

• التمسك بالقرآن الذي هو الحق المتنزّل من عند الله، والاستشهاد بما فيه من الحجة والبيان، قال تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ).

• وتأمل كيف أوضحت الآيات أن هذا القرآن كي يكون فاعلاً ومؤثراً في حياة الناس فلا بدّ من قلب واع يحمله ويتدبّره (على قلبك) ثم لسان مبين يستطيع أن يبلّغ أنوار هذا القرآن للناس (بلسان عربي مبين) وهذا ما هو مطلوب من الدعاة اليوم، صدق في القلب وإخلاص في التوجّه، ووضوح وإقناع في البيان والخطاب.

• الاستشهاد بالتاريخ، وأن هذا القرآن هو الحق قديما وحديثا والذي شهد به من سبق من أهل العلم والكتاب وفي ذلك بشارة وتطمين لأهل الإيمان أنه كما انتصر هذا القرآن وأهله قديما فسينتصر حديثا (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ * أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ).

• اليقين بالنصر مهما يبذله شياطين الانس والجن من الكيد والمكر، وأن هذا القرآن لا تقدر عليه شياطين الجنّ والإنس، ولن يستطيعوا أن يغلبوه فهو لا يتماشى مع ما يدعون إليه من مذاهبهم الباطلة وأفكارهم المنحرفة (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ * وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ).

• التزوّد بالقرآن والتوكل على الله، واستحضار رقابته ورعايته، فمنه يستمد المؤمن العون والقوة في مواجهة خصومه (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ).

• الثبات مع الجماعة المؤمنة والوقوف صفاًّ واحداً متآلفاً، أمام أهل الباطل الذين تجتمع كلمتهم على محاربة الحق وأهله (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

ولعلّ في قوله تعالى في ختام السورة (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) إشارة إلى صنف من الناس أوتي من الفصاحة والبيان ما يزيّن به الباطل ويقلب به الحقائق فيغوون الناس ويخدعونهم، مما يوجب على المؤمنين أن يكونوا حذرين من خطابهم، واعين لمقاصدهم، فيحذّرون الناس منهم، ولذلك جاءت آخر آية في السورة بذكر المؤمنين الذين يصدّقون إيمانهم بعمل الصالحات، فهم صادقون باطناً وظاهراً، ويستطيعون بما عندهم من إيمان وقوة بيان أن يتصدّوا لأولئك الإعلاميّـين المفسدين والمضللين بالمرصاد فيكفّوا ظلمهم، ويدحضوا حجّتهم، وينتصروا عليهم (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

هذا والله أعلم

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …