ثناء عبد الجواد وسناء عبد الفتاح فرَّقتهما السياسة ووحدهما السَّجَان

الرئيسية » بأقلامكم » ثناء عبد الجواد وسناء عبد الفتاح فرَّقتهما السياسة ووحدهما السَّجَان
prisons

منذ بداية الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر منتصف عام 2013م ومصر تشهد كل أشكال التناقضات حيث أنه لم ينج من سوط زعيم الانقلاب أي فصيل من فصائل المجتمع حتى من ساعدوه في القيام بالإنقلاب.

توضح الأرقام والحقائق أن الغالبية العظمى من الذين ذاقوا ويلات الإنقلاب هم من جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها والمتعاطفين معها من أنصار الرئيس الشرعي الراحل محمد مرسي رحمه الله، وتوضح الأرقام والحقائق أيضاً أنه قد تم إخراس الأحزاب والحركات والتنكيل بالنشطاء ومصادرة الحريات، فلا صوت يعلو فوق صوت جنرال الإنقلاب الذي سمَّى نفسه "طبيب الفلاسفة"، والذي طالب الجميع ألا يسمعوا إلا لكلامه ولا يأخذوا إلا بمشورته.

من بين الذين تم التنكيل بهم واحد من أبرز رموز جماعة الإخوان المسلمين وهو "الدكتور محمد البلتاجي" الذي يعتبره جنرال الإنقلاب خصماً شخصياً له لدوره البارز في ثورة يناير وما بعدها من أحداث.

ومن بين الذين تم التنكيل بهم أيضاً الناشط الحقوقي اليساري المصري البريطاني "علاء عبدالفتاح" الذي تم اعتقاله بتهمة (التظاهر بدون تصريح)، ثم بتهمة (نشر أخبار كاذبة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، والانضمام لجماعة إرهابية... وغيرها من التهم سابقة الإعداد التي تلصق بالمعارضين لنظام الانقلاب أيَّا كان توجههم السياسي أو الفكري).

ثناء عبد الجواد وسناء عبد الفتاح فرَّقتهما السياسة ووحدهما السَّجَان

شاءت الأقدار أن يكون اسم زوجة القيادي الإخواني الدكتور محمد البلتاجي (ثناء عبد الجواد)، وإسم شقيقة الناشط الحقوقي علاء عبدالفتاح (سناء عبدالفتاح)، وشاءت الأقدار أن السيدة (ثناء عبد الجواد) لم تدخر جهداً في تبني قضية زوجها بالرغم مما طالها وأفراد أسرتها جميعاً من أذى واضطهاد وتنكيل، وأن الفتاة (ثناء عبدالفتاح) هي الأخرى لم تدخر جهداً في تبني قضية شقيقها بالرغم مما طالها وأفراد أسرتها من أذى واضطهاد وتنكيل، فحق لنا في هذا المقام أن نقول ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي:

فَإِن يَكُ الجِنسُ يا اِبنَ الطَلحِ فَرَّقَنا *** إِنَّ المَصائِبَ يَجمَعنَ المُصابينا

أولاً: صور من نضال السيدة (ثناء عبدالجواد) للدفاع عن زوجها

ثناء عبدالجواد سيدة خمسينية جائتها طعنات قاتلة في سويداء القلب وكلها من المسافة صفر، إلا أن إرادة الله شاءت أن تظل هذه السيدة ثابتة صامدة لتكون قدوة لغيرها من الثكالى، ولتظل سلسلة الفضليات ممتدة لا تنقطع ولا يتطرق لحلقاتها الوهن!!

ماتت السيدة ثناء عبدالجواد حين فقدت ابنتها (أسماء البلتاجي) شهيدة فض رابعة، الفتاة الشابة ابنة 17 ربيعاً ذات الملامح الهادئة التي لا تمل العين من النظر إليها، ولا تمل الأذن من السماع إلى عذب حديثها، ولا تعامل معها أحد إلا أحبها وتأثر بها.

وماتت حين مُنِعت من زيارة قبر ابنتها!!

وماتت حين سمحوا لها بزيارة قبر ابنتها فوجدته مُشوهاً وقد تم طمس الاسم من على القبر ليكون قبراً بلا هوية.

وماتت حين تمت مطاردة زوجها (الدكتور/ محمد البلتاجي) وملاحقته من كل أجهزة نظام الإنقلاب ومن ضباع البشر وتصنيفه على أنه عدواً للوطن.

وماتت حين تم اعتقال زوجها وتم الزج به في زنزانة انفرادية ومعاملته معاملة غير آدمية وتعذيبه بأبشع صور التعذيب التي تهدد حياته!!

وماتت حين تم الحكم على زوجها بعدة أحكام جائرة بلغت في مُجملها (220 سنة) غير حُكم آخر بالاعدام!!

وماتت حين تم اعتقالها وتعرضها للإهانة والضرب وخلع خمارها وغير ذلك من أساليب الإهانة التي لم تتصورها ولم تتوقعها أي حرة شريفة أبيَّة مثلها!!

وماتت حين تم اعتقال ابنيها (أنس البلتاجي) و (خالد البلتاجي) وتم التعامل معهما بطريقة لا تقل بشاعة ولا وحشية عن الطريقة التي يُعامل بها والدهما.

وماتت حين تم صدور أمر بالقبض على ابنها (عمَّار البلتاجي) الذي مازال مطارداً.

وماتت حين بذلت كل الجهود وطرقت كل الأبواب واتبعت كل السبل من أجل زوجها ومن أجل ابنها، وهي المكلومة التي يقطر قلبها دماً على استشهاد ابنتها الوحيدة!!

وماتت حين تشتت شمل الأسرة بين شهيدة وأسيرين ومطاردين!!

وماتت حين توفيت والدة زوجها التي رثتها بقولها (أمي الثانية)!!

وماتت حين أجبرت على مغادرة الوطن إلى مصير مجهول تاركة خلفها زوجاً وإبناً يتعرضا للتعذيب المُمنهج والموت البطيء من مسوخ بشرية لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، بل يعاملون كل من هم تحت أيديهم كأنهم أسرى حرب مُقدسة وعلى غير الملة... بالرغم أن الإسلام لا يُجيز ذلك.

وماتت حين توفيت أختها وهي بعيدة عنها في غربة قاسية تنهش قلبها وروحها وما تبقى من صحتها!!

وتموت الآن مع كل نفس تتنفسه، إلا أن إرادة الله تشاء أن تظل هذه السيدة ثابتة صامدة لتكون قدوة لغيرها من الثكالى ولتظل سلسلة الفضليات ممتدة لا تنقطع ولا يتطرق لحلقاتها الوهن، كما قلنا آنفاً!!

وبالرغم من كل ما سبق إلا أن السيدة ثناء عبد الجواد تلملم أشلاء روحها وتعض على آلامها وتجوب الفضائيات وتصرح للإعلام وتراسل الصحف وتناشد المنظمات الدولية من أجل تسليط الضوء على قضيتها العادلة، ومن أجل ألا تترك زوجها وإبنها لقمة سائغة لضباع البشر يقومون بتصفيتهما غيلة وبدم بارد، إلا أن النظام العالمي يكيل بمكاييل تنصف هذا وتخذل ذاك حسب ما تعتنقه الضحية أيدلوجياً وفكرياً، ولا ينكر ذلك ألا من هو أعمى البصر والبصيرة!!

ثانياً: صور من نضال السيدة (سناء عبدالفتاح) للدفاع عن شقيقها

بداية لابد أن نذكر أن الناشط السياسي والحقوقي علاء عبد الفتاح واحد من بين أبرز الوجوه السياسية الشبابية في العِقدين الماضيين، وقد تسبب نشاطه السياسي في اعتقاله عدة مرات أبرزها الاعتقالات المتكررة التي تعرض لها بعد الإنقلاب العسكري وحتى الآن.

وبالرغم من تنديد علاء عبدالفتاح وأسرته بقمع الحريات وانتقادهم للقبضة الأمنية التي تعرضت لها مصر بعد الإنقلاب العسكري، وتصريح علاء عبدالفتاح أن "30 يونيو" هي ثورة مضادة، قادتها الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة المصرية، وتصريحه بأن شعبية قائد الإنقلاب قد تراجعت إلا أنه قد طالب هو ووالدته الأكاديمية "ليلى سويف" بفض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة بزعم أن هناك أسلحة في الاعتصامين.

أما بالنسبة لـ (سناء عبدالفتاح) فهي فتاة على مشارف الثلاثين من عمرها وهي ناشطة سياسية وحقوقية مصرية بدأ نشاطها السياسي في عام 2011م.

وبخصوص صور النضال التي خاضتها (ثناء عبدالفتاح) نذكرها كما يلي:-

تم اعتقال سناء عبدالفتاح أثناء أحداث مجلس الوزراء في 16 ديسمبر 2011م، ثم أفرج عنها في نفس اليوم.

قامت سناء عبدالفتاح بتأسيس (جريدة الجورنال) في عام 2014م من أجل مناقشة القضايا التي تخص الربيع العربي، وحظيت الجريدة بشعبية كبيرة.

تم اعتقال الناشطة (سناء عبدالفتاح) في 21 يونيو 2014م بسبب مشاركتها في مسيرة لمناهضة قانون التظاهر، ووجهت إليها تهمة التظاهر والتحريض على العنف!!

وفي 26 أكتوبر 2014م تم الحكم على الناشطة سناء عبدالفتاح بالسجن 3 سنوات وغرامة مالية قدرها 10 آلاف جنيه، ولكن في 28 ديسمبر من نفس العام خففت محكمة الاستئناف عقوبة السجن إلى سنتين ووضعتها تحت المراقبة لمدة عامين إلا أنه قد صدر قراراً بالعفو عنها في ستمبر 2015م!!

تم اعتقال سناء عبدالفتاح مرة أخرى في شهر مايو 2016م ووجهت لها تهمة إهانة القضاء المصري، كما اتهمت بطباعة وتوزيع منشورات قُبَيلَ خروج مظاهرة "مصر ليست للبيع" التي اندلعت على إثر قرار رأس النظام المصري بتسليم جزيرتي "تيران وصنافير" إلى المملكة العربية السعودية.

وفي 22 يونيو 2020م، تعرضت سناء سيف وأختها منى سيف ووالدتهما المدافعة عن حقوق الإنسان ليلى سويف تعرضن لاعتداء جسدي وصل لدرجة السَّحل على الأرض وسرقة المقتنيات من قبل نساء مجهولات الهوية أمام سجن طرة.

سافرت سناء عبدالفتاح وأسرتها إلى لندن وقاموا بالاعتصام أمام وزارة الخارجية البريطانية، على أمل إحداث مزيد من الضغط على النظام المصري من أجل إطلاق سراح علاء عبدالفتاح المعتقل في مصر والذي حصل على الجنسية البريطانية في أبريل 2022م وهو داخل السجن، وذلك من خلال والدته الأستاذة الجامعية منى سويف المولودة في بريطانيا!!

عادت ثناء عبدالفتاح إلى مصر في صحبة وحماية الوفد البريطاني المشارك في "قمة المناخ" بمدينة شرم الشيخ، ونجحت في تنظيم مؤتمراً صحفياً عالمياً على هامش "قمة المناخ" بغرض إحداث المزيد من الضغط على سلطة الإنقلاب في مصر لكي تفرج عن شقيقها خاصة بعد إضرابه عن الطعام بصفة جزئية لمدة أكثر من 200 يوم، وامتناعه عن شرب الماء تزامناً مع بداية انعقاد قمة المناخ!!

إن ما قامت به سناء عبدالفتاح مؤخراً تسبّب في حرج كبير للنظام المصري، حيث لم يكن جنرال الإنقلاب يتوقّع أن تتحول قمة المناخ التي أراد من خلالها تبييض وجهه والتغطية على ممارساته القمعية في حق الشعب المصري إلى حدث دولي لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.

أخيراً أقول

إن المرأة إذا أعطت فإنها تعطي بلا حدود والتاريخ به نماذج بارزة في العطاء يُضرب بها المثل، ويكفي أن أي امرأة عُرِف عنها العطاء والتضحية يُطلق عليها لقب بلقيس أو الخنساء أو ميسون أو شجرة الدر حسب ما قدمته من عطاء وتضحية.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …