سلامة الصدر تحفظ الدين وتخيِّب آمال المتربصين

الرئيسية » بصائر تربوية » سلامة الصدر تحفظ الدين وتخيِّب آمال المتربصين
Hands holding green happy smile face paper cut, good feedback ra

* لو أنه ليس لسلامة الصدر فضيلة إلا أنها صفة من صفات أهل الجنة لكفت للتنافس على تحصيلها!!

- قال تعالى: "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ {47}" (الحجر: 47).

- وقال تعالى: "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ" (الأعراف من الآية: 43).

قال ابن عطية: "هذا إخبار من الله عز وجل أنه ينقي قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد، وذلك أن صاحب الغل متعذب به، ولا عذاب في الجنة" اهـ.

- وقال تعالى: "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {89}" (الشعراء: 88-89).

قال سعيد بن المسيب رضي الله عنه: «القلب السليم الصحيح هو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض، وقيل: هو القلب الخالص».

وقال الإمام القرطبي: "أي الخالص من الأوصاف الذميمة، والمتصف بالأوصاف الجميلة".

وسئل ابن سيرين رحمه الله "ما القلب السليم؟ فقال: الناصح لله في خلقه".

وقال الأكفاني رحمه الله: "وأصل العبادة مُكابدة الليل، وأقصر طرق الجنة سلامة الصدر".

وقال السقطي رحمه الله: "من أجل أخلاق الأبرار: سلامة الصدر للإخوان، والنصيحة لهم".

وجاء في "طبقات ابن سعد": وعن زيد بن أسلم، أنَّه دخل على ابن أبي دُجانة، وهو مريض، وكان وجهه يتهلَّل، فقال له: ما لك يتهلَّل وجهك؟ قال: ما من عملِ شيءٍ أوثق عندي من اثنين: أمَّا أحدهما، فكنت لا أتكلَّم بما لا يعنيني، وأما الأُخْرى: فكان قلبي للمسلمين سليمًا" اهـ.

* ولو أننا أيقنا أن صلاح الجسد كله مرهون بصلاح القلب، وعملنا بموجب هذا اليقين لكفانا ذلك!!

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "... ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ" (صحيح مسلم).

* ولو أننا أحسنا الاقتداء بنبينا ﷺ وعرفنا حقوق إخواننا علينا فأديناها لهم طواعية وطمعاً فيما عند الله عز وجل وتجردنا من حظ أنفسنا الأمَّارة بالسوء، لدحرنا الشيطان ولشعرنا وكأن أرواحنا تحوم تحت العرش.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "لاَ تقاطعوا ولاَ تدابروا ولاَ تباغضوا ولاَ تحاسدوا وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا ولاَ يحلُّ لمسلمٍ أن يَهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ" (صحيح الترمذي).

* ولو أننا تعهدنا القلب بالتنقية والنظافة كما نتعهد بيوتنا وأفنيتنا بالتنقية والنظافة لشعرنا أننا نحمل بين أضلعنا جنة غنَّاء!!

عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قيل لرسولِ اللهِ ﷺ أيُّ الناسِ أفضلُ؟ قال: "كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ". قالوا: صدوقُ اللسانِ نعرفُه فما مخمومُ القلبِ؟ قال: "هو التقيُّ النقيُّ لا إثمَ فيه ولا بغيَ ولا غِلَّ ولا حسدَ" (صحيح ابن ماجه).

مخمومِ القلبِ: هو من خمَمْت البيت إذا كنسته.

جاء في "مرقاة المفاتيح" للقاري: "فالمعنى أن يكون قلبه مكنوساً من غبار الأغيار، ومُنظفاً من أخلاق الأقذار" اهـ.

* ولو أننا حرصنا على أن نختم يومنا بالطاعات كما يحرص التاجر على أن يختم يومه بالربح الكبير والرزق الوفير لأمسينا ونحن على يقين أن صباحنا سيكون في الجنة!!

جاء في نهاية الحديث الذي رواه أحمد والذي قال فيه النبي ﷺ:(يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة) أن الرجل الذي وصفه النبي ﷺ بأنه من أهل الجنة، قال: "أنِّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه".

عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي قال: "أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ . قال : إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ . لا أقولُ : إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ" (أخرجه أبو داود والترمذي).

* ولو أننا شغلنا أنفسنا بعيوبنا ولم نشغلها بعيوب غيرنا لاحتجنا فوق أعمارنا أعماراً لكي نلقى الله تعالى بقلب سليم، خال من الغل، نقي من القطيعة، لا يتطرق إليه بُغض ولا حسد!!

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسولِ اللهِ ﷺ قال: "لا يُبلِّغُني أحدٌ عن أحدٍ مِن أصحابي شيئًا فإنِّي أحبُّ أن أخرجَ إليكُم وأنا سليمُ الصدرِ" (صحيح المسند).

قال ابن الملك: "والمعنى: أنه ﷺ يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راض عن أصحابه، من غير سخط على أحد منهم" اهـ

وقال الإمام القرطبي، في (فتح القدير): وسلامة الصدر سبب في قبول الأعمال، ففي الحديث: "تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَومَ الإثْنَيْنِ، ويَومَ الخَمِيسِ، فيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا، إلَّا رَجُلًا كانَتْ بيْنَهُ وبيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ، فيُقالُ: أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا، أنْظِرُوا هَذَيْنِ حتَّى يَصْطَلِحا" (رواه مسلم)، فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الأحقاد والضغائن" أهـ.

وقال سفيان بن دينار لأبي بشر: "أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرًا، ويُؤجرون كثيرًا، قال سفيان: ولِمَ ذاك؟ قال أبو بشر: لسلامة صدورهم".

وعن الفضل بن أبي عياش، قال: "كنت جالساً مع وهب بن منبه، فأتاه رجل، فقال: إني مررت بفلان وهو يشتمك. فغضب، فقال: ما وجد الشيطان رسولاً غيرك؟ فما برحت من عنده حتى جاءه ذلك الرجل الشاتم، فسلَّم على وهب، فرد عليه، ومد يده، وصافحه، وأجلسه إلى جنبه".

- وجاء في "أدب الدنيا والدين" للماوردي: "حُكِي عن بنت عبد الله بن مطيع أنها قالت لزوجها طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وكان أجود قريش في زمانه: "ما رأيت قوماً أشدّ لؤْماً منْ إخوانك". قال: ولم ذلك؟ قالت: "أراهمْ إذا اغتنيت لزِمُوك، وإِذا افتقرت تركوك".

فقال لها: "هذا والله من كرمِ أخلا‌قِهم! يأتوننا في حال قُدرتنا على إكرامهم.. ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بِحقهم".

* علّق على هذه القِصة الإ‌مام الماوردي فقال: "انظر كيف تأوّل بكرمه هذا التأويل حتى جعل قبيح فِعلهم حسناً، وظاهر غدرِهم وفاء. وهذا والله يدل على أن سلا‌مة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآ‌خرة وهي من أسباب دخول الجنة قال تعالى: "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ {47}" اهـ.

من كل ما سبق نخلص إلى أن سلامة الصدر لها فوائد جمَّة، منها:-

  • سلامة الصدر من صفات أهل الجنة وأقصر سبيل لدخول الجنة.
  • وهي السبيل للاقتداء بسيد المرسلين ﷺ، والتحلى بأخلاق المؤمنين.
  • وسبباً لتحصيل الطمأنينة فلا يجد قلب المؤمن راحة إلا فيها، ولا تقر عينه إلا بها.
  • وتهذب الجوارح عن كل قبيح، وتزيل العيوب، وتقطع أسباب الذنوب.
  • وتقوِّي أواصر المحبة وتقضي على عوامل الضعف والوهن.
  • وتقطع على الشيطان وساوسه وتفشل كل محاولة له للوقيعة بين المؤمنين.
  • وتقي من البغي والحقد والحسد، ومن التكالب على حطام الدنيا والمنافسة عليها.
  • وتكبح زمام النفس فلا تتطلع إلى مكانة غير مُستحقة، ولا تحسد من وصل إلى مكانة يستحقها.
  • ونعيم مُعجَّل لا يؤتاه إلا كل موفق معان. فمن سلم صدره فقد أنعم الله عليه بنعيم أهل الجنة وهو في الدنيا.
  • ومن حرم سلامة الصدر فقد خسر خسراناً مبيناً لا فلاح بعده، ومن فاتته فقد فاته خيراً وفيراً لا عوض له.
  • سلامة الصدر تجعل الصف المؤمن متين البنيان لا يتطرق إليه وهن ولا يطمع فيه عدو.
  • وهنا يمكننا القول بأن سلامة الصدر تحفظ الدين وتخيِّب آمال المتربصين.

ويعيننا على تحقيق كل ذلك:-

  • تعهد إخلاص القلب قبل وأثناء وبعد كل عمل.
  • الإقبال على كتاب الله تعالى بنية أنه (شفاء لما في الصدور)، وأنه (هدى ورحمة للمؤمنين).
  • الإلحاح في الدعاء لله تعالى أن يجعل القلب سليماً كما يحب ربنا ويرضى.
  • الاطلاع على أحوال المؤمنين في جانب سلامة الصدر والتشبه لهم.
  • الاستسلام والتسليم لقضاء الله فينا، والانقياد لأوامره لنا، والابتعاد عما نهانا عنه، والبعد كل البعد عن السخط والتشكي.

أهمية سلامة الصدر بالنسبة للعاملين في حقل الدعوة

إذا كانت صفة سلامة الصدر هامة وضرورية لكل مُسلم فإنها بالنسبة للعاملين في حقل الدعوة أكثر أهمية وأكثر ضرورة.

لقد اعتبر الإمام حسن البنا رحمه الله أن سلامة الصدر من الأحقاد من أدنى علامات تحقق الأخوة بين المسلمين عامة وبين العاملين في حقل الدعوة خاصة، وحين تحدَّث عن الأخوة بين العاملين للإسلام ذكر أن الأخوة أخت الإيمان والتفرق أخو الكفر، وأن الأخوة مراتب أدناها (سلامة الصدر من الأحقاد)، وأعلاها (الإيثار).

ورحم الله الفضيل ابن عياض حين قال: "من أُوتِيّ صدرًا سليمًا لإخوانه فقد تعجَّل شيئًا من نعيم الجنة".

وقال الشيخ "حمد حسن رقيط" في كتابه (المسؤولية الإدارية في الإسلام): "وحتى تتحقق صفة سلامة الصدر لدى المسؤول وتترك آثارها على العمل لابد من مراعاة الأمور التالية:

أولًا: لابد أن يتثبت المسؤول من نقل الناس إليه حتى لا يأخذ غيره بالريبة والظنة.

ثانيًا: ألاَّ يسمح للوشاة والنمامين أن ينطلقوا في غيبة الناس في مجلسه أو مكتبه أو إدارته فإن ذلك مٌفضٍ إلى إغارة الصدر.

ثالثًا: أن يجعل المسؤول من الصالحين والأتقياء أعوانًا له ومستشارين يدلونه على الخير ولا يذكرون الناس بسوء إلا ما اقتضته مصلحة العمل" اهـ.

أخيراً أقول: إن الحرص على سلامة الصدر لا يجب أن يكون مَدعاة للتهاون مع الفاسقين المُجاهرين بفسقهم، ولا مع المبتدعين الذين يعبدون الله على ضلالة، ولا مع أصحاب الكبائر ومن ساروا على نهجهم، ولا مَدعاة لموالاة الظالمين وأعوانهم، لأن البون شاسع بين سلامة الصدر التي أمرنا بها الشرع وبين البله والسذاجة ، لأنه كما جاء في الحديث الشريف: "أوْثَقُ عُرَى الإيمانِ المُوَالاةُ في اللهِ، و المُعادَاةُ في اللهِ، و الحُبُّ في اللهِ، و البغضُ في اللهِ" (السلسلة الصحيحة).

قال ابن القيم رحمه الله: "الفرق بين سلامة الصدر والبله والتغفل: أن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته، فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعمل به، وهذا بخلاف البله والغفلة فإنها جهل وقلة معرفة، وهذا لا يُحمد إذ هو نقص، وإنما يحمد الناس من هو كذلك لسلامتهم منه، والكمال أن يكون عارفًاً بتفاصيل الشر سليمًا من إرادته، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لست بخب ولا يخدعني الخب" وكان عمر أعقل من أن يُخدع وأورع من أن يَخدع" اهـ.

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
خبير تربوي وكاتب في بعض المواقع المصرية والعربية المهتمة بالشأن التربوي والسياسي، قام بتأليف مجموعة من الكتب من بينها (منظومة التكافل في الإسلام– أخلاق الجاهلية كما صورها القرآن الكريم– خير أمة).

شاهد أيضاً

كيف يناقش الأب ابنته في مسائل الحب والمشاعر العاطفية؟

عادة ما تثير الحوادث التي تتعلق بانتحار الفتيات أو قتلهن كضحايا لقصص حب أو علاقات …