شبابنا والرجولة

الرئيسية » بصائر تربوية » شبابنا والرجولة
شبابانا و الرجولة

شباب أمتنا هم مقلة العيون وتاج الفخر والعتاد الذي تستند الأمة عليه وإليه في كل المحن، وهم الأمل المنشود الذي يعول عليه في كل نهضة وبناء ورقي.

كذلك هم حملة اللواء والراية، وقديما قالوا: "إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة فانظر لواقع شبابها وقوتهم وبسالتهم وأفكارهم وما يشغلهم"
ونحن في أمتنا العربية - وبرغم كل محاولات التغريب للشباب أو أخذهم في طرق مسدودة لا يرجى بها خير ولا أمل بها، بل كلها عوائق وانهيارات فكرية ومنحدرات أخلاقية - اليوم وانطلاقا من فهمنا لدور الشباب وسعيًا في تصحيح المفاهيم، بل وتعميقا في تثبيت كل خير ووعي في عقولهم، ورغبة منا بإزالة أية شبهات، فإننا سنتحدث في هذا المقال عن مفهموم عظيم وخلق أعظم وهو مفهوم "الرجولة"

ونحن بحكم فهمنا وعلمنا كمتخصصين في مشكلات الشباب، فإن الأمر أمام تعريفات وأصناف ثلاثة كل منها مختلف عن الآخر، وكل منها له جمهوره ومؤيدوه.

الصنف الأول/ يعتقد أن الرجولة هي بداية البلوغ، وتحديدًا من سن الثالثة عشر حتى السابعة عشر، وهو رأي معتبر لكنه أخذ جزءًا بسيطًا من المعنى الشامل للرجولة، ووضعها في التحول من مرحلة الطفولة لمرحلة البلوغ لما فيها من بداية التكاليف الشرعية.

إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة فانظر لواقع شبابها وقوتهم وبسالتهم وأفكارهم وما يشغلهم

الصنف الثاني/ يقيس الرجولة بالمسؤولية والقدرة على الإنفاق الماديّ على الأهل كالزوجة والوالدين... إلخ، ودليل هذا الفريق أن كسب المال لا يحدث إلا إذا كان العمل يتحمله الرجل وهنا إشارة للقوة العضلية وقوة الشباب.

الصنف الثالث/ يرى أن الرجولة هي المسئولية والحرية والقدرة على إبداء الآراء وعدم الانقياد والسير مع الموجات... أي أن تكون له شخصية قيادية.
وأمام هذه الآراء الثلاثة فإننا نرى أن ثلاثتها على حق، غير أنهم أغفلوا أهم شيء في الرجولة، وهو الطاعة، والطاعة المقصودة تجلت تعريفًا ومدحًا في كتاب الله: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 36، 37]، وأيضًا: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23]

وتلك هي المعاني الراقية والحقيقية والأفضل للرجولة؛ فلو أننا في أمة غير مسلمة - والعياذ بالله - كان سهلا أن نتقبل الآراء النقلية والعقلية، ونبتعد عن جوهر الدين و العقيدة، لكننا بالدين أقوى، ولا حياة لنا بغيره، ذلك هو المعنى والطريق وتلك معالمه.

والقرآن أقوى تعريفًا وأعمق أسلوبًا وترسيخًا للمعنى كما في الآيات لمن يعي ويبصر؛ فالإشارة الواضحة هي الربط بين الإيمان والرجولة وذلك فخر عظيم ومنة من الله.

الرجولة في السيرة النبوية

الأمر هنا عظيم وكبير ولو أردنا حصر المواقف الرجولية للشباب سنا، المتعمق إيمانا، فلن نستطيع! بل سنحتاج لمئات من السنين تحليلًا وتعميقًا وكتابة لصفحات كلها فخر وشرف وأنوار تضيء لشباب أمتنا الطريق.

نظرة وفهم النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - للشباب ودوره وحتمية تصدره للمشهد، أو على الأقل منحه الفرصة بدون النظر لأي اعتبارات أخرى هو إقرار وتشريع له ما بعده

فلو نظرنا للقائد الصحابي أسامة بن زيد - رضي الله عنه - كيف قاد جيشًا كبيرًا فيه كبار الصحابة وهو ابن السادسة عشر من عمره، لنجد أن في الأمر نظرتان:

النظرة الأولى/

نظرة وفهم النبي الأكرم - صلى الله عليه وسلم - للشباب ودوره وحتمية تصدره للمشهد، أو على الأقل منحه الفرصة بدون النظر لأي اعتبارات أخرى، وهذا الفهم يقينًا هو إقرار وتشريع له ما بعده، بل وصية بحتمية أن يتقدم الشباب طالما وجدت المهارات والكفاءة وقبلهما قوة الإيمان واليقين، وهذا ما حدث بعد وفاة النبي لما أصر خليفته أن ينفذ بعث أسامة برغم معارضة بعض الصحابة وكانت الكلمة الخالدة في ذلك: "ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتأمرني أن أنزعه" في إشارة لحديث الفاروق مع خليفة رسول الله

النظرة الثانية/

هي الأهلية؛ فلو كان سيدنا أسامة بالشاب المستكين الخاوي العقل غير الملم بالقتال والعسكرية مدبرًا غير مقبل، لكان هناك اختلاف في توليته بلا شك.

ويقينًا ليس هذا هو الموقف الوحيد في السيرة بل أزيدك من الفخر موقفًا: في غزوة بدر وفي أوج اشتعالها يبحث غلامان صغيران في السّنّ هما معاذ ومعوّذ ابنا عفراء، يبحثان عن ماذا؟ لا يبحثان عن الأمان أو يبكيان من المشاهد الحاصلة أو يجلسان خوفا وفزعًا حتى تضع الحرب أوزارها، بل يبحثان ويسألان الصحابة عن فرعون هذه الأمة (أبو جهل) ليقتلاه؛ لأنهما سمعا أنه يسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى دلهم عليه الصحابي عبد الرحمن بن عوف، فذهبا إليه وقتلاه وعادا وقد تغير لون السيف بدماء الطاغية.

هذان صبيان لم يبلغا الحلم، ولكنهما ثارا لله ورسوله وأصابتهما الغيرة، فعزما عزم الرجال ووثبا على الطاغية الكافر، فنالا منه، وأرسله ببرقية عاجلة إلى جهنم عنوانها إلا رسول الله يا هذا.

هذه مواقف حقيق على شباب الأمة أن يعيدوا من خلالها نظرتهم للرجولة وفهمهم لها بالشكل الذي يبعث على العمل والإيمان العميق بكل وضوح وبصيرة ووعي.

وفي هذا فليتنافس المتنافسون

لماذا تبدل فهم الرجولة في نظرات الشباب هذه الأيام ولماذا لهذا الرأي صوت مرتفع

لكن وفي خضم هذه المواقف النورانية هناك سؤال يفرض نفسه: لماذا تبدل فهم الرجولة في نظرات الشباب هذه الأيام ولماذا لهذا الرأي صوت مرتفع؟

والجواب: مع الأسف الشديد، هذا الرأي هو ترجمة لحالة ميوعة أصابت الشباب نتيجة عدة أمور، أولها - وأهمها - هو انشغال رب الأسرة عن دوره، وانشغاله في طاحونة الحياة وتحوله إلى مصرف يعطي الزوجة ما يكفيها وأولادها شهريا، ولا يتابع قيمًا أو عادات أو صلوات أو أخلاقيات من يعول، وتلك طامة أصابت المجتمع في مقتله.

والسبب الثاني/ هو توارث بعض الأعراف الخاطئة التي ترى أن الرجولة هي قوة الساعد والمحفظة أو المال وتلك نظرة مادية جافة من أي روح أو حياة حقيقية

ختامًا

الشباب هم أمل الأمة ومجدها وعزها والتاريخ خير شاهد ودليل، لذلك على الجميع أن يؤدي مسؤولياته للوصول بهم إلى بر الأمان والفهم وراحة البال في الدارين، وإلى كل شاب أقول: اعلم أن رجولتك في محرابك وتلاوتك للقرآن وعملك الصالح، فالزم لكي تسعد وتكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، هذه نصيحتي ولك محبتي ودعواتي وتحياتي.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …