أهلَّت علينا هذه الأيام واحدة مما يُطلَق عليه مواسم الطاعات، من ذكرى حادثة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من رجب، ثم شهر شعبان وليلة المنتصَف منه، وصولاً إلى شهر رمضان المبارك.
وبالرغم من أن المسلم مُطالَبٌ في كل وقت وحين بالطاعات، إلا أن حكمة الله - عز وجل – ومشيئته أن تكون هناك أوقات بعينها في اليوم/ الأسبوع/ السنة التي تمر على حياة بني آدم، تكون استثنائية في الطاعات والعطايا الإلهية، عِلْمًا من الخالق العزيز بضعفِ عباده عن إتيان مثل هذه الطاعات طيلة الوقت.. {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [المُلْكُ: 14]
فتكون العطايا والمِنَح الربانية في هذه الأوقات، من أجل تحفيز الإنسان على أداء الطاعات والعبادات التي أمرنا اللهُ تعالى بها؛ تقرُّبًا له، مما يحقق صالح الإنسان في الدنيا والآخرة.
وفي القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة الكثير من الأدلة الشرعية على حثِّ اللهِ تعالى لعباده على اغتنام مثل هذه الفُرَص، وذلك بصور عديدة، منها ما يكون بفعل الخير مثل إخراج الصَّدَقَات، كما في العيدَيْن من غير الفريضة – زكاة الفطر – ومنها ما يكون بالعبادة، مثل صوم شهر رمضان، أو صلاة القيام، أو الدعاء في ساعات الإجابة، مثل ساعة يوم الجمعة، أو عند صلاة الفجر.
في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة الكثير من الأدلة الشرعية على حثِّ اللهِ تعالى لعباده على اغتنام مثل هذه الفُرَص، وذلك بصور عديدة، منها ما يكون بفعل الخير مثل إخراج الصَّدَقَات، كما في العيدَيْن من غير الفريضة – زكاة الفطر – ومنها ما يكون بالعبادة، مثل صوم شهر رمضان، أو صلاة القيام، أو الدعاء في ساعات الإجابة، مثل ساعة يوم الجمعة، أو عند صلاة الفجر
ولقد وردت عبارة "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" في القرآن الكريم مرَّتَيْن على سبيل الأمر الرباني العام للإنسان سعيًا من المخلوق للنجاة في الدنيا والآخرة.
يقول الله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 148]، ويقول عزَّ وجلَّ: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48]
وفي حقيقة الأمر، وفي إطار عِلْم اللهِ تعالى بالإنسان فإن تحديد مثل هذه الأوقات يزيد من الحماسة والدافعية لدى الإنسان لحصد الثواب ونَيْل الأجر.
إذًا، الإنسان في مواسم الطاعات أمام مقصود إلهي، وبالتالي فإن المسلم المخلِص لدينه واجبٌ عليه التفكُّر والتدبُّر في هذا المقصود الإلهي والعمل عليه .
وبخلاف الشائع فإنه في كثير من الأحيان يكون الأصل في الأشياء أثرها ومقصودها، وليست الأشياء في حد ذاتها.
وهو – والله تعالى أعلى وأعلم – جزء مهم ينبغي أن يكون في فهمنا للدين، وفي تكليفات الله - سبحانه وتعالى – لنا؛ فالعبادات والطاعات ليست مقصودة لذاتها أداءً، وإنما هناك الكثير من المقاصد الإلهية منها، وهذا يشمل حتى أهم الأمور: كالصلاة، التي هي عِمَاد الدين، والصوم الذي هو العبادة التي خصَّها اللهُ تعالى لنفسه من دون سائر العبادات الأخرى.
عندما فَرَض اللهُ تعالى الصلاة والصوم وسائر أركان الإسلام وتعاليمه التي جاء بها، ثم كان لها شارِحًا، رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - كان الخالق العليم الحكيم يقصد بها الكثير من الأمور التي أرادها من شريعته، أهمها إقامة عقيدة التوحيد، وتحقيق سُنَنِه من خلق الإنسان، مثل إعمار الأرض، وكذلك تحقيق مصالح الإنسان
فعندما فَرَض اللهُ تعالى الصلاة والصوم وسائر أركان الإسلام وتعاليمه التي جاء بها، ثم كان لها شارِحًا، رسول الله - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - كان الخالق العليم الحكيم يقصد بها الكثير من الأمور التي أرادها من شريعته، أهمها إقامة عقيدة التوحيد، وتحقيق سُنَنِه من خلق الإنسان، مثل إعمار الأرض، وكذلك تحقيق مصالح الإنسان.
ففي آية "المائدة" سالفة الذِّكْر دعانا اللهُ تعالى إلى استباق الخيرات بعد أن أتى على ذِكْر نقطة أنه جَعَل لنا شرعة ومِنهاجًا، وهنا فإن الحديث الإلهي في كتاب الله العزيز، واضح؛ فهو يدعو الإنسان – سواء المسلم من أتباع محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، أو مَن أسلموا مع أنبياء ورسل الله تعالى لهم من قبله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم – إلى أن يغتنم الخير من خلال اتِّباع ما جاءت به الشرائع والمناهج التي أنزلها لبني آدم عبر العصور والأزمان، حتى وصلنا إلى الشريعة الخاتمة الشاملة التامة، وهي التي جاء بها الإسلام.
فهذا الذِّكْر القرآني، وهذا التأكيد من الرسول - عليه الصلاة والسلام - إنما يعطي الحَدَث هَيْبةً وقيمةً استثنائيةً، وبالتالي يكون الإنسان أكثر إقبالاً عليها، خوفًا من الله تعالى، وطَمعًا – كذلك – في الثواب الاستثنائي المُضاعَف الذي وضعه ربُّ العِزَّة لها.
ولقد وردت عبارة "خَوْفًا وَطَمَعًا" في القرآن الكريم أربع مَرَّات، منها تلك التي جاءت في سُورَة "السَّجْدَة"، وتحمل الكثير من الدلالات هذا الموضِع من الحديث.. يقول الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة: 16]
فالحقيقة، أن التربية هي عِمَاد أي شيء صالح في حياة الإنسان لو أننا نظرنا إلى المعنى الشامل للتربية، وهو التأسيس والإنماء .
بالتكرار والمثابرة، وبالدُّرْبَة - التي تجسدها المواظبة على العبادات والطاعات في أوقات بعينها - والمواظبة عليها، سوف يحدث – بكل تأكيد، شرط إخلاص النِّيَّة - تهذيب النفس، وبالتالي؛ فإن الإنسان يخرج من هذه الأيام إلى الأيام "العادية" – إذا ما صحَّ التعبير – وقد خُلِقَ من جديد
فالتربية تعني - في الأصل - تنمية الوظائف الجِسْمِية والعقلية والخُلُقِية؛ كي تبلغ كمالها كما تُعَرَّف في بعض المدارس كذلك على أنها مجموعة القيم الأخلاقية المستمدة من القواعد الدينية، والعادات الاجتماعية، والتي تساهم في توجيه سلوك الأفراد داخل مجتمعهم.
وتلعب مواسم الطاعات هنا الدور الأكبر في تحقيق تلك المعاني، من خلال تعويد النفس على العبادة، والتي تحمل في طياتها رسائل تربوية عظيمة ، مثل: التزام الوقت، الصبر، وتعويد النفس على احترام الوقوف بين يدَيْ اللهِ تعالى، سيما في الصلاة.
وبالتكرار والمثابرة، وبالدُّرْبَة - التي تجسدها المواظبة على العبادات والطاعات في أوقات بعينها - والمواظبة عليها، سوف يحدث – بكل تأكيد، شرط إخلاص النِّيَّة - تهذيب النفس، وبالتالي؛ فإن الإنسان يخرج من هذه الأيام إلى الأيام "العادية" – إذا ما صحَّ التعبير – وقد خُلِقَ من جديد.
وقتها سوف يشعر المخلوق بعظيم مِنَّةِ اللهِ تعالى عليه عندما يقف على ما طرأ عليه من تغيُّرات إيجابية، يكون بها أفضل في هذه الحياة الدنيا الشاقة!