كيف التعامل مع واقع الوجود؟

الرئيسية » خواطر تربوية » كيف التعامل مع واقع الوجود؟
كيف التعامل مع واقع الوجود؟

واقع الوجود هو السنن التي أرساها الله للوجود والأنفس والآفاق حين أوجدها، ومن معاني (السنّة) في اللغة: الطريق والوِجهة، وسَنَّ سُنَّةً أَيْ بَيَّنَ طَرِيقًا قَوِيمًا، وسنّة الله تعالى: منهجه وتشريعه وأحكامه، ويمكن تقسيم السنن الواقعة في الوجود إلى نوعين، وهو تقسيم ليس شرعيًا أو عقديًا بالمعنى الاصطلاحي، بل هي تقسيم فكري عام للتقريب:

السنن الكونية

التي بنى الله تبارك وتعالى عليها الكون، مثل: تعاقب الليل والنهار، وتربيع الفصول (أي أنها أربعة لا أكثر ولا أقل)، وتغيّرها على الترتيب الجاري، وتركيب الكائنات الحية وعمل أجهزتها الحيوية ونهج تكاثرها، وأدوار المخلوقات في الكون وطاقاتها... إلخ.

السنن التمحيصية أو الامتحانية

التي قدّرها الخالق - تبارك وتعالى - للناس من تقسيم أرزاقهم وتقدير آجالهم وتصريف مجرياتهم وإجابة دعواتهم، وهي واقعة على كل الناس بلا استثناء، كما السنن الكونية، بغض النظر عمن آمن ومن كفر، لكن لا يفهم عن الله تعالى فيها ولا يعاملها على وجهها الصحيح إلا المؤمن بالله تعالى والمتبع لشرعه، فتَمتَحِنُ بذلك إيمانه وتُمحِّص حقيقته.

 

لا تفيد مخلوقًا المنازعة في سنن الوجود، ولا يغيّرها كراهته لها أو عدم رضاه بها

وقد جعل الله تعالى لكل شيء قَدرًا وأَحسَن كل شيء خَلَقه، وهو تعالى أعلم بما وبمن خلق، فلا تفيد مخلوقًا المنازعة في سنن الوجود، ولا يغيّرها كراهته لها أو عدم رضاه بها، وإنما غاية ما يُمكنه - إذا اختار الاختيار الرشيد - أن يتعامل معها وفاقًا لها، فيصلح بَالُه ومآله بتوفيق الله تعالى، وأي اختيار غير هذا عارٍ من الصحّة والرشد، ومُؤَدٍّ بالضرورة لكسوف البال وسوء المآل، والعياذ بالله تعالى.

 

نعيش في غفلة شبه تامة عن حقيقة سنن الوجود وواقع لزوميّتها كجزء من تكوينه الذي أَعلَمَنا به الله تبارك وتعالى وليس سرًّا، حتى نرتطم به على شكل صدمات مفاجئة لم نتوقعها

ورغم صداع الواقعية الذي ثقب الآذان، نعيش في غفلة شبه تامة عن حقيقة سنن الوجود وواقع لزوميّتها كجزء من تكوينه الذي أَعلَمَنا به الله تبارك وتعالى وليس سرًّا، حتى نرتطم به على شكل صدمات مفاجئة لم نتوقعها؛ فنحن نتوقّع - من عند أنفسنا - أن تسير الحياة على وتيرة هانئة، وأن نتساوى جميعًا في كل الأرزاق، ونحتظّ من كل حظوظ الدنيا... إلى آخر تصوراتنا المخترعة.

ولأنّ كل ذلك مخالف في ظاهره أو جوهره لواقع الوجود وسننه المذكورة، تصير نفوسنا في حالة استنفار قصوى عند وقوع ابتلاء ما، منتظرة رجوع الوضع "الطبيعي"، وتظل في حالة ترقب لكل رزق ينقصها متلهفة على وقت "اكتماله"، فلا عجب أن نعيش في حالة قلق دفين، وتوجّس دائم، وسخط مبطّن، على ما هو كائن حولنا في الوجود، مما نشعر في نفوسنا – لسبب ما - أنه لا ينبغي أن يكون!

 

إذا كان صلاح البال مرتبطًا باتساق الفرد وانسجامه، وكسوف البال مترتبًا على الانفصام والمعاكسة والمخالفة، فمكمن الاتساق أو الانفصام الحق هو مع واقعك الذي في نفسك

وإذا كان صلاح البال مرتبطًا باتساق الفرد وانسجامه، وكسوف البال مترتبًا على الانفصام والمعاكسة والمخالفة، فمكمن الاتساق أو الانفصام الحق هو مع واقعك الذي في نفسك الذي سيأتي بيانه في مقالة تالية، وواقع الوجود الذي سنّه الله تعالى في الوجود، فالأول تبنيه وتقوّمه بإرادتك، والثاني يستمد ثباته من الخالق جل وعلا، أما واقع الناس فهو أبدًا متغير متبلبل كما سبق الكلام عليه، وتعايشك وسطه فرع عن اتساقك مع الواقعين الاسبقين، كما أنّ حروبك معه فرع عن معاركك مع ذاتك أو الوجود.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …