مقاومة الضفة الغربية.. المارد يخرج من قمقمه

الرئيسية » بصائر من واقعنا » مقاومة الضفة الغربية.. المارد يخرج من قمقمه
تشديد المقاومة الشعبية لمواجهة الاعتقالات بالضفة

في الصراع الفلسطيني الصهيوني، استطاع الكيان الصهيوني أن يشتت الفلسطينيين بين جغرافيات أربع، غزة والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر والشتات، والمقاومة الفلسطينية لهذا الاحتلال لا بد أن يشترك فيها كل فلسطيني، في كل جغرافية من الجغرافيات الأربع، كلٌ في مكانه، بحسب قدرته واستطاعته.

فلسطينيو الشتات، عليهم دائما أن يحيوا قضيتهم في كل بقاع العالم؛ لكي لا تموت مع الزمان، وكم من قضية ماتت لما تخلى عنها أصحابها وانشغلوا عنها بمشاغلهم الحياتية اليومية.

على فلسطينيي الشتات أن يملؤوا الأرض صخبًا وضجيجًا بقضيتهم وعدالتها، فإن الصخب والضجيج يجبر العالم على الإنصات، ويجبر المحتل على التروي قبل أي ممارسة احتلالية ظالمة، وإن التظاهر الذي يتهكم عليه البعض - لهو في رأيي - شيء من أبدع ما قدمته الحياة المعاصرة للمظلومين والمقهورين والمصلحين.

لا بد أن لا يركن فلسطينيو الخط الأخضر لهذا الانتظار، وعليهم أن يساهموا بقدر ما يستطيعونه، بالتظاهر الذي لا يتوقف، وبالاعتكاف والمرابطة داخل المسجد الأقصى، وبمد إخوانهم بالمال إن استطاعوا

وعلى فلسطيني الشتات كذلك أن يمدوا إخوانهم في الداخل بما يقدرون عليه من دعم إعلامي ودعم مالي، ودعم بالسلاح إن أمكن، وفلسطينيو الخط الأخضر، الذين يعيشون في داخل الأراضي المحتلة قبل عام 1967م، دورهم قادمٌ لا محالة، وهو - في رأيي - سيكون الدور الأكبر في نهاية إسرائيل، يوم أن ينادي المنادي: أن قد حان وقت زوال إسرائيل، فحيَّعلى.

ولكن، لا بد أن لا يركن فلسطينيو الخط الأخضر لهذا الانتظار، وعليهم أن يساهموا بقدر ما يستطيعونه، بالتظاهر الذي لا يتوقف، وبالاعتكاف والمرابطة داخل المسجد الأقصى، وبمد إخوانهم بالمال إن استطاعوا.

وأما فلسطينيو غزة، فقد جاهدوا وصبروا، وشدوا على عدوهم شدة الخلاص، حتى تمكنوا من دحره وإخراجه من غزة عام 2005م، ولكن، بعد أن انسحب الكيان الصهيوني من غزة، أحكم حصاره عليها، ليخرجها من اللعبة بأكملها، واستطاع إلى حد كبير أن يفعل ذلك، بمساعدة صهاينة العرب، الذين يغلقون حدودهم مع قطاع غزة، فلا يستطيع مقاوموها أن يُدخلوا السلاح والذخيرة، ولا حتى أن يُدخلوا الطعام والدواء، إلا بصعوبة بالغة، وبتحايل بالغ.

وإن كان الكيان الصهيوني قد انهزم في غزة، وطُرد منها طردة المحتل المهزوم، إلا أننا نستطيع أن نقول إنه انتصر في إحكام حصاره على القطاع، وسجن مقاوميه، وتعطيل سلاحهم، وذلك الذي تحاول المقاومة هناك كسره عن طريق تطوير منظمة الصواريخ، لتصبح أبعد مدى وأكبر أثرا.

وأما فلسطينيو الضفة، فإنهم المعنيون أكثر بحديثنا اليوم، وإن دورهم أكبر الأدوار الآن في مواجهة ذلك الاحتلال البغيض. فإن كان دور الغزيين قد كان في أشده سابقا، وإن كان دور فلسطينيي الداخل سيكون في أشده لاحقا، فإن دور أهل الضفة يحتاج إلى أن يكون في أشده اليوم.

اليوم يوم الضفة؛ لأن الاحتلال بعدما حاصر غزة، وأحكم قبضته عليها، وبعدما ابتلع أراضي الخط الأخضر، وأحكم - مع الأسف - قبضته على أهلها، ها هو يحاول إحكام القبضة على الضفة، لإخراجها من اللعبة كذلك.

ولو خرجت الضفة من اللعبة، فستنهار القضية الفلسطينية إلى الأبد. وستنتهي فلسطين التاريخية إلى بقعة صغيرة تسمى غزة ليس من بعدها شيء، وستذهب فلسطين كلها بقدسها ومسجدها الأقصى إلى ذاكرة النسيان.

محور القضية الفلسطينية الأكبر، هو المسجد الأقصى ومدينة القدس، وهما واقعان في الضفة، ولذلك فمعركة الضفة غير أية معركة.

الاحتلال الخارجي يعجز وسيعجز عن قمع حركة المقاومة إلى حد دحرها وإنهائها تماما، ولا يستطيع ذلك إلا عملاؤه في البلاد المحتلة

والظاهر يقينًا، أن الاحتلال الصهيوني لن يسمح مطلقًا بتحرر الضفة، ولو سمح بتحرر الضفة فلن يسمح بتحرر مدينة القدس ومسجدها الأقصى.
والاحتلال الصهيوني يسعى بقوة وبعجلة إلى حتفه، ولو أراد أن يطيل وجوده قليلًا أو كثيرًا، فقد كان عليه أن يسمح بقيام دولة فلسطينية حقيقية على أرض غزة والضفة معًا، وحينها كان علمانيو الفلسطينيين وفاسدوهم المتحكمون في السلطة سيتكفلون بإنهاء حركة المقاومة بأيديهم، وهم الأقدر على ذلك، وذلك كما استخدم النظام العالمي أنظمة الفساد والعلمانية العربية في قمع الحركات الإسلامية فيها.

الاحتلال الخارجي يعجز وسيعجز عن قمع حركة المقاومة إلى حد دحرها وإنهائها تماما، ولا يستطيع ذلك إلا عملاؤه في البلاد المحتلة. ولكن الاحتلال الصهيوني، يصر بغباء فطري، وبتدبير قدري إلهي كذلك، على أن يسعى بقوة وبعجلة إلى حتفه، بإصراره على الاحتلال الكامل للضفة، والاغتصاب الكامل للقدس، والهيمنة الكاملة على المسجد الأقصى، وهذا ما سيكون - بإذن الله - سبب تدميره وإنهائه.

عندما انسحب الاحتلال الصهيوني من غزة، وأحكم حصاره عليها، استطاع في الآن ذاته أن ينهي حركة المقاومة المسلحة المنتظمة في الضفة، بنزع سلاح المقاومة فيها، وقتل وأسر أغلب مقاوميها. وقد ساعدته على ذلك بقوة أجهزة السلطة الفلسطينية العميلة له، حتى قال القائل: لقد ابتلع الاحتلال الضفة كما ابتلع ما داخل الخط الأخضر من قبل.

وحتى بدأ البعض في لوم أهل الضفة عموما، الذين استكانوا ورضخوا، وبدوا أنهم قد استسلموا بالكلية لحاضرهم الاحتلالي، وكانت بين الحين والآخر، تخرج موجة من موجات المقاومة الشعبية في الضفة، عن طريق التظاهر، وعن طريق رمي الأحجار وإشعال الإطارات.

الآباء إن كانوا قد عجزوا عن تحرير أرضهم ومقدساتهم، فإن على الأبناء أن يقدروا على ما عجز أبناؤهم عنه

والمقاومة بهذا الشكل - وإن كانت لا تجدي كثيرا - إلا أنها تُبقي القضية مذكورة وحية في عقول وقلوب الناس في الداخل والخارج.

وتُذكِّر أطفال اليوم، الذين سيكونون شباب الغد، بأن الآباء إن كانوا قد عجزوا عن تحرير أرضهم ومقدساتهم، فإن على الأبناء أن يقدروا على ما عجز أبناؤهم عنه.

وقد خرجت منذ فترة موجة من العمليات البطولية في الضفة، عن طريق الطعن بالسكاكين، وكانت موجة بطولية ليس لها مثيل، يخرج فيها الفدائي فيطعن بالسكين واحدا أو أكثر من المحتلين الغاصبين، ثم يستقبل الشهادة راضيا مرضيا، فدب بذلك الرعب في صفوف المحتلين، ثم خمد الأمر بعد ذلك.

ثم ها هو المارد يحاول أن يخرج من قمقمه، لتكسر المقاومة في الضفة القيود التي قيدها بها الاحتلال، وتعود لتقتل وتجرح في صفوف المحتلين، وبالسلاح الناري، وهنا كانت المفاجأة.

عادت المقاومة المسلحة في الضفة، وإن كانت قد عادت في شكل أعمال فردية، أو في شكل خلايا صغيرة، فإن ذلك هو الذي يفرضه الواقع، وإن أجهزة الاحتلال الأمنية، مع أجهزة السلطة الفلسطينية العميلة، ما كانت لتسمح بعودة المقاومة المسلحة المنظمة الكبيرة.

وإن الذي أشير به على المقاومة في غزة، أن لا تتدخل سريعا فيما يجري في الضفة الغربية، فإن تدخلها بإلقاء الصواريخ على الأراضي المحتلة، غالبًا ما يحول المشهد، من مشهد مقاومة في الضفة، إلى مشهد قصف صهيوني لغزة، وردٍّ صاروخي مقاوم من غزة عليه، ثم تُطوى صفحة المقاومة في الضفة تماما، وينتهي المشهد مع مئات القتلى الغزيين، ومئات الأبنية المقصوفة على رؤوس أصحابها هناك.

على إخواننا المقاومين في غزة، أن يعطوا الفرصة كاملة لمقاومي الضفة، حتى يُدلوا بدلوهم في قضية تحرير وطنهم، وإن دلوهم لكبير، ولا يقل بحال عن دلو غزة. ولا بد ألا يساعدوا الاحتلال في تغيير الوجهة، وعليهم أن لا ينجروا وراء الهتافات العاطفية التي تدعوهم لقصف الأراضي المحتلة بالصواريخ نصرة لإخوانهم في الضفة.

لغزة قصة رواها المقاومون هناك، وللضفة قصة رواها المقاومون هناك وما زالوا يروونها؛ لأنها قصة ما تزال لها فصول لم تكتمل بعد، ولن يكملها إلا أبناؤها، المقاومون المجاهدون الأبطال.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

من عوامل ثبات أهل غزة

قال تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم …