هل تعلم لماذا تخلّف العرب؟ لا تزال الشعوب تبحث عن سبب!

الرئيسية » حصاد الفكر » هل تعلم لماذا تخلّف العرب؟ لا تزال الشعوب تبحث عن سبب!
هل تعلم لماذا تخلّف العرب - لا تزال الشعوب تبحث عن سبب

الشعوب عادة تريد تبسيط الأفكار والأمور، تريد أن تسمع سببًا واحدًا محددًا للمشكلة، وأن تسمع علاجًا واحدًا محددًا لهذه المشكلة، وأن يكون تطبيق هذا العلاج لا يتضمن أية مسؤولية عليها أو أي أفعال مطلوبة من الأفراد، أن يكون السبب طرف ثالث، والعلاج بطرف رابع!

العرب في مرحلة التيه والضياع

شعوبنا تعيش مرحلة التيه والضياع طوال المائة عام الماضية، وفي كل مرة ترى السبب واحدًا محددًا، وترى العلاج زوال هذا السبب، ثم تصاب بصدمة حين يزول السبب، لكن تستمر رحلة التيه والضياع!

في أول القرن العشرين، قال المثقفون إن سبب التخلفِ هو الدولةُ العثمانية التي أصابها الضعف، والعلاج يكون في اللحاق بالحضارة الغربية والتبعية لها، وترك حضارتنا وهويتنا، بل وديننا! وحين سقطت الدولة العثمانية، هلل المثقفون، ودخل الاستعمار الأوروبي البلاد، لكن عاشت البلاد في مزيد من الفقر والبؤس، حتى أصبح الناس يتحسّرون على الدولة العثمانية والأيام الماضية.

قال المثقفون إن سبب التخلف هو الاستعمارُ الأوروبي، والعلاج يكون في التحررُ السياسي، وحين خرج الاستعمار العسكري، وجاءت أنظمة ديكتاتورية، زاد القمع والتخلف والذل والهزيمة والفقر

في منتصف القرن العشرين، قال المثقفون إن السبب هو الاستعمارُ الأوروبي، والعلاج يكون في التحررُ السياسي، وحين خرج الاستعمار العسكري، وجاءت أنظمة ديكتاتورية، زاد معها القمع والتخلف والذل والهزيمة، وتزايد معها الفقر، حتى أصبح الناس يتحسّرون على أيام الاستعمار الماضية.

لماذا تخلف العرب وتقدم الآخرون؟

اليوم - ونحن في أول القرن الحادي والعشرين - لا تزال الشعوب تبحث عن سبب بسيط واحد واضح محدد لتخلفها؛ كي تلوم هذا السبب، الحكام، الاستعمار، الماضي، التغريب، الفساد، التعليم، الإعلام؛ فهي لا تحب سماع أسباب متداخلة معقدة تضع المسؤولية على الأفراد، بل تحب الأسباب المنسوبة إلى المجهول، وإلى الأطراف الخارجية.

عوامل كثيرة متداخلة، سيكون علاجها ليس قفزة واحدة وخطوة واحدة وقرارًا سياسيًا، لكن علاجها خطوات كثيرة متداخلة وتدريجية

كل واحد يختار سببًا ويهلل عليه، بشرط أن لا يكون هو نفسه عليه دور في إصلاح هذا السبب، كي يكمل في نظريات العجز وقلة الحيلة والضعف والمؤامرات الكونية العليا! وانتظار المعجزات والحلول من الخارج! ولا تتقبل الشعوب أن السبب هو الشعوبُ نفسها، وأن كل فرد يلعب بنفسه دورًا صغيرًا في هذا الفشل!

عوامل كثيرة متداخلة، سيكون علاجها ليس قفزة واحدة وخطوة واحدة وقرارًا سياسيًا، لكن علاجها خطوات كثيرة متداخلة وتدريجية، وهذا ما يسميه مالك بن نبي: القابلية للاستعمار!

ابدأ بنفسك

يجب على كل فرد في هذه الشعوب تنفيذ الجزء البسيط الذي يختص به وهو مسؤول بنفسه عنه مسؤولية شخصية أمام الله والتاريخ والزمن! مسؤوليته تلك في الجزء الصغير الذي يسيطر عليه، كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، أمام الله وأمام ضميره.

عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مسؤول عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مسؤولةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مسؤول عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ"

الشعوب لا تنهض بالمعجزات، لكن بدفع الناس بعضهم ببعض، والتدافع والصراع، غيّر ما حولك بالفعل، ولو لم تستطع فبالكلمة، ولو لم تستطع فبالقلب والعمل بينك وبين نفسك

نجاحات بسيطة صغيرة تتراكم، تصنع شعبًا واثقًا بنفسه وقدراته، يستعيد احترامه لنفسه ولا يقبل الذل والهوان والفساد مقابل فتات الخبز.

ابدأ بنفسك اليوم؛ كي تكون حجرًا صغيرًا في بناء صرح النهضة، وهذا واجبك الديني والأخلاقي، فلا تنتظر المعجزات وقصص الحواديت الخيالية، فالشعوب لا تنهض بالمعجزات، لكن بدفع الناس بعضهم ببعض، والتدافع والصراع، غيّر ما حولك بالفعل، ولو لم تستطع فبالكلمة، ولو لم تستطع فبالقلب والعمل بينك وبين نفسك.

كيف يحدث التغيير؟

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"
من تحت الرماد تنهض العنقاء مجددًا وتطير إلى عنان السماء، إنها سنة الله في الكون، موت الأمم ثم عودتها وانبعاثها، لكن برغم كل التفاصيل التي شرحتها في هذا المقال، وكل التفاصيل المكتوبة على صفحتي، سيسألني أحدهم: "يعني أعمل إيه؟"

عزيزي الذي يسأل... كيف رأيت ما أكتب؟ أليس لك صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي؟ اكتب عليها، انشر الأفكار، لو لم تستطع التغيير بالفعل، غيّر بنشر الكلمة والفكرة، لا تكن جبانًا، ولا متخاذلًا، وهذا أبسط شيء يمكنك أن تفعله، أن تنشر وتشارك الأفكار على صفحتك؛ كي تتغير العقول والأفعال والأعمال.

 

الأستاذ الدكتور/  خالد عمارة
طبيب جراحة العظام وأستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس

 

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • أكاديمية بالعقل نبدأ
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى متى سيظل العالم يتفرج على ذبح غزة؟!

منذ اليوم الأول للعدوان الوحشي على قطاع غزة كان الموقف العربي الرسمي ضعيفا ومحط انتقادات …