عادة ما يتركز الحديث في مسألة التربية عما يتوجب على الأبوين فعله تجاه الأبناء، ويقل الحديث في الأمور المنهي عنها في التربية، وإذا ما دار الحديث عنها يقتصر الأمر على النهي عن الضرب والإهانة، وذكر عظم أثرهما السيئ والمؤلم على الأبناء جسديًا ونفسيًا.
وإن غدا ذلك النهي في محله، فهذا لا يجب أن يقلل من شأن أخطاء أخرى في التربية لا تقل فداحة عن الضرب والإهانة، بل وقد تترك آثارًا خطيرة تؤثر على نفسية وسلوك وتفكير الإنسان مدى الحياة.
وفيما يلي ذكر لبعض تلك الأخطاء الجسيمة وأبرز أضرارها على الأبناء سواء على المدى القصير أو البعيد:
1- القسوة والحزم الشديد
كثيرًا ما يخلط الأب بين ضرورة أن يكون حازمًا في بعض الأمور والمواقف مع أبنائه، وبين أن يكون هذا ديدنه وطبعه في تعامله مع أبنائه ، فينقلب الحزم قسوة ويؤدي هذا إلى بناء حواجز في التعامل بينه وبين أبنائه.وبدلًا من أن يصير الأب الملجأ الذي يلوذ إليه الأبناء حين يقعون في مشكلة، يكون هو المشكلة ذاتها التي يحرصون على الابتعاد عنها، ثم يتطور الأمر حين يكبرون ليخفوا عنه أمورًا تحدث في حياتهم، ويتوقفون عن استشارته في أي أمر أو إشراكه في أي قرار.
أبرز عواقب وأضرار القسوة فهي سوء العلاقة بين الابن وأبيه والفجوة الذي تنشأ بينهما
على الآباء الانتباه أن الحزم مهم في مراحل عمرية معينة وفي مواقف محدودة، ولكن الرحمة والحنان والتفهم والاحترام والنقاش الراقي يجب أن يكونا أساس العلاقة التي تستمر مدى الحياة.
يقول أحد الأبناء بعد مرور سنوات على ضرب والده له في أحد المواقف إنه ما عاد يتذكر سبب الضرب ولكنه لم ينسَ أبدًا أن والده ضربه! والأمر نفسه بالنسبة لمواقف القسوة والشدة، فإن ولدك قد ينسى السبب الذي قسوت عليه لأجله ولكنه لن ينسى أبدًا قسوتك عليه .
أما أبرز عواقب وأضرار القسوة فهي سوء العلاقة بين الابن وأبيه والفجوة الذي تنشأ بينهما، كما تؤدي لشعور الأبناء بالوحدة في كثير من الأحيان رغم وجود آبائهم على قيد الحياة، لعدم وجود علاقة طيبة وودودة تدفع الولد لطلب النصح أو العون من والده وهو الأصل في العلاقات السوية بين الآباء والأبناء.
2- التوقعات المدمرة والتدخلات الفجة
يخلط بعض الآباء بين رغبته في أن يتفوق أبناؤه وينجحوا في الحياة، وبين طلب الكمال منهم، فتجد بعض الآباء يبالغ في مسألة الدراسة والدرجات، ويصير الأمر قضية إن لم يتفوق الابن أو يحصل على درجات معينة.
على الآباء التمييز بين واجبهم في تقديم النصيحة للأبناء وإبداء رأيهم، وبين فرض رأيهم على أبنائهم
وينطبق الأمر كذلك على اختيار التخصص الدراسي والجامعات ومجال العمل، فيتدخل بعض الآباء تدخلًا فجًا في اختيارات أبنائهم حتى يختاروا تخصصات ومجالات عمل معينة، وإن لم تكن هذه رغبة الأبناء، وإن حصل واختار الأبناء غير ذلك، يسخط الآباء ويرون أنه حاد عن طريق النجاح.
لذا، على الآباء التمييز بين واجبهم في تقديم النصيحة للأبناء وإبداء رأيهم، وبين فرض رأيهم على أبنائهم، والحكم عليهم بأحكام ظالمة بناء على قرار يخص حياتهم وحدهم، مع العلم أنه ليس فيه ما يعيب أو يغضب الله تعالى.
أما أخطر نتائج هذا الأمر فهي مشاعر الضغينة التي قد تتولد في قلب الابن إذا ما أجبر على دراسة مجال معين لا يحبه، ويظل دائمًا قيد أحلامه وطموحاته التي حرمها منه تدخل أبيه في حياته.
وبالنسبة لطلب التفوق المستمر من الابن فلا ريب سيسبب الكثير من العقد النفسية وبغض الذات وعدم الشعور بالرضا بسبب النقد المستمر من الأب وعدم رضاه عنه وتقييمه المستمر لولده بدرجاته!
فيصير حب الأب مشروطًا بعمل ينفذه الابن أو نجاح يحرزه، وهذا يعد من أسوأ العقوبات التي قد يفرضها أب على ولده ألا وهو الحب المشروط .
تمييز الآباء بين أبنائهم لا يلحق الضرر بعلاقاتهم بهم فحسب، بل يؤثر على علاقة الإخوة ببعضهم البعض
3- التمييز في المعاملة
وهو يعد من أشنع الأخطاء التي يرتكبها الكثير من الآباء في حق أبنائهم، فحتى إذا كان التمييز يقتصر على معاملة رائعة لأحد الأبناء دون إيذاء الآخر والاكتفاء بتجاهله وكأنه غير موجود، فهذا التصرف في حد ذاته ظلم عظيم لكلا الابنين؛ ذلك أن الابن الذي يعامل معاملة سيئة أو يتجاهله الأب بالكلية لا تتولد في داخله مشاعر الكراهية للأب المميِّز في المعاملة فحسب، بل كذلك للابن الذي يميزه الأبوان في المعاملة!
ولهذا فإن تمييز الآباء بين أبنائهم لا يلحق الضرر بعلاقاتهم بهم فحسب، بل يؤثر على علاقة الإخوة ببعضهم البعض، فتنشأ مشاعر الضغينة والحقد والحسد وكثيرًا ما تستمر تلك المشاعر حتى بعد موت الآباء وذهاب كل أخ لحال سبيله.
من الضروري أن يدرك الآباء أخطاءهم في التربية ويعترفوا بها والأهم أن يحرصوا على الاعتذار عنها وتصحيحها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.