حادت الكثير من الأمور المتعلقة بالخطبة والزواج عن مسارها الطبيعي في الآونة الأخيرة، فلم تعد الغالبية تتبع الدين أو العرف السائد، وابتعدوا عن الأولويات والمباحات حتى اختلط الحابل بالنابل.
وليس الغرض هنا التفصيل في هذا الأمر، وإنما سنكتفي بذكر أبرز أربعة أمور يغفل عنها الكثير ممن يقدمون على الزواج، أو يتعاملون معها بطريقة سطحية حتى تستفحل الأمور بعد الزواج ويصير الأمر الذي غُفِل عنه مشكلة رئيسة بل وتصبح في بعض الأحيان سببًا للطلاق.
1- الأمور المادية
فعلى الرغم من أنه من أهم الأمور في مسألة الزواج؛ فهو واحد من أبرز أسباب الطلاق. ولا نتحدث هنا عن مستوى مادي معين أو طبقة اجتماعية محددة، فكل أدرى بما يصلح له. ولكن ما ننوه له هو أهمية الحديث في الأمور المادية منذ البداية وفي أول فترة التعارف وعلى أساسه - ومع غيره من الأمور الأخرى الأساسية كالدين والخلق وأي شروط يشترطها الطرفان - يتخذ قرار استمرار عملية التعارف وتعمقها أو إنهاء الأمر عند هذا الحد.
ما دام هناك أمر يعرف الإنسان أنه لن يستطيع أن يتم الزيجة دون تمامه أو وجوده فما لزوم إطالة مدة التعارف - التي عادة ما تتعلق فيها القلوب - إذا كان سينتهي الأمر في كل الأحوال
أما أن تتم الخطبة وتتعلق القلوب وتمر الشهور الطوال، ثم يبدأ الطرفان في الحديث عن مسائل الإنفاق والمهر وغيره من الأمور، وحين لا يتفقان يقرران إنهاء الأمر، فما كان الهدف إذن من الاستمرار في التعارف؟! فما دام هناك أمر يعرف الإنسان أنه لن يستطيع أن يتم الزيجة دون تمامه أو وجوده فما لزوم إطالة مدة التعارف - التي عادة ما تتعلق فيها القلوب - إذا كان سينتهي الأمر في كل الأحوال بناء على أمر ما سواء كان ماديًا أو غيره؟
2- التعامل مع العيوب الشخصية على أنها أمر عابر
من أبرز النصائح التي تقرؤها في أي كتاب عن فترة التعارف والخطبة هو أن يتعامل الإنسان مع الصفات التي يراها في الطرف الآخر على أنها هي الصفات ذاتها التي سيتعامل معها مستقبلًا بعد الزواج، وألا يعتمد بحال على مسألة التغيير أو تعوده هو على العيب أو الطبع خاصة إن كان يسوؤه.
فأحيانًا، حين يحكي أحد الأطراف ــــ أثناء فترة التعارف ــــ عن صفة تضايقه في الطرف الآخر يتعامل معها وكأنها صفة عابرة وموقف لن يتكرر . وهنا يجب علينا التمييز بين طبع الشخص وبين موقف معين، فمثلًا، إذا ما تكررت عصبية شخص وانفعاله باختلاف الأشخاص والمواقف يكون هذا هو طبعه، ولا يصلح بحال التعامل معه كونه موقفًا عابرًا؛ لأنه ببساطة ليس كذلك. بينما إذا كان الأصل في تعامل الشخص الرزانة ورباطة الجأش، ثم فقد أعصابه في موقف ما، فهنا يمكن بل ويحبذ البحث عن السبب في هذا الانفعال.
وهذا سيعكس معدن الشخص وصفاته وما الذي يسوؤه ويثير انفعاله، وربما حينها يمكن التعامل معه على أنه موقف عابر أو لن يتكرر إلا بتكرر الأمر المُسبِّب له.
إذا كان الأصل في تعامل الشخص الرزانة ورباطة الجأش، ثم فقد أعصابه في موقف ما، فهنا يمكن بل ويحبذ البحث عن السبب في هذا الانفعال
3- مسألة الاعتذار
من أشهر نصائح أبي - الله يرحمنا ويرحمه - لنا أنه كان يقول دائمًا: "إياكم وما يُعتَذَر منه"، أي لابد للإنسان أن يحرص على الابتعاد عن ارتكاب الأخطاء والتصرفات التي يعلم الإنسان علم اليقين أنه لابد معتذرٌ عنها بعدها.
ولأننا بشر فليس من السهل تطبيق تلك القاعدة على الدوام وقد ينتهي الأمر بارتكاب الأخطاء على أي حال ثم الاعتذار. وهنا تظهر مشكلتان متعلقتان بمسألة الاعتذار: الأولى هي استكبار البعض عنه، وعدم اعتذارهم برغم قبولهم لخطئهم أو حتى اعترافهم به في معظم الأحيان.
أما المشكلة الثانية - وهي لا تقل خطورة عن الأولى - هي ارتكاب الخطأ عمدًا بل وتعمد تكراره ثم إتباعه بالاعتذار. وكأن الاعتذار مبرر لارتكاب أمر يعلم الإنسان يقينًا أنه سيضايق الطرف الآخر ، بل قد سبق وارتكبه من قبل واعتذر عنه. ومع ذلك يستمر في ارتكابه معتمدًا على اعتذاره عنه لاحقًا!
فلا بد من الانتباه لتلك الخصلة في صفة الاعتذار حيث تعتبر استخدامًا سيئًا وخبيثًا للاعتذار وحجة ملتوية لارتكاب الأخطاء مرارًا وتكرارًا.
مسألة الزواج أمر في منتهى الأهمية والخطورة، ومن الضروري أخذ فترة التعارف بجدية
4- التأكد من قبول حيثيات الزواج وشروط أو ظروف الطرف الآخر
ونخص هنا بالذكر الظروف المتعلقة بالعيش في بيت الأسرة مثلًا، أو مكوث أحد أبوي الطرفين في نفس بيت الزوجية. فكثيرًا ما تقبل هذه الأمور قبل الزواج إما على مضض أو برحابة صدر ولكن بشروط وسقف توقعات معين، لا يتحدث عنه المعنِيُّ بالأمر بصراحة على أمل كونه مفهومًا ضمنيًا.
فمثلًا، توافق فتاة على السُّكنى في بيت الأسرة "متوقعة" أن لها خصوصية وأنها لن تحتاج للتواصل مع بقية الأسرة إلا عند وجبات الطعام فحسب أو في نطاق ضيق حددته هي مع نفسها. بينما فكر الزوج أنهما سيقضيان ساعات مع أسرته، وألا بأس في تدخل أمه في حياتهم الزوجية وخدمة الزوجة لأمه وأسرته. ويظل كل من المخطوبين في توقعاته وخيالاته الذي رسمها مع نفسه، ثم يحدث الصدام بعد الزواج حين تخيب التوقعات وتتلاشى الخيالات وتحدث المواجهات . ويبدأ النقاش الجاد في أمر كان من المفترض أخذه على محمل الجد قبل عقد الزواج بحيث إذا لم يتم التوصل لحل يرضي الطرفين لا يكون الفراق مدمرًا نفسيًا وماديًا بالدرجة التي يحدثها الطلاق!
وختامًا، فإن مسألة الزواج أمر في منتهى الأهمية والخطورة، ومن الضروري أخذ فترة التعارف بجدية سواء في الاتفاق على الأمور المادية والتحدث فيها بمنتهى الصدق والشفافية، أو في فهم طباع الطرف الآخر وتقبلها، والتأكد من استيعاب ظروفه المعيشية بالتفصيل والرضا بها قبل الموافقة على الزواج.