لا يوجد نموذج مثالي للحياة الزوجية، إنّما لكل تجربة ميّزاتها وعيوبها، ولكل نجاح أسبابه كما لكل فشل أو إخفاق كليّ خلفية أهمل الشخص فيها مسألة الأخذ بأسباب النجاح لكي يصل إليه بسلام!
كلُّ حياة أسرية وعائلية فيها من المشاكل والأزمات والمنغصات ما لا يُخفى ولا يعدّ، وليس الأمر متعلقًا بالحياة الزوجية فحسب، وإن كانت الحياة الزوجية تحديدًا هي موضع إلقاء الضوء في هذه المقالة، وبالتأكيد فإن الأمر لا يتعلق بقصور أو نقص في أحد أطراف العلاقة/ أو الأسرة عمومًا، بل تعود أسباب الخلاف - قطعًا – إلى تنوع الطبائع البشرية والاختلاف/ أو الفوارق الفردية الطبيعية بين البشر جميعًا.
اقرأ أيضا: التعود سجن وإن كان ميزانا
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أهم سبب في انهيار الأسرة وفشل علاقة الزواج هو عدم إدراك الزوجين لأهمية الأسرة والمحاربة في الحفاظ عليها والصبر على الضغوط والمشاكل ومحاولة الإصلاح ما استطاعا ، فإن محاولة تجاوز المشكلات وتخطي الأزمات من قِبَل أحد أطراف الأسرة/ العلاقة لا يكون من باب الضعف وإنّما لتجنب تفكك الأسرة وضياعها.
لن يكون سهلًا تحديد ما إذا كان الزواج قد فشل بالفعل ووصل الزوجان إلى طريق مسدود لا يمكن العودة منه وإصلاح الأمور إلا بالاستشارة والمراقبة
علامات تنذر بفشل الزواج وتهدده:
من الظلم أن تحكم بالفشل على علاقة ميثاقها غليظ يأخذه الله تعالى بذاته العليّة كالزواج، إلا بعد تدقيق شديد ومراقبة مطوّلة واستشارة ذوي الخبرة الأمناء ؛ لكي يحدد أطراف العلاقة مستوى المشكلة... بالتأكيد لن يكون سهلًا تحديد ما إذا كان الزواج قد فشل بالفعل ووصل الزوجان إلى طريق مسدود لا يمكن العودة منه وإصلاح الأمور إلا بالاستشارة والمراقبة.في الحقيقة هناك علامات تقضي حقًا بأن الزواج آيل للانهيار، والعلاقة في طريقها إلى النهاية، ولعل أهم هذه العلامات استمرار أي سبب من أسباب الفشل ودوام تكرار الأخطاء بدون التفكير في حلها والنقاش الجاد بشأن إصلاحها والعودة عنها.
وتندرج تحت هذا العنوان العريض تسعة بنود يشير إليها أغلب استشاريي الأسرة، أفصّلها فيما يلي:
1. إفشاء أسرار الطرف الآخر، وأسرار البيت والأسرة ومشاكل الأبناء ونقاط ضعف الزوج أو الأبناء؛ لأن ذلك يهدد الأمان النفسي والعام لجميع أفراد الأسرة، إفشاء الأسرار عمومًا خلق سيئ أنّى كان، وهو طلقة في مقتل لأية علاقة فكيف إذا توجهت لقلب علاقة دافئة تقوم على الخصوصية كالزواج .
2. الانتقادات المستمرة من الطرفين أو من أحدهما سواء فيما يستحق وما يمكن أن يمر بدون انتقاد، وهذا يضعف العلاقة ويوصل دومًا لأطرافها عدم رضا الطرف الآخر وبالتالي يتسرب الرفض والنفور شيئًا فشيئا وكذلك الأمر بالنسبة للاتهامات والأحكام المسبقة التي يوجهها أحد الزوجين – أو كلاهما - للآخر باستمرار.
3. العنف في التعامل، وفي التواصل وردات الأفعال والاستجابات خلال التعاطي مع الطرف الآخر، أو حتى مع الأبناء، يقتل الزواج، والعنف أقسى منهج يمكن أن ينتهجه الزوجان داخل أسرتهما وبيتهما، وهو أسهل طريق لنفور الطرفين من بعضهما العنف أقسى منهج يمكن أن ينتهجه الزوجان داخل أسرتهما وبيتهما، وهو أسهل طريق لنفور الطرفين من بعضهما.
4. الاختلاف الكلي في الطباع وتكبّر الطرفين أو أحدهما عن النقاش الجاد لإصلاح الأمور، ومثله الرفض المستمر من قبل أحد الزوجين الاستجابة للاتفاقات التي يتفاهمان عليها أو النقاشات التي يخوضانها بشأن علاقتهما وأسرتهما.
الإساءة المتعمدة بين الزوجين تفتك بالزواج – ولو كانت بغرض المزاح – وكذلك السخرية والتقليل من شأن الآخر، وهذا السبب يعني هدم عمود من أهم أعمدة الزواج الناجح وهو الاحترام
5. الفتور العاطفي وغياب المحبة والاهتمام بين الزوجين؛ فلا يهتم أحدهما لحزن الآخر أو يحاول حل مشاكله وتهوين عراقيل حياته ولا يتعاطف معه في مرضه ومعاناته إطلاقًا – ولا نعني عدم الاهتمام المؤقت بسبب غضب عارض أو مشكلة مؤقتة بينهما – وإنما نعني أن يصل الأمر إلى أن يهون على أحد الزوجين أن يرى شريكه غير مرتاح ولا يتأثر؛ ربما لأنه لم يعد لديهما عواطف محبة ومودة أو رحمة للآخر فيقسو أحدهما أو يتجاهل مشاعر إنسانيته بالذات تجاه زوجه.. هذا أمر يفتك بالزواج لا بد .
6. الإساءة المتعمدة بين الزوجين تفتك بالزواج – ولو كانت بغرض المزاح – وكذلك السخرية والتقليل من شأن الآخر، وهذا السبب يعني هدم عمود من أهم أعمدة الزواج الناجح وهو الاحترام، لذا فإن هذا التصرف يمكنه أن يهدم بيتًا قائمًا منذ عشرات السنوات إن استمر وكان متعمدًا، بالذات إن لم يسعَ أي من الزوجين لتصحيح الخطأ.
7. التباعد الجسدي لشهور وإهمال أهمية التواصل جسديًا بين الزوجين سواء كان ذلك بالعلاقة الحميمية، أو بالاحتضان، التربيت باليد، أو النظرات التي تحمل معاني إنسانية كالتقدير، الحنوّ، التعاطف... إلخ. ذلك نذير باتجاه العلاقة الزوجية صوب نهايتها.
8. الإهمال الدائم لاحتياجات الزوج والبيت ومتطلباته وهنا قد يكون السبب مشكلات مادية وتعثرًا في الدخل، وإن لم يكن هذا الأمر واضحًا ومتفقًا عليه بين الزوجين منذ البداية فإنه سيصبح سببًا في تفاقم المشكلات لاحقًا وقد يؤدي استمراره إلى فشل الزواج.
9. الإدمان وتعاطي المخدرات، وكذلك بعض الأمراض العقلية والنفسية كالاكتئاب المستمر الذي لا يحل مهما تدخل طبيب نفساني، كلها أسباب تسهم في انهيار أية علاقة، ومثلها الأمراض المزمنة التي تنبئ عن سلوك سيئ لدى الشريك ، ففي هذا البند دمار حتمي للأسرة يكون الانفصال والطلاق فيها أهم حل إنقاذ لتدارك ما بقي والسيطرة على ما تعرض للتدمير.
ليست جميع الأسباب التي يصرح بها الأزواج الذين يلجؤون إلى الطلاق "تافهة" لكن وللأسف الشديد فإن بعضًا من الأسباب التافهة مع التكرار والإصرار تتحول إلى أسباب بليغة ومبررة لنفور أحد الزوجين من الآخر
الأسباب الحقيقية وراء فشل الزواج:
ليست جميع الأسباب التي يصرح بها الأزواج الذين يلجؤون إلى الطلاق "تافهة" لكن وللأسف الشديد فإن بعضًا من الأسباب التافهة مع التكرار والإصرار تتحول إلى أسباب بليغة ومبررة لنفور أحد الزوجين من الآخر.
اقرأ أيضًا: مختلفون.. لنكمل بعضنا
يذكر المستشار التربوي الكويتي (الدكتور جاسم المطوّع) في إحدى محاضراته ستة أسباب مباشرة لفشل الزواج، وهي:
أولًا/ المفاهيم الخاطئة عن الزواج:
التربية الوالدية قبل الزواج للطرفين أو لأحدهما قد تكون نتائجها سببًا مباشرًا في فشل الزواج كأن يتربى الرجل على أنه مسموح له بالخيانة والعلاقات مع الجنس الآخر أما الزوجة فلا، أو أن أعمال البيت وتربية الأولاد واجب الزوجة وحدها، أو أن تتربى الفتاة على انعدام الخصوصية والحفاظ على أسرار أسرتها أو عدم أهمية احترام الزوج وتوقيره، فتجد أفراد هذه العلاقات عمومًا لا يدوم استقرار بيتهم الزوجي.ثانيًا/ توقع توقعات غير ممكنة من طرف العلاقة المقابل:
ومثال ذلك أن يبني الزوجان توقعاتهما من الزواج على ما يشاهدانه في الدراما والسينما أو حتى في تجارب المحيطين، بينما يفاجآن بالواقع الصادم الذي يحتاج إلى بذل الكثير ليستقر، وهذا معول هدم لأية علاقة أو مخطط، لا شأن للآخرين بما نتوقعه منهم؛ لأن التوقعات ظالمة لنا قبل غيرنا.
ثالثًا/ فن إدارة الخلاف والأزمة الزوجية:
يبذل الناس قصارى جهدهم في حل أي خلاف وأزمة يتعرضون لها في العمل أو مع الأصدقاء والأهل، لكن في الزواج ينساق كثيرون خلف مبدأ "كرامتي لا تسمح" فيفرون من المواجهة وتحمل المسؤولية إلى الطلاق ، كما يلجأ كثير من الأزواج والزوجات باستشارة أطراف من غير الأمناء وغير الأكفاء فيسهمون في تسريع انهيار العلاقة بدلا من إصلاحها.رابعًا/ الإحساس بالأمان:
بالأخص لدى الأنثى، فالمرأة بحاجة دائمة – حسب طبيعتها الأنثوية – للشعور بالأمان في علاقاتها وتحب أن تسمع أنها الأثيرة طوال الوقت، والزوج قد لا يعجبه ذلك أو لا يتقن تقديمه لها وإحاطتها بالشعور به، كذلك الزوج بحاجة للشعور بالأمان وإن كان بنسبة أقل.
خامسًا/ المعصية:
لا شك أن المعاصي تهدم أي بناء، فالمعصية يمكنها تفكيك الأسرة وقتل العلاقات والقضاء على أية رغبة إن بنى الزوجان علاقتهما أو زواجهما على معاصٍ أو استهترا بارتكاب المعاصي فيكون نهاية زواجهما المستقر فشل مفاجئ لا مبرر له إلا المعصية.
الأسرة واحدة من أهم نعم الله تعالى على العباد؛ ففيها السكن والأمان والمودة والرحمة والاستقرار وقرة العين، وهي مؤسسة مقدسة لا يغفر المساس بها، مع أن مشروع الأسرة بات هدفًا واضحًا تصوّب إليه سهام الهدم اليوم بكل وقاحة
سادسًا/ التقليد في العلاج:
العلاج الموصوف لأحد المرضى عمومًا لا يصلح للآخر، ولا يمكن أن يقرر ذلك إلا طبيب خبير، وهذا ينطبق على العلاقات الزوجية فالسبب الذي يمكنه أن يُنجح علاقة زوجين ما، قد يكون سببا في هدم علاقة زوجين غيرهما .اقرأ أيضًا: دور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار خطاب الكراهية
ختامًا..
الأسرة واحدة من أهم نعم الله تعالى على العباد؛ ففيها السكن والأمان والمودة والرحمة والاستقرار وقرة العين، وهي مؤسسة مقدسة لا يغفر المساس بها، مع أن مشروع الأسرة بات هدفًا واضحًا تصوّب إليه سهام الهدم اليوم بكل وقاحة حتى إن الكثير من الشباب والشابات يعزفون عن الزواج بإيعاز من أبواق مغرضة تشوّه الجمال أنّى كان وتضيف إطارا للعيوب لتبرزها أكثر، بينما يتردد بعض الشباب كثيرًا عند اتخاذ قرار الزواج، وآخرون يُعرضون عنه خوفًا من الفشل والطلاق.
ولذلك فإن من واجب المربين والمصلحين تنبيه الشباب إلى أن أغلب الزواجات التي تنهار يكون سببها عدم محاولة أي من الزوجين إصلاح الأمر، ينتهي الاختلاف الذي "كان تافها" بوصول الزوجين بعلاقتهما إلى طريق مسدود .